أعلنت "جمعية مصارف لبنان" الاستعداد لأن تباشر فوراً التفاوض مع الحكومة لإعادة جدولة الدين العام في اتجاه تمديد آجال الاستحقاقات وتخفيض فوائده، بما يتوافق مع قدرة الدولة على السداد ومع الحفاظ على مصلحة المودعين وسلامة القطاع المصرفي.
وفي بيان وزعته مساء اليوم الأربعاء، تحت عنوان "مساهمة جمعيّة مصارف لبنان في تعافي لبنان الاقتصادي"، قالت الجمعية إنها قدّمت خلال اجتماع لجنة المال والموازنة النيابية اليوم مقاربتها لإخراج لبنان من الأزمة التي يواجهها، رغم أنه لم يتمّ إطلاع الجمعية أو استشارتها في إعداد خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي، علماً أن القطاع المصرفي اللبناني هو من أكثر القطاعات ديناميكيّة في اقتصادنا الوطني، وهو يساهم بنسبة 6% في تكوين ناتجنا المحلّي الإجمالي، كما يساهم بحجم ملحوظ من احتياجات تمويل القطاع العام ومن الإيرادات الحكومية، ويستخدم ما يقارب 26 ألف موظّف من ذوي الكفاءات والمهارات العالية.
وقد أبدت الجمعية في خلال الاجتماع استعدادها لمشاركة السلطات في إيجاد الحل الأنسب الذي ينبغي اعتماده لمصلحة البلد.
ولاحظت الجمعية أن الخطة الحكوميّة للإنعاش المالي تنطوي على ثغرات عدّة من شأنها أن تقود البلاد، في حال تنفيذها، إلى كارثة اجتماعية واقتصادية. وعلى الرغم من أن لبنان في أزمة غير مسبوقة وأن المعاناة على الأمد القصير لا يمكن تجنّبها، فليس ثمّة ما يدعو إلى تعميق البؤس الجماعي في البلاد وتأخير الانتعاش الاقتصادي، مضيفة أنه "لا شكّ في أن هناك طرقاً أفضل لإدارة الأزمة والخروج منها ولتعزيز متانة النظام المالي والاقتصادي بكامله".
"مجموعة تمارين محاسبية"
الجمعية قالت إن خطة الحكومة ليست خطة اقتصادية بل مجموعة تمارين محاسبيّة، وقد فشلت في معالجة جذور الأزمة. فحتى ولو تمّت إعادة التوازن في الأشهر المقبلة، فذلك لن يدوم إلّا لفترة وجيزة، ما يُفسح المجال أمام إعادة انتاج اختلالات جديدة سيُصار الى تصحيحها مجدداً على حساب اللبنانيّين.
ولاحظت أن الخطة الحكومية تسعى إلى تحقيق هذا التوازن المفترض من خلال التعثّر الداخلي. ولأن التخلّف عن السداد الداخلي له مضاعفات كبيرة وخطيرة، فهو نادر للغاية. وإذا غرق لبنان في انكماش اقتصادي حادّ من جرّاء التعثّر الداخلي، فلن يظهر ضوءٌ في نهاية النفق: فرأسمالنا هو العنصر البشري العابر للحدود.
وقالت إن التخلّف عن السداد الداخلي من شأنه أن يخفّض إنتاجنا إلى مستوى أدنى منه في اليمن وكمبوديا، وسيعاني شعبنا من الفقر طوال العقد المقبل. ثمّ إن خطة الحكومة تدعو مصرف لبنان أيضاً إلى التخلّف عن السداد. وبخلاف المصرف المركزي لزيمبابوي، فإن المصارف المركزية حول العالم تفي دائماً بالتزاماتها.
وبحسب الجمعية، تلحظ خطّة الحكومة حتى تداعياتها الأولية. فالركود الاقتصادي الحادّ المقترن بالتعثّر الداخلي يجعل أرقام الإيرادات المالية للحكومة غير واقعية. ذاك أن الخطّة الحكوميّة لم تدرك أن التخلّف عن السداد الداخلي سيؤدّي إلى انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي بشكل أكثر حدّةً مما هو متوقَّع (25% بدل 14%).
كما أنها لم تستوعب أن العائدات الضريبيّة ستتدهور أكثر، لأنّ الامتثال الضريبي سيتراجع إلى حدّ كبير، وسيشعر المواطنون بانعدام المسؤولية في الشأن المالي، ما قد يؤدّي إلى إفلاس العديد من الأشخاص والشركات.
"لا رؤية اقتصادية"
واعتبرت الجمعية أن الحكومة لا تقدّم رؤية اقتصادية لإخراج الاقتصاد من الركود. والواقع أننا، في الجمعية، على يقين راسخ بأن لبنان يمكن أن يحقّق نمواً اقتصادياً كبيراً بنسبة 5% إلى 6% سنوياً من خلال اعتماد هيكلية اقتصادية تعزّز مزايانا التنافسية على النحو الذي قامت بها هونغ كونغ وأيرلندا وسنغافورة وغيرها. فهذه البلدان تشاركنا الكثير: جميعها ذات مساحة جغرافية صغيرة، وكلّها محاطة ببلدان كبيرة، وتعاني ندرة في الموارد الطبيعية أو الأولية، ولديها رأسمال بشري مؤهّل.
ركيزتان لمساهمة جمعية المصارف
وترتكز مساهمة جمعية المصارف في تعافي لبنان المالي على نهج قائم على ركيزتين مقرون بجدول زمني واضح للتنفيذ على مراحل. أما الركيزتان فهما:
أولاً، استجابة فورية متوازنة وفعّالة تعالج احتياجات التمويل الخارجي وتضع المسار المالي ومسار الدين في المدى المتوسط على أساس مستدام، مع تجنّب التخلّف عن سداد الديون الداخلية الذي ستكون له عواقب مدمّرة على الشعب اللبناني وعلى قدرة البلد على استعادة الثقة.
ثانياً، إطلاق إصلاحات هيكلية طال انتظارها في غضون الأشهر المقبلة لتعزيز النمو المستدام والشامل جرّاء التنويع الاقتصادي.
التنفيذ المرحلي في الوقت المناسب
قالت الجمعية في بيانها إنها أعدّت مقاربة اقتصادية تعتمد على ثروة لبنان - سكّانه - والعوامل التي أدّت إلى نجاح الدول المماثلة. وترتكز هذه المقاربة على تنويع الاقتصاد اللبناني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج، والاستفادة من رأسمالنا البشري الضخم لإدخال لبنان بنجاح في اقتصاد المعرفة.
وسيقترن هذا التنوّع الاقتصادي بخطّة لبنية تحتية طموحة وواقعية في مجال النقل والاتصالات مع إصلاحات هيكلية مطلوبة لهذه القطاعات.
وعلى عكس الخطة الحكوميّة، فإن توقّعات ميزان المدفوعات لدى الجمعية تنبثق مباشرةً من المقاربة الاقتصادية المذكورة. إذ تقدّر أن يسجّل ميزان المدفوعات استناداً إلى رؤيتها، توازناً بحلول عام 2024.
وعلى الصعيد المالي، تستهدف مقاربة الجمعية تحقيق فائض أولي واقعي بحدود 2.1% من الناتج المحلّي الإجمالي في عام 2024، وهو ما يضع الدين العام في سياق إيجابي.
وسيشتمل أداء المالية العامة على إنشاء شبكة أمان اجتماعي بقيمة غير مسبوقة نسبتها 4% من الناتج المحلّي الإجمالي بحلول عام 2024. ونحن لا نخطّط لهذا المستوى من الإنفاق الاجتماعي بشكل غير مدروس واسترضائي، بل إنه المستوى الذي نراه ضرورياً لتجنّب استمرار انحدار مواطنينا إلى الفقر والعوز.
وبرأي الجمعية، لا يمكن الحصول على هذه النتائج إلّا إذا تخلّت الحكومة عن خيارها الخطير بإضافة التعثّر الداخلي المؤذي الى التعثّر الخارجي. فلا يمكن تحقيق الاستقرار المالي ولا النمو الاقتصادي في دولة تقرّر إسقاط ديونها من جانب واحد، وتصادر الممتلكات بشكل غير قانوني، وتتدخّل في العقود الخاصة.
ولا جدال، برأيها، في أن سيادة القانون واحترام قدسيّة العقود شرطان لازمان للنمو الاقتصادي. لن ننجح كدولة إذا تبنّينا حلولاً سريعة او متسرّعة لمشاكلنا، وهو عكس ما فعلته تلك الدول المزدهرة في أوقات الأزمات لديها.
كذلك، ترتكز مقاربة الجمعية على تجنّب التخلّف عن السداد الداخلي، وتخفّض احتياجات التمويل الخارجي الى حوالى 8 مليارات دولار بدلاً من 28 مليار دولار خلال الأفق الزمني ذاته لخطّة الحكومة.
وتشدّد مقاربة الجمعية على الدور الرئيسي الذي تلعبه، قانونياً ونظامياً، السلطات النقدية والرقابية في لبنان لجهة إعادة هيكلة القطاع المالي اللبناني وإعادة هيكلة وجدولة الدين العام. لذلك نرى، كخطوة أولى، ضرورة تسوية ديون الحكومة لمصرف لبنان بشكل عادل.
"آلية تسوية"
وتتوخّى مقاربتنا اتّباع آلية تسوية تتضمّن الخطوات التالية:
- إنشاء صندوق حكومي لتخفيف الديون (GDDF)؛
- مساهمة الحكومة من خلال الأصول أو الممتلكات العامة بقيمة 40 مليار دولار أميركي في الصندوق المذكور مقابل الحصول على 100% من أسهم الصندوق، أي كامل الملكيّة؛
- إصدار الصندوق لأوراق مالية مضمونة طويلة الأجل بقيمة 40 مليار دولار، يحملها مصرف لبنان مقابل التسوية النهائية لدين الحكومة لصالح المصرف المركزي؛
- يتنازل مصرف لبنان للصندوق عن كامل محفظة اليوروبوند وسندات الخزينة اللبنانية؛
في المقابل، يشطب الصندوق للحكومة كامل محفظة الديون المشار إليها أعلاه، مقابل الأصول التي ساهمت بها الحكومة في الصندوق.
- يتمّ تحويل رصيد إيرادات الصندوق إلى الخزينة العامة بعد أن يسدّد الصندوق الفوائد المتوجّبة لمصرف لبنان.
ويمكن تنفيذ هذا التبادل الداخلي الذي يجنّب التخلّف عن السداد بسرعة وسلاسة لصالح جميع أصحاب المصلحة - مما يتيح للحكومة المضي قدماً في التعامل مع بقيّة المسائل والملفّات الملحّة، وفقاً لبيان الجمعية.
تقول الجمعية إن "المصارف لا تطلب الإنقاذ أو التعويم لأنها ليست بحاجة إلى ذلك. فصناعتنا المصرفية سليمة، وما نحتاجه هو أن تلتزم الحكومة بما عليها في الوقت المناسب. وسوف تكون المصارف على استعداد لأن تباشر فوراً التفاوض مع الحكومة لإعادة جدولة الدين العام في اتّجاه تمديد آجال الاستحقاقات وتخفيض فوائده بما يتوافق مع قدرة الدولة على السداد ومع الحفاظ على مصلحة المودعين وعلى سلامة القطاع المصرفي ضمن النُظم القانونية والدستورية المعمول بها في لبنان".