طالما حذرت من الأموال الساخنة التي يستثمرها الأجانب داخل بلداننا، خاصة في الأدوات المالية التي تحقق أرباحا مرتفعة وشبه مضمونة أيضاً مثل أدوات الدين الحكومي كالسندات وأذون الخزانة، أو في البورصات وأسواق المال والأسهم، فهذه الأموال "غدارة" ولا يمكن الوثوق بها والارتكان عليها، ولا تعرف إلا المكاسب السريعة وقنص الفرص.
وقد تغادر هذه الأموال البلد التي تستثمر بها سريعا وفي أي لحظة، أما بحثاً عن أرباح وعائدات وأسعار فائدة أعلى وأسرع وأضمن، أو بسبب ظهور أزمات ومخاطر في الدولة حتى ولو كانت هذه الأزمات طارئة ويمكن للاقتصاد استيعابها، حادث إرهابي مثلا، غموض سياسي أو خلاف بين دوائر الحكم، قرار حكومي برفع الأسعار، خسارة قطاع اقتصادي خاصة الحساسة منها كالسياحة، ارتفاع في كلفة الإنتاج والسلع الأساسية، قفزة في معدلات التضخم.
وبالتالي لا يجب أن تراهن الحكومات العربية على الأموال الساخنة في الاستقرار داخل الاقتصاد الوطني، أو تحول هذه الأموال لاستثمارات مباشرة تؤسس مشروعات إنتاجية وتوفر فرص عمل حقيقية وتساهم في الحد من البطالة داخل المجتمع الذي تتواجد به.
والأرقام التي كشفتها وزارة المالية المصرية اليوم الخميس أكبر دليل، فحسب الارقام فإن مصر خرجت منها 9.1 مليارات دولار أموالا ساخنة خلال الستة شهور الأخيرة، فحجم استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي بلغ 14 مليار دولار فقط حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، مقابل 23.1 مليار دولار في نهاية مارس/ آذار 2018، وهو ما خلق ضغوطا شديدة على الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي وعلى سعر الصرف الأجنبي.
كما تكرر الأمر في إيران التي تهاوت عملتها الريال خاصة عقب إعلان أميركا فرض عقوبات على البلاد، كما تكرر الأمر مع الأرجنتين التي رفعت سعر الفائدة إلى 60% نهاية شهر أغسطس الماضي لتحد من هروب الأموال الساخنة، وتعالج أزمة تهاوي عملتها البيزو، وتمتص اضطرابات سوق الصرف العنيفة، وكذلك فعلت فنزويلا وسورينام، كما تكرر السيناريو، وإن بدرجة أقل في عدد من الأسواق الناشئة منها الهند وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل وأندنيسيا وفيتنام.
وبحسب الأرقام، فإن إجمالي حجم الأموال الخارجة من بورصات الأسواق الناشئة بلغ 60.34 مليار دولار منذ بداية العام الجاري 2018، وفي المقابل فإن صافي ما اجتذبته بورصات الأسواق المتقدمة 76.58 مليار دولار.
الأموال الساخنة خطر فاجتنبوه، ورهان الحكومات على هذه الأموال في إحداث تنمية حقيقية، وبناء اقتصادات وطنية قوية، هو رهان خادع، فالرهان الحقيقي يجب أن يكون على الاستثمارات المحلية ونظيرتها الأجنبية المباشرة خاصة تلك التي تمثل قيمة مضافة للاقتصاد، وتتوجه لإقامة مشروعات حقيقة تعمل في أنشطة انتاجية وخدمية، وتساهم في الحد من البطالة، وزيادة إيرادات الدولة من النقد الأجنبي.