طيلة الأيام الماضية، عانت معظم المدن الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة من انقطاع مطول في التيار الكهربائي، استمر في بعض الأحيان لنحو ست ساعات متواصلة، لأسباب مختلفة، ما أثار استياءً واسعا لدى المواطنين، خاصة في ظل الأحوال الجوية الباردة واعتماد أغلبيتهم على التدفئة الكهربائية.
وتعمل ثلاث شركات توزيع للكهرباء في الضفة الغربية، وهي: كهرباء محافظة القدس وكهرباء الجنوب وكهرباء الشمال. ويُقسم القطاع إلى ثلاثة أقسام، هي: توليد، ونقل، وتوزيع، وحديثا سمح القانون لشركات التوزيع بالمساهمة بما لا يزيد عن 25% في شركات التوليد.
ورغم ما ساقته تلك الشركات لتبرير تكرار انقطاع الكهرباء، إلا أنها لم تكن مقنعة لشريحة واسعة من الفلسطينيين، خاصة لمن يحملون "بطاقات الدفع المسبق"، أو الملتزمين بدفع الفواتير المترتبة عليهم، معبّرين عن غضبهم من أداء تلك الشركات عبر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر ببعضهم إلى الدعوة لحراك مجتمعي ضدها.
نابلس نموذجاً
تعد مدينة نابلس، كبرى مدن شمال الضفة الغربية، ضمن مناطق امتياز شركة توزيع كهرباء الشمال، حيث يوضح مدير عام الشركة، أسعد سوالمة، لـ"العربي الجديد" أنه "منذ عام 2009 لم يطرأ أي زيادة على القدرة الكهربائية الآتية من الشبكة الإسرائيلية البالغة 83 ميغاواط، رغم الإقبال الشديد على استخدام الكهرباء نتيجة التوسع العمراني والاقتصادي الملحوظ خلال العقد الأخير، والاعتماد على الكهرباء كمصدر رئيسي للتدفئة عوضا عن الوسائل التقليدية كالغاز والفحم".
وتحتاج نابلس في وضعها الطبيعي إلى نحو 100 ميغاواط على أقل تقدير، وقد ترتفع أكثر في ظل المنخفضات الجوية والبرودة الشديدة لتصل إلى نحو 110 ميغاواط.
وأنشأت السلطة الفلسطينية أربع محطات للضغط العالي، وهي: صرة في نابلس، والجلمة في جنين، وترقوميا في الخليل، ومحطة رام الله، وتم تشغيل محطة الجلمة ما أنهى أزمة الكهرباء بشكل كلي في جنين، لكن الاحتلال يتعنت بتشغيل بقية المحطات، وخاصة محطة "صرة"، الجاهزة للعمل منذ سنوات؛ بحجة ربطها بقضية الديون المترتبة على شركة كهرباء القدس، علما أن "كهرباء الشمال" ليس عليها أي ديون للشركة الإسرائيلية.
حلول غير مجدية
وفي حال تشغيل محطة "صرة" ستكون قدرتها الإنتاجية 135 ميغاواط، ما يعني انتهاء المشكلة نهائيا، وحتى ذلك الحين، لجأت الشركة لتطبيق برنامج فصل مجدول عن مناطق معينة لمدة ساعة، ثم تنتقل لمناطق جديدة وهكذا طيلة اليوم.
كما طرحت الشركة عطاءات لتزويدها بمولدات بقدرة 1.5 ميغاواط، لكن لم تحصل على أية عروض، وفي الوقت نفسه تتجه لشراء الكهرباء من الأردن ونقلها عبر شبكة الأغوار، بقدرة 40 ميغاواط، ضمن سياسة الانفكاك عن الاحتلال، وفق سوالمة، الذي يشير إلى وجود حلول أخرى كإنشاء محطات لتوليد الطاقة الشمسية، لكنها عالية التكلفة؛ من حيث أسعار الأراضي، وتكاليف التشغيل والمعدات.
وأضاف: "علينا أن ندرك أننا تحت احتلال يتحكم بكل مفاصل حياتنا، وكل الخيارات المطروحة يمكن للاحتلال أن يعرقلها، بما فيها شراء الكهرباء من الأردن، أو توليد الكهرباء محليا، أو بناء محطات الطاقة الشمسية في مناطق (ج)".
ويشدد سوالمة على أن الاحتلال هو المصدر شبه الوحيد للطاقة الكهربائية بالضفة الغربية، والقرار بيده.
استياء شعبي
تقبّل المواطنون برنامج فصل التيار، إلا أن مصدر غضبهم تمثل في عدم التزام الشركة بالجدول المحدد أولا، من حيث مدة القطع ومكانه، وما فجر الأزمة بشكل غير مسبوق، انقطاع التيار لنحو أربع أو خمس ساعات بشكل متتابع.
المواطن الفلسطيني، سامح العسالي، يدعو في منشور له على صفحته على "فيسبوك"، شركات الكهرباء والبلديات إلى البدء الفوري بتذليل كل العقبات والتحفيز لتنفيذ الطاقة البديلة والآبار المنزلية لتجميع مياه الأمطار، قائلا: "خططوا وحفزوا للاستفادة من نِعم ربّ العالمين، وكفى لندرة الكهرباء والمياه، والحلول موجودة".
غير أن المنشور الذي لقي تفاعلا واضحا كان لعضو المجلس البلدي في مدينة نابلس المهندس حسان جابر، بعنوان "الكهرباء الحلوب" إذ يقول: "ما أكثر الذين يعملون في قطاع الكهرباء، سلطة الطاقة والمجلس الأعلى لتنظيم الكهرباء وشركة إنتاج الطاقة والشركة الفلسطينية لنقل الكهرباء وشركة كهرباء الجنوب وشركة كهرباء الشمال ومؤسسات تابعة لهذه الشركات، لكن المحصلة الصادمة أننا لا ننتج كهرباء، لو حسبنا الرواتب والنفقات لهذه المؤسسات والشركات لتجاوزت مئات الملايين، وفي النتيجة المواطن هو الذي يدفع الفاتورة".
أما المواطنة سما ملحيس، فقالت: "إن المنطقة التي أسكن فيها شهدت انقطاع التيار الكهربائي عدة مرات خلال اليوم، ووصلت لأكثر من أربع ساعات، لدي أطفال صغار وهم بحاجة إلى وسائل تدفئة بشكل مستمر".
غير أن المواطن معتصم أشتية، طالب بتقدير الجهد الذي يبذله الفنيون في شركة الكهرباء "فهم يواصلون الليل بالنهار لتقديم الخدمة وضمان استمرارها في هذه الظروف الصعبة"، وتابع "المسؤولية أولا على الاحتلال، وثانيا فإن مفهوم ترشيد الاستهلاك للطاقة معدوم عند الكثير".