تأثر الاقتصاد الكلي في ليبيا سلباً مع استمرار الحرب والانقسام السياسي، نتيجة لتوقف تصدير النفط وانحسار إيراداته مع زيادة حجم الخسائر وتفاقم العجوزات (عجز الميزانية العامة وعجز ميزان المدفوعات) وعودة شبح التضخم. وشكلت عودة حقل الشرارة النفطي للإنتاج، نقطة تفاؤل، بعدما توقف عن العمل لمدة خمسة أشهر وسبب خسارة المليارات من الدولارات.
وقالت مصادر "العربي الجديد" إن استئناف الإنتاج في أكبر حقول ليبيا النفطية حصل بعدما سيطرت قوات تابعة لحكومة الوفاق على الحقل وانسحاب قوات تابعة لمليشيات خليفة حفتر منه.
وشرحت المصادر أن الإنتاج حالياً يراوح من 25 ألفاً إلى 50 ألف برميل، وخلال أسبوع يعود إلى المستويات السابقة بمعدل 300 ألف برميل في حال عدم وجود أعطال فنية في المضخات. وتمثل صادرات النفط الخام ما يعادل 96 في المائة من إجمالي الصادرات الكلية للاقتصاد الليبي.
وتعتمد طرابلس على إيرادات النفط في تمويل أكثر من 95 في المائة من الخزانة العامة للدولة، فيما يُخصَّص أكثر من نصف الميزانية لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من المنتجات، من بينها المحروقات وخدمات مثل العلاج في المستشفيات والخارج مجاناً.
وقال المستشار الاقتصادي السابق لمصرف ليبيا المركزي محمد أبو سنينة، إن تداعيات توقف استخراج النفط خلال الأشهر الماضية وتدهور صادراته وأسعاره مع تبعات جائحة كورونا، طاولت جميع أوجه النشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى توقف منظومة الاستيراد خلال الأشهر الاولى من عام 2020.
ولفت إلى تراجع معدل نمو الاقتصاد غير النفطي وتدني مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي، ما سينعكس سلباً على معدل النمو الاقتصادي خلال عام 2020 ويدفع الاقتصاد الليبي نحو الركود التضخمي.
وأوضح أبو سنينة لـ"العربي الجديد" أن الرسم المفروض على بيع النقد الأجنبي لم يعد يحقق الأهداف المرجوة منه، بل إنه زاد الأمور الاقتصادية تعقيداً، وأصبح الاقتصاد الليبي في حاجة إلى برنامج إنقاذ اقتصادي عوضاً عن مجرد برنامج للإصلاح، وذلك للتخفيف من حدة الركود التضخمي المرتقب، ولتفادي أمرين: الأول، استنزاف احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي. والثاني، توقف الاستدامة المالية للدولة.
من جانبه، أكد مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية، أحمد أبو لسين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن ليبيا لا تمتلك قواعد مالية قوية، ولا تنتهج سياسات نقدية سليمة. وأدى ذلك إلى ارتفاع التضخم والمزيد من الانخفاض في سعر الصرف. ومع انهيار أسعار النفط عالمياً، وتوقف إنتاج ليبيا مطلع العام، تزايدت الضغوط على الموازنة وسعر الصرف.
وطالب بضرورة إجراء إصلاحات على سياسات التوظيف والأجور والدخل. واعتبر أن استحقاقات إعادة الاعمار لا تُعَدّ مبرراً لتبني سياسة نقدية تقوض الاستقرار، كذلك فإنها ليست مبرراً لاتباع سياسة مالية توسعية منفلتة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى انهيار اقتصادي. ودعا إلى ضرورة إنقاذ البلاد وفق خطة على مدى ثلاث سنوات.
وعن برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تتبناه الحكومة الشرعية، رأى المحلل المالي محمد أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك إيجابيات لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، منها فتح عمليات بيع المخصصات العائلية بالسعر الرسمي 1.4 دينار لكل دولار، ما خفف من المعاناة المالية للمواطن، وكذلك التحكم في التضخم المتصاعد بخفض سعر السوق السوداء للدولار من مستوى 9 دنانير للدولار إلى 4 دنانير تقريباً.
ولفت الباحث الاقتصادي نور الدين الحبارات إلى أن ثمة برنامجاً للإصلاح الاقتصادي هو عبارة عن ضرائب مجحفة جداً دفعها جميع المواطنين على حد سواء، بمن فيهم أصحاب المعاشات البسيطة، باعتبار أن الاحتياجات كافة تُستَورَد من الخارج.
ولاحظ أن مرتبات أو دخول المواطنين تحولت إلى ما يشبه الإعانات، وأصبحت المطالب بزيادتها مبررة ومشروعة نتيجة انخفاض قدرتها الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. وقال إن الليبيين دفعوا خلال أكثر من عام قرابة 35 مليار دينار في شكل ضريبة على مبيعات النقد، ولم تتحسن معاناتهم، بل تفاقمت.
ويهدف فرض رسم على مبيعات النقد الأجنبي في سبتمبر/ أيلول 2018 إلى تقليص الفرق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء، ولكن أصبح هناك ثلاثة أسعار لصرف النقد الأجنبي: سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف المحمل بالرسم المفروض وسعر الصرف في السوق السوداء.
وأكدت بيانات مصرف ليبيا المركزي أن عجز الموازنة العامة، خلال عام 2019، هو الأكبر منذ أزمة الهلال النفطي عامي 2015-2016، بمبلغ يتجاوز 20 مليار دينار (الدولار يساوي 1.4 دينار).
وتبلغ نسبة عجز الموازنة العامة، لدى حكومة الوفاق، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، 28.16 في المائة في عام 2019، مقارنة بـ 10 في المائة في عام 2018، وذلك وفق البيانات الحكومية.