ملفات الفساد في الموصل تطفو بعد غرق العبارة

30 مارس 2019
غرق العبّارة كشف عشرات ملفات الفساد (الأناضول)
+ الخط -
طفت ملفات الفساد الذي تعاني منه الموصل، أكبر مدن شمال العراق، بعد حادث غرق العبارة الذي تسبب بمقتل حوالى مائة شخص، ما دفع السلطات الى إصدار أوامر بتوقيف المحافظ وملاحقة مسؤولين محليين في المدينة التي ما زالت تنتظر إعادة الإعمار بعد أن دمرتها حرب ضارية مع تنظيم داعش الإرهابي.
وكانت الصدمة كبيرة بعد غرق العبارة، الأسبوع الماضي، الذي أدى إلى مائة قتيل على الأقل، فيما لا يزال 63 آخرون مفقودين، وغالبية الضحايا من النساء والأطفال من سكان الموصل التي استعادت القوات العراقية السيطرة عليها من التنظيم في تموز/يوليو 2017.

ويعاني العراق منذ سنوات من فساد استشرى في مؤسساته. ويحتل المرتبة 12 بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وقد تسبّب هذا الفساد خلال السنوات الـ15 الماضية بخسارة 228 مليار دولار ذهبت الى جيوب سياسيين وأصحاب مشاريع فاسدين، وفق مجلس النواب العراقي، ويمثل هذا المبلغ اليوم ضعف الميزانية وأكثر من الناتج المحلي للبلاد.
ولم يتعرض إلا القليل من المسؤولين للمساءلة، وهرب أغلبهم خارج العراق، ونجا آخرون مستغلين امتيازات خاصة.
وحتى الذين دينوا منهم، كان القانون متساهلا معهم ولم يعاقبوا وخرج البعض بحكم "عفو" أو بعد مبلغ يمثل جزءا صغيرا من الأموال المسروقة، وفقا لمصادر قضائية.

لكن حادثة غرق العبارة في الموصل أعادت إلى الواجهة كل هذه التجاوزات، وخرج ذوو الضحايا في تظاهرات رددوا خلالها "الفساد يقتلنا".
وذكر تقرير برلماني أن هناك "مؤشرا على وجود احتقان طائفي خطير سببته الممارسات السلبية"، وعوامل على "ظهور ما يسمى بيعة جديدة لداعش الإرهابي، واستنهاض عناصره مرة أخرى" في محافظة نينوى.

والفساد أيضا يحول دون أن تبدأ حتى الآن عمليات إعادة إعمار محافظة نينوى التي خضعت لأكثر من ثلاث سنوات لسيطرة التنظيم، وشهدت معارك دامية لاستعادة السيطرة عليها. هذا ما أكده التقرير البرلماني الذي شارك في إعداده 43 نائبا بعد مقابلات استمرت أربعة أشهر مع السكان والمسؤولين، وتمكنت وكالة "فرانس برس" من الاطلاع على نسخة منه.

تجارة وتهريب

وكشف التقرير الذي يتألف من 40 صفحة، حجم الفساد في المحافظة التي تصل موازنتها إلى 800 مليون دولار. فتحدث عن "هيمنة لجان اقتصادية تدعي الانتماء إلى الحشد الشعبي، وتسيطر على المشاريع والأراضي والمزادات".
ودخلت مليشيات "الحشد الشعبي"، مدينة الموصل بعد طرد تنظيم "داعش" منها. ولم يلق ترحيبا من سكان المدينة الذين اتهموا البعض من رجال الحشد بالسعي للاستفادة من الحروب وممارسة انتهاكات طائفية بحق السكان. ولم تتمّ إعادة بناء أي شيء في الموصل، لكن تمّ تدمير عدد كبير من المباني بذريعة رفع الأنقاض.


ويقول مسؤول محلي إن رجال أعمال حصلوا على ملايين الدولارات، من خلال إعادة بيع حديد التسليح وأطنان من مخلفات المباني.
وذكر المسؤول، وفقا للتحقيق البرلماني، أن "المكاتب الاقتصادية قامت بنهب ممتلكات المحافظة كالحديد وغيره، وتقدر قيمته بالمليارات. للأسف، إن مكتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء هو الذي يمنح الموافقات ويرسل البرقيات بالموافقة".

كما كشف التقرير أن محافظ نينوى نوفل العاكوب، الذي أقيل وصدرت بحقه مذكرة توقيف، قام بـ"بناء طريقين يتعارضان مع القواعد البلدية بهدف تهريب مشتقات نفط من حقول تقع إلى الجنوب من الموصل".

كم من غرقى وضحايا؟

وأدى غرق العبارة التي كانت مكتظة بالنساء والأطفال الذين كانوا يحتفلون بعيد النوروز وعيد الأم، رغم تحذيرات رسمية بارتفاع منسوب مياه نهر دجلة، إلى إشعال فتيل النار في ملفات فساد كثيرة أخرى.
وقال النائب عبد الرحمن اللويزي، الذي شارك في التحقيق، إن "المحافظ أقيل بناء على توصيات اللجنة البرلمانية التي كانت تعمل قبل الحادثة، لكنها جاءت تحت تأثير حادثة العبارة".

ويقول ناجون من الحادث إنه كان بالإمكان تجنب وقوع كارثة العبارة، لكن بالنسبة إلى العراقيين، بات هذا الحادث مؤشراً على ضرورة منع تولي "فاسدين" مناصب مهمة.
وكتب ناشط عراقي على حسابه على موقع للتواصل الاجتماعي: "غرق العبارة كشف عشرات ملفات فساد في الموصل".
وتابع: "كم يتطلب من ضحايا وغرقى أن يقعوا، للكشف عن ملفات الفساد في المحافظات الأخرى في العراق؟".

وفيما تواصل قوات الشرطة اليوم مطاردة المحافظ العاكوب في عموم البلاد، يرى وزير الدفاع السابق عبد القادر العبيدي أن آخرين يتنافسون على خلافته في المنصب، لا يترددون في السير على الطريق ذاته.
وذكر العبيدي في لقاء عبر إحدى القنوات المحلية أن أحدهم "اقترح على عدد من أعضاء مجلس المحافظة مبلغ 250 مليون دينار (أكثر من 200 ألف دولار) لكل واحد منهم، مقابل دعم ترشيحه" لمنصب المحافظ.


(فرانس برس)
المساهمون