منح الرئيس التونسي قيس سعيد، وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ، التفويض لتشكيل حكومة جديدة، مستندا في ذلك إلى سيرته التي تجمع بين الخبرة الاقتصادية والمالية وانتمائه إلى حزب التكتل الاجتماعي الذي يحمل النهج الثوري.
وبعد إطاحة البرلمان في العاشر من يناير/ كانون الثاني الجاري، حكومة الحبيب الجملي، تنافس الفخفاخ الفائز بثقة رئيس الدولة على منصب رئاسة الحكومة، مع زملاء له سبقوا أن تولوا حقائب مهمة في حكومات سابقة من بينهم 3 وزراء سابقين للمالية والاستثمار والطاقة وهم على التوالي حكيم بن حمودة، وفاضل عبد الكافي، ومنجي مرزوق.
وتنتظر الفخفاخ القادم من حزب التكتل ذي التوجه الاجتماعي (التكتل الديمقراطي) تحديات اقتصادية ومعيشية كبيرة، لإثبات جدارته بالثقة التي حظي بها مقابل منافسين كانت لهم حظوظ كبيرة لنيل المنصب بعد تزكيتهم من الأحزاب ذات الأغلبية البرلمانية (حركة النهضة وقلب تونس).
وأمام الفخفاخ وفق دستور البلاد مهلة تصل إلى 30 يوما لتشكيل فريقه الوزاري، الذي قال إنه سيكون مصغرا وسيعتمد على كفاءات حزبية ووطنية لها خبرة ودراية في إدارة الشأن العام.
ويجمع المهتمون بالشأن الاقتصادي على أن مهمّته ستكون الأصعب بسبب وضع المالية العمومية وارتفاع الدين العام وتفاقم الأزمات المعيشية التي تضع الرجل أمام تحدي إثبات القدرة على النأي بالبلاد من الانزلاق نحو مزيد من الاختناق المالي والانفجار الاجتماعي.
وقال وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي، حسين الديماسي، إن مهمة الفخفاخ الذي سيكون في اختبار قاس مع البرلمان هي الأصعب في تاريخ تونس.
وأكد الديماسي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن أمام رئيس الحكومة الجديد الذي سبق أن خبر العمل الحكومي في حقيبتي السياحة والمالية تحديات كبيرة لضمان المساندة البرلمانية في القرارات الاقتصادية والاجتماعية التي ستمليها المرحلة القادمة، موضحا أنه مطالب بتلبية نداء الشارع والوفاء لثوابت حزبه ذي التوجه الاجتماعي واسترضاء الدوائر المالية الدولية التي تطالب بإصلاحات اقتصادية موجعة للطبقات الوسطى والضعيفة.
ولخّص وزير المالية السابق أولويات حكومة الفخفاخ في أربع نقاط أساسية، وهي إنقاذ المالية العمومية بتوفير موارد سريعة تحول دون السقوط في مزيد من العجز، أو عدم قدرة البلاد على سداد أقساط الديون التي فاقت لأول مرة في تاريخ البلاد حجم القروض المبرمجة للعام الحالي، إلى جانب تفادي عجز صناديق المعاشات التي تهدد بوقف صرف رواتب المتقاعدين، فضلا عن تحدي تنشيط النمو وإصلاح المؤسسات الحكومية التي تراكم خسائر كبيرة تستنزف جهد الدولة، وفق قوله.
وتحتاج تونس، وفق قانون المالية (الموازنة) الذي أقره البرلمان، إلى نحو 4 مليارات دولار من القروض الداخلية والخارجية لسد عجز الموازنة.
فيما يؤكد خبراء مال ومسؤولون حكوميون أن الموارد الذاتية للدولة لن تكون كافية لسداد دين يساوي نحو ربع موازنة البلاد المقدرة بـ16 مليار دولار، ما يحتم اللجوء إلى قروض جديدة من أجل السداد.
وطالب الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدات، أن يحمل رئيس الحكومة القادم مشروعا لإنقاذ البلاد وأن يكون انشغاله بقضايا التونسيين ومطالبهم الحقيقية وليس بمستقبله السياسي.
ودعا الخبير الاقتصادي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى ترميم علاقة تونس مع المانحين الدوليين، وطلب مساعدتهم على توفير تمويلات للموازنة بشروط ميسرة لا تزيد في إغراق البلاد في الديون.
وأضاف أن من أولويات الحكومة إعادة المفاوضات المعطلة مع صندوق النقد الدولي، مشددا على ضرورة استغلال فرصة ما يسمى باجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين والتي تنعقد في إبريل/ نيسان المقبل بالعاصمة الأميركية واشنطن لإقناع المانحين بمواصلة دعم تونس.
ويحسب للفخفاخ في فترة توليه وزارة المالية أنه كان الأكثر بين زملائه في ذات المنصب قدرة في الحفاظ على التحكم في الموازنات المالية، حيث لم تشهد فترته أي زيادة في أسعار المحروقات بالرغم من ملامسة سعر النفط حينها 100 دولار. كما نجح في مهمة حصر العجز بالموازنة في حدود 4 في المائة ومحاصرة التضخم والحيلولة دون انهيار قطاعي المناجم والصناعة.
في المقابل، يعاب على رئيس الحكومة المكلّف أنه كان أول من أعاد تشريع الأبواب للتعامل مع صندوق النقد الدولي، بعد حصول تونس عام 2013 على قرض بقيمة 1.6 مليار دولار، ليكون هذا القرض الأول من نوعه بعد أن أوقفت تونس التعامل مع الصندوق منذ عام 1991.
ويحتاج الفخفاخ ابن صفاقس، أكبر مدينة ناشطة اقتصاديا وتجاريا في البلاد، إلى حزام حزبي صلب من أجل تنفيذ وعوده السابقة بتغيير المنوال التنموي في تونس الذي وصفه بـ"القديم".