على رغم الأشواط الكبيرة التي قطعتها تونس في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في العديد من المجالات، وعلى رأسها الميراث، لا يزال التمييز في الأجور والوظائف يثير جدلا كبيرا في قطاعات أخرى، على غرار الزراعة والصناعة.
وأظهرت دراسة حديثة عرضها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تونس أن المرأة التونسيّة تتقاضى، عن نفس العمل وفي بعض المهن، أجرًا يقل عن أجر الرجل بمعدل 14.6%، ما يعني أنها مطالبة بالعمل 37 يومًا إضافيًا في العام لتحصل على أجر مساو.
كما بينت ذات الدراسة أن المرأة ليست ممثَلة بالقدر الكافي في دوائر القرار، وهي عادة ما تحتل مواقع "دعم" وتتقاضى أجورًا أدنى من تلك التي يتقاضاها الرجل.
ويقول المعهد، في الدراسة التي رفعها للبرلمان، إن المؤشرات الإيجابية من حيث نسبة وجود المرأة في سوق العمل لا يحجب الاضطهاد وانتهاك الحقوق الاقتصادية للنساء العاملات في بعض القطاعات، على غرار الزراعة والصناعة، حيث لا تزال المرأة ترزح تحت وطأة التمييز الممنهج، إذ ما يزال أجرها نصف أجر الرجل.
وتعتبر عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، نعيمة الهمامي (أول امرأة تصعد إلى المكتب التنفيذي للمنظمة النقابية بعد 71 سنة) أن لجنة المرأة صلب الاتحاد تشتغل بشكل مكثف على تحقيق المساواة في الأجر بين الجنسين، خاصة في القطاعين الزراعي والصناعي، كما تدعم وجودها في الوظائف العليا بالقطاعين الحكومي والخاص.
وقالت الهمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الدراسات التي قام بها الاتحاد أثبتت أن 64.5% من النساء الريفيات يعملن في القطاع الزراعي من دون عقود عمل أو تغطية اجتماعية، كما يعملن في ظل ظروف تتعارض مع قوانين العمل، من حيث عدد الساعات، والأجر الزّهيد.
وعلى رغم أن مشكلة المساواة في الأجر لا توجد في القطاع الحكومي، إلا أن التقدم في السلم الوظيفي والحصول على المناصب العليا في الإدارة لا ينصف المرأة، بحسب الهمامي، حيث غالبا ما يتوقف سلم التدرج الوظيفي للنساء عند الوظائف المتوسطة، مهما كانت مؤهلاتها العلمية، فيما يواصل الرجال الارتقاء.
ووفق دراسة كشفت عنها رئاسة الحكومة سنة 2016، لا تتجاوز نسبة النساء المكلفات بخطط وظيفية في القطاع الحكومي 35.8%، فيما لا تتعدى نسبة النساء الحاصلات على رتبة مدير عام 25%، و30% حاصلات على رتبة مدير، و33.8% مساعد مدير.
ولا تمثل نسبة النساء النشيطات في سوق الشغل التونسية سوى 28%، فيما تفيد بيانات صادرة عن اللجنة الوطنية للمرأة العاملة في الاتحاد العام التونسي للشغل، أن عدد النساء اللواتي يترأسن الشركات والإدارات العمومية والخاصة قد فاق 15000 امرأة، كما يمثلن 49% من الوظائف المتوسطة والتقنية في القطاع العام.
وعموماً، لا يختلف القطاع الخاص عن الحكومي من حيث الهرم الوظيفي، إذ غالبا ما تجد الرجال على رأس كبار المجموعات الاقتصادية والمؤسسات المالية والمصرفية.
فمن جملة قائمة تضم 43 مسؤولا يتقاضون أعلى الأجور في تونس نشرها موقع البورصة سنة 2015، تحتل أول امرأة دخلت هذا الترتيب المرتبة الحادية عشرة، وهي الرئيس المدير العام لشركة "ليلاس" (مختصة في صناعة الحفّاضات)، جليلة المازني، بأجر سنوي يبلغ 574.462 ألف دينار (نحو 239 ألف دولار) تليها في المرتبة 38 سنية العربي، مديرة مؤسسة الإيجار المالي "مودارن ليزنق".
ولا تقتصر عدم المساواة بين الجنسين عند سلم التأجير، بل تمتد أيضاً إلى النفاذ إلى مصادر التمويل والقروض البنكية، بحسب رئيسة غرفة النساء صاحبات الأعمال، ليلى بالخيرية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أكدت فيه أن النساء يجدن صعوبات في الحصول على تمويلات بنكية لبعث مشاريع خاصة بسبب عدم امتلاكهن الضمانات الكافية التي تطلبها البنوك.
وتمثل النساء 43% من جملة المنتفعين بقروض من البنك التونسي للتضامن، (بنك حكومي لتمويل المؤسسات الصغرى) وقد تحصلن على 29% من قيمة القروض الممنوحة، حسب بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، بحسب بيانات نشرها البنك.
وقالت بالخيرية إن نسبة النساء سيدات الأعمال في تونس لا تتجاوز 8%، مؤكدة ضعف هذه النسبة، رغم قدرة النساء على إدارة المشاريع والمجموعات الاقتصادية الكبرى.
ترى منظمة العمل الدولية أن "الفجوة بين الجنسين" مؤشر على مقياس اللامساواة في الأجور بين الرجل والمرأة، وتُقدّر في العالم بنسبة 22.9%، إلا أنها تجاوزت الـ40% في عدد من دول آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب الدليل التعريفي حول المساواة في الأجور الذي أصدرته المنظمة عام 2013.