سقطت الحكومة اللبنانية الثلاثاء، تحت ضغط انتفاضة انطلقت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول. في المقابل، تتزايد الدعوات للقيام بإجراءات رسمية تفرض قيوداً على حركة الأموال خوفاً على المزيد من تراجع سعر صرف الليرة، وحصر تزاحم المواطنين أمام المصارف عندما تفتح أبوابها الجمعة.
وتم إغلاق المصارف منذ بداية الانتفاضة قبل أسبوعين، وأعلنت جمعية المصارف في بيان أمس أنه بعد التشاور مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سيستأنف العمل المصرفي ابتداء من الخميس، على أن تبقى أبوابها مقفلة أمام المواطنين حتى يوم الجمعة.
وكلما بقيت المصارف مغلقة، زاد تراكم الطلب على الدولار وتزايدت التكهنات حول التدابير التي ستحتاج المصارف إلى اتخاذها لتجنب الانهيار المالي.
وفي إشارة إلى تراجع الثقة، تلقت المصارف وفق تقرير نشرته "بلومبيرغ"، الأربعاء، مكالمات من عملاء يطلبون تحويل أموالهم إلى الخارج بينما يعمل الآخرون بوتيرة محمومة لتحويل الأموال إلى حسابات سويسرية، حسبما أفاد مصرفيون محليون وأجانب.
وأصبحت ضوابط رأس المال مرة أخرى السلاح المفضل للحكومات المتعثرة التي تحتاج إلى مساحة للتنفس، مع تشديد الأرجنتين لقيودها في وقت متأخر يوم الأحد. مثل هذه الخطوة، حتى لو كانت مؤقتة، ستشكل نقطة تحول للبنان لأنه من المحتمل أن يتسبب في رد فعل عنيف بين المودعين والمستثمرين.
تأخر فتح المصارف
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لوكالة "رويترز" الاثنين إنه لن تكون هناك ضوابط
وشرح مصدر مصرفي لـ "العربي الجديد"، أن تأخير فتح الأبواب أمام المواطنين يعود إلى التحضيرات اللازمة لذلك وإنهاء المعاملات المتراكمة خلال الأسبوعين الماضيين.
وحاول المصرفي طمأنة المودعين لافتاً إلى أن الوضع المصرفي لا يزال متيناً، وأن المصارف تعرف كافة السيناريوهات المتوقعة بعد فتح أبوابها، منها التحويل من الليرة للدولار وسحب الودائع إلى الخارح وسحب دولارات إضافية، وأنها ستتعامل مع هذه التحديات.
وحول وضع سقوف لسحب الودائع وضوابط على المعاملات المصرفية، اعتبر المصرفي أن لبنان يعتمد النظام الاقتصادي الحر الذي يضمن حرية تنقل رؤوس الأموال. ولبنان، أحد أكثر البلدان مديونية في العالم، لديه القليل من الخيارات القابلة للتطبيق، فهنالك مئات الآلاف من اللبنانيين الذين ظلوا في الشوارع لمدة أسبوعين، مطالبين باستقالة سلطة يقولون إنها سلبت خزائن الدولة وهي على وشك الإفلاس، في حين تُرك الناس مع الخدمات العامة السيئة وانقطاع التيار الكهربائي اليومي.
وأكدت مصادر لـ "العربي الجديد" أن أسعار غالبية السلع في الأسواق ارتفعت ما بين 14% إلى 30%، مع رفع الموزعين بيع البضائع إلا بالدولار، أو بالليرة وفق سعر يراوح ما بين 1700 و1800 (السعر الرسمي 1507 ليرات أمام الدولار)
وشهد إصدارا 2021 و2022 أشد تراجعاتهما اليومية على الإطلاق، إذ هويا ستة سنتات. وقفزت عوائد بعض السندات لتصل في حالة إصدار 2020 إلى 38%، مما يشير إلى أن تكاليف الاقتراض قد أصبحت باهظة على نحو كبير للبلد المثقل بالديون.
خفض في التصنيف
وفي الليلة الماضية، خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، تصنيف كل من بنك عوده وبنك
وقال مصدر مصرفي لـ "العربي الجديد" إن تصنيف فيتش جاء متسرعاً، لافتاً إلى أن الوكالة لو انتظرت 24 ساعة إضافية كانت لتغيّر موقفها هذا. واعتبر أن استقالة الحكومة أعطت صدمة ايجابية للأسواق، داعيا إلى التسريع في تشكيل حكومة تضع في أولوياتها حل المسائل المعيشية والاقتصادية.
واشتكى المستوردون منذ أشهر من أن البنوك لم تعد تسمح لهم بتحويل أموالهم بالليرة اللبنانية إلى دولارات لدفع تكاليف الشحنات من الخارج. بدلاً من ذلك، كانت الشركات تتجه على نحو متزايد إلى محال الصرافة للعملات الصعبة، وتدفع أكثر من السعر الرسمي البالغ 1507 ليرات، بما يصل إلى حوالي 1800 ليرة مقابل الدولار الواحد.
وخلال هذا العام، فرض بعض المصارف قيوداً على الدولار مع وضع رسوم إضافية على عمليات السحب بالعملة الأجنبية أو التحويلات خارج لبنان.
وقال جهاد حكيم، وهو خبير اقتصادي ومحاضر جامعي لـ "بلومبيرغ": "قد يشددون الضوابط على رؤوس المال لتجنب الضغوط على المصارف والحفاظ على الودائع ومحاولة الحفاظ على استقرار العملة الوطنية".
وتقوم المصارف بتزويد الصرافات الآلية للسماح للناس بالوصول إلى رواتبهم وتلبية احتياجاتهم اليومية، لكن بعضها حدد حداً يومياً لسحوبات بقيمة مليون ليرة لبنانية (663 دولاراً) وتصل إلى 1200 دولار في مصارف أخرى.
وقال مصرفيون إن عددا من البنوك يساعد أيضاً المستوردين على الوفاء بخطاباتهم الائتمانية الدولارية، لتجنب نقص المواد الغذائية أو اللوازم الأخرى.
وشرح وزير الاقتصاد اللبناني السابق ناصر السعيدي أن إغلاق البنوك في مواجهة الاحتجاجات كان قراراً خاطئاً. "هذا يخلق حالة من الذعر والتدفق على البنوك حيث يخشى المودعون من عدم القدرة على سحب ودائعهم، وهذا التوجه يزيد من انخفاض قيمة الليرة اللبنانية في السوق الموازية".
وضع معقّد
وتجتاح موجة احتجاجات غير مسبوقة لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول، مع خروج الآلاف إلى الشوارع مطالبين الحكومة بالاستقالة وسط غضب متصاعد حيال الزعماء السياسيين المتهمين بالفساد.
وقال بريت ديمنت، رئيس قسم الأسواق الناشئة العالمية لدى أبردين ستاندرد انفستمنتس الاستشارية الدولية إنه "من الصعب النظر لاستقالة الحكومة كعامل إيجابي"، مضيفاً أنه لا يوجد وضوح بشأن شكل الحكومة البديلة.
وتابع ديمنت "الوضع شديد التعقيد وعلى لبنان سداد فواتير باهظة وسيكون من الصعب اجتياز الوضع الراهن دون إصلاحات اقتصادية حقيقية".