مديونية مصر تتجاوز الحدود الآمنة وتلتهم الإيرادات

19 ابريل 2017
فوائد الديون تحرم الشعب من إيرادات الدولة (أحمد إسماعيل/الأناضول)
+ الخط -
وصلت معدلات الزيادة في المديونية المصرية إلى مرحلة خطيرة، يصعب فيها التحكم في المؤشرات والأرقام التي خرجت جميعها عن السيطرة، بفعل السياسات الحكومية التي تبدو أكثر تضاربا وتناقضا من أي وقت مضى.
ومع زيادة معدلات الديون، تضطر الحكومة المصرية إلى مزيد من الاقتراض لسداد ما عليها من التزامات، واتخاذ مجموعة من القرارات التي يمليها عليها الدائنون، ما يترتب عليه ارتفاعات جديدة في الأسعار، وزيادات قياسية في معدلات التضخم، والتي تقترب حاليا من 33%.، وهي الأعلى منذ 32 عاما.
ومع زيادة التضخم، يتجه البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة، فترتفع معها نسبة الفوائد على القروض، التي تشكل خطرا إضافيا على حجم المديونية العامة، باعتبار أن الحكومة المصرية هي أكبر مقترض من البنوك المحلية.
وتقدر فوائد الدين في الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2018/2017، بنحو 380 مليار جنيه (21 مليار دولار).
وأشار البنك المركزي، في تقريره الأخير، إلى أن إجمالي الدين الخارجي للبلاد ارتفع بنسبة 40.8% على أساس سنوي في النصف الأول من السنة المالية 2016-2017، بينما زاد الدين العام الداخلي 28.9% في الفترة ذاتها.
ووفقاً لتقرير البنك على النصف الأول من السنة المالية الجارية، والذي يغطي الفترة من يوليو/تموز 2016 إلى يوليو/تموز 2017، فإن الدين الخارجي للبلاد زاد إلى 67.322 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2016، من 47.792 مليار دولار في النصف الأول من 2015-2016.

خطوط حمراء
وفي حديثهم لـ "العربي الجديد"، اختلف خبراء الاقتصاد على نسبة الديون من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتراوحت تقديراتهم بين 101% و130%، إلا أنهم أجمعوا على تخطي الدين العام الحدود الآمنة التي لا تزيد عن 65% من الناتج المحلي، منتقدين اعتماد الحكومة على الحلول الأسهل في الاستدانة والاقتراض لسد عجز الموازنة بدلا من تقديم حلول تخلق تنمية حقيقية تفيد كل شرائح المجتمع.

واعتبرت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سابقا، عالية المهدي، أن معدل الديون المصرية أصبح مقلقا للغاية مقارنة بحجم الناتج المحلي، في ظل التزايد والتنامي الكبير في الديون سواء المحلية أو الخارجية، لافتة إلى أن تضاعف سعر الدولار وتراجع موارد مصر من النقد الأجنبي يصعب من مهمة البلاد في الوفاء بالتزاماتها الخارجية، في الوقت الذي تزداد أعباء الديون المحلية مع ارتفاع معدلات الفائدة وتفاقم العجز في الموازنة العامة للدولة.
وقالت المهدي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إن الحكومة المصرية مطالبة بسداد ما يقرب من 15 مليار دولار ودائع خليجية، فيما تبدأ سداد قرض صندوق النقد الدولي خلال 3 سنوات من تاريخ الحصول عليه، بجانب ديون أعضاء نادي باريس وتركيا وليبيا، في الوقت الذي يبلغ فيه حجم الاحتياطي النقدي أقل من 29 مليار دولار.
وأوضحت عالية المهدي أن احتياطي مصر من النقد الأجنبي يتضمن 15 مليار دولار ودائع خليجية، و4 مليارات دولار سندات دولية، و2.75 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، وملياري دولار للبنك الدولي، وملياري دولار لليبيا، ومليار للبنك الأفريقي للتنمية، ومليار أخرى لتركيا، لافتة إلى أن مصر لا تملك من الاحتياطي النقدي سوى 4 مليارات دولار، وهي حجم نصيبها من الذهب.
وسوقت مصر سندات دولاريه في يناير الماضي بقيمة 4 مليارات دولار، مقسمة إلى 1.750 مليار دولار لأجل 5 سنوات بعائد بلغ 6.1%، ومليار دولار لأجل 10 سنوات بعائد 7.5%، و1.250 مليار دولار لأجل 30 سنة بعائد 8.5%.
وأكدت المهدي أن هذا العائد يعد الأعلى عالميا، إذ إن متوسط عوائد السندات في دول العالم الثالث لا تتجاوز 4.9%.
وتوقعت الوثائق التي كشف عنها صندوق النقد الدولي بشأن مصر، أن ترتفع ديون البلاد الخارجية إلى 102.4 مليار دولار بعد الانتهاء من برنامج "الإصلاح الاقتصادي"، لتصل إلى أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020/ 2021، في حين أكد البنك المركزي أكد إجمالي الدين قصير الأجل المستحق على مصر وواجب السداد قبل نهاية ديسمبر 2017، يبلغ 11.9 مليار دولار.

بوابة الاحتلال الأجنبي
ولفت أستاذ الاقتصاد ووزير التموين الأسبق، جودة عبد الخالق، إلى أن الحكومة المصرية تتباهى بالاستدانة، غير عابئة بالعواقب المترتبة على زيادة معدلات الدين، مشيرا إلى أن الدين كان البوابة التي دخل منها الاحتلال الأجنبي إلى مصر.

وأوضح، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن فاتورة فوائد الدين العام (بخلاف الأقساط) ارتفعت إلى 380 مليار جنيه في موازنة 2017/2018 وأصبحت للمرة الأولى أكبر بنود الإنفاق العام في الموازنة، في الوقت الذي يقدر بند الأجور في الموازنة بـ 240 مليار جنيه فقط، مضيفا أن ما يخصص لسداد فوائد الدين يعادل مرة ونصف ما يخصص للأجور.
وأشار عبد الخالق إلى أن تقديرات فوائد الدين مبنية على سعر صرف افتراضي هو 16 جنيها للدولار، قائلا: "هذا يعني أنه إذا ظل سعر الدولار خلال سنة الموازنة كما نلاحظه منذ التعويم في حدود 18 جنيها، فستزداد استحقاقات فوائد الدين إلى نحو 50 مليار جنيه".
وحذر الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والسياسية، رشاد عبده، من خطورة الوضع الحالي للمديونية المصرية، مؤكدا وصول معدلات الدين إلى ما يزيد على 101% من الناتج المحلي، في حين تمثل النسبة الآمنة للديون مجتمعة (محلية وخارجية) أقل من 65% من حجم الناتج المحلي للدولة.
وأضاف عبده، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "الخطورة لا تتوقف عند مقارنة نسبة الديون بالناتج المحلي، ولكن تتضمن بقوة تفاقم أعباء تلك الديون، سواء المحلية بعد رفع معدلات الفائدة المحلية، أو الخارجية في ظل تضاعف سعر الدولار وتراجع موارد مصر من النقد الأجنبي.

تلاعب بالأرقام
ويرى المحلل المالي أحمد سعيد، أن تجاوز نسبة الديون للحدود الآمنة من الناتج المحلي تؤثر سلبيا على صورة الاقتصاد المصري في مجمله لدى المستثمرين الأجانب وكذلك مؤسسات التصنيف الائتماني، منتقدا استمرار اعتماد الحكومة على القروض والاستدانة دون السعي لتقديم حلول بديلة تمكنها من سد عجز الموازنة العامة.
وأوضح سعيد لـ "العربي الجديد" أن النسبة المعلنة للديون وهي 101% من الناتج المحلي الإجمالي غير دقيقة، مؤكدا أن الحكومة تتلاعب بالأرقام لتظهر النسبة متدنية بعض الشيء.
وأضاف أن حجم الديون وأعباءها مقارنة بالناتج المحلي تسجل نسبة لا تقل عن 130%، بحسب تقديراته، لافتا إلى أن المديونيات تحسب بفوائدها وأعبائها، وهو ما تتجاهله الدولة في كثير من الأحيان لتظهر المديونيات في الحدود المقبولة.


المساهمون