أطلق تونسيون حملات للحد من استهلاك المواد المستوردة واستعمال منتجات مصنعة محليا، بهدف المساهمة في خفض نزيف العملة وتعديل مسار الدينار الذي شهد انزلاقا كبيرا في العامين الماضيين.
واستهدفت حملة المقاطعة الجديدة تحت عنوان "استهلك تونسي"، تشجيع المنتج المحلي، إذ يعتبر التونسيون أن القرارات الشعبية باستهلاك المحلي يمكن أن تعوّض القرارات الحكومية التي عجزت عن خفض قيمة الواردات أو الحد منها.
وأدى استمرار عجز الميزان التجاري إلى التأثير سلبا على قيمة الدينار ومعيشة التونسيين، إذ سجلت أغلب المواد الاستهلاكية والموردة أو نصف المصنعة محليا زيادة بما لا يقل عن 50 بالمائة خلال العامين الماضيين، حسب تقارير رسمية.
ويعرض نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي منخرطين في حملة "قاطع الغلاء" و"استهلك تونسي" بدائل للمواد الموردة لنظيرتها المصنعة محليا مع مقارنة الأسعار والنتائج التي يمكن أن تجنيها الأسر من هذا الإجراء.
ومنذ أكثر من ثلاثة أسابيع يواصل أكثر من مليون ونصف المليون تونسي انخرطوا في حملات المقاطعة للحد من موجات الغلاء التي ضربت الأسواق، في الاستغناء عن مادتي "البطاطا" و"الموز" مع رصد يومي للأسعار في الأسواق إلى حين تحقيق الحملة للأهداف التي رسمها النشطاء.
ويطالب النشطاء في الحملة الجديدة، بالحد من الواردات العشوائية التي أغرقت السوق بعدّة منتجات أغلبها غير ضرورية أو يوجد لها بديل من الإنتاج التونسي، ما أدى إلى إهدار كبير من العملة الصعبة، وذلك عدا المطالبة بمراجعة الاتفاقيات التجارية.
ويعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة تونس سامي عوادي الوعي الاجتماعي مصدر إسناد مهما للإصلاح الاقتصادي، مشيرا إلى أن الوعي بالمساهمة المواطنية في تحسين قيمة الدينار ستعود بالإيجاب على حياة المواطنين وقدراتهم الإنفاقية.
وقال العوادي لـ"العربي الجديد" إن العجز التجاري المتفاقم أضر بقيمة العملة المحلية، مشيرا إلى أن كبح الواردات يعطي دفعا جديدا للدينار وللصناعات المحلية التي تراجعت كثيرا بفعل المنافسة الشرسة مع المنتجات الموردة ولا سيما منها الصناعات الغذائية. وأضاف: "تونس تمتلك مقومات مهمة ونسيجا صناعيا قادرا على تغطية جزء كبير من الحاجيات الصناعية"، معتبرا أن السياسات الحمائية مهمة في هذه المرحلة لتحسين وضع العملة المحلية.
وقال إن التونسيين المنخرطين في حملات المقاطعة، لمسوا نتائج التحسن في قيمة الدينار خلال الشهرين الماضيين، بعد قرار بخفض أسعار عدة مواد ولا سيما منها الخاضعة للتسعير الحكومي ومن بينها السيارات، ما شجعهم على توسيع دائرة المقاطعة بحسب قوله.
وأكد المرصد الوطني للفلاحة أن عجز الميزان التجاري الغذائي لتونس ارتفع إلى 1114.5 مليون دينار أي نحو 389 مليون دولار سبتمبر/ أيلول الماضي، مقابل 294 مليون دينار خلال نفس الفترة من 2018 أي نحو 102 مليون دولار.
وأورد المرصد أنّ قيمة الصّادرات الغذائية لتونس تراجعت في سبتمبر/ أيلول الماضي، بنسبة 14.2 بالمائة، مقابل زيادة الواردات بنسبة 7.3 بالمائة.
وشكّلت مواد الطاقة والمواد الأولية والمواد نصف الجاهزة حوالي 47.8 بالمائة من الواردات التونسية، في حين مثلت واردات المواد الغذائية 8.9 بالمائة من إجمالي الواردات. كما مثّل عجز الميزان التجاري الغذائي 7.5 بالمائة من الميزان التجاري لتونس.
وفي أغسطس/ آب الماضي، قال مدير عام المنافسة والأسعار في وزارة التجارة التونسية، ياسر بن خليفة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن وزارته أصدرت قرارات بشأن خفض أسعار العديد من المواد المستوردة ومنها الأدوية، من دون ذكر نسب التخفيض، مشيرا إلى أن القائمة النهائية لمراجعة الأسعار ستتم بعد تحديد كلفة هذه المواد واستكمال الإجراءات الجمركية للتوريد.
وأضاف أن القرار الحكومي بمراجعة أسعار مواد موردة، أمر متوقع بعد تعافي سعر الدينار. وأثمر انتعاش الدينار التونسي عن قرارات حكومية بخفض أسعار مواد موردة وشبه المصنعة محليا شملت أصنافا من السيارات والحديد بنسب تصل إلى حدود 6 بالمائة.
ويقدر سعر صرف العملة المحلية حاليا بـ2.85 دينار مقابل الدولار و3.14 دنانير مقابل اليورو، بعد أن كان في حدود 3.1 دنانير مقابل الدولار و3.4 دنانير مقابل اليورو، في شهر مارس/آذار الماضي.
ومن جانبه، يقول المستثمر الصناعي في قطاع "السيراميك" رياض الصيد، إن مقاطعة المنتج المورد حلقة ضمن سلسلة حلقات تحتاجها الصناعة المحلية لاكتساب الصلابة الكافية للثبات في وجه المنافسة وإغراق السوق بالسلع الموردة.
وأضاف الصيد، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن وقف نزيف العملة الصعبة يمر عبر تشجيع استهلاك البضائع التونسية، لكن أيضا يجب أن يرافقها حزمة إجراءات لدعم الصناعة ومنها خفض الضرائب الموظفة على الشركات المصنعة والمواد الأولية الموردة، مؤكدا أن خيار حزمة إجراءات متكاملة سيؤدي إلى تحسين المؤشرات الاقتصادية. وأفاد أن نتائج حملات المقاطعة تبقى محدودة لأنها تأتي في سياق ظرفي ثم غالبا ما تتلاشى.