لكن قبل استعراض سيناريوهات عملية الفرار، من يكون رجل الأعمال الذي شغل اليابان وفرنسا وقطاع السيارات منذ اعتقاله بتهم مرتبطة بالفساد في طوكيو بنوفمبر/تشرين الثاني 2018، قبل أن يختار بلده الأصلي ليعود ويختبئ فيه من عين القضاء الدولي؟
من هو كارلوس غصن؟
غصن البالغ من العمر 65 عاماً، يعود إلى أصول لبنانية وُلد في البرازيل، وعمل في بداية حياته العملية في مصنع إطارات السيارات "ميشلان" عام 1978، ثم انتقل إلى شركة "رينو" الفرنسية التي تحالفت مع "نيسان" اليابانية بعد ذلك.
حقق غصن، اللبناني الأصل والحاصل على الجنسية الفرنسية، نجاحاً ساحقاً في اليابان، واعتُبر منقذا لشركات إنتاج سيارات متعثرة، وتحديدا "نيسان" و"ميتسوبيشي"، وقبلها "رينو" الفرنسية، ويقف وراء تشكيل مجموعة "رينو- نيسان- ميتسوبيشي".
غصن، الذي كرّسه المالك السابق لشركة رينو لوي شويتزر، راكم وظائف رئيس مجلسي إدارة نيسان وميتسوبيشي، إضافة إلى رئاسة مجلس إدارة مجموعة رينو (التي تضم أيضا داسيا ولادا وسامسونغ موتورز والبين)، علاوة على رئاسة مجلس إدارة التحالف الثلاثي، قبل أن يخسر هذه المواقع كلها.
اعتُقل رئيس مجلس إدارة "نيسان" في اليابان في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بعد اتهامه بتضليل السلطات الضريبية في البلاد واستخدامه أصول الشركة بشكل شخصي، إضافة إلى اتهامات أُخرى تم توجيهها إليه لاحقاً.
سيناريوهات الهروب
1/ صندوق موسيقى
أول هذه السيناريوهات تقول، وحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، إن غصن غادر مقر إقامته في صندوق، وذلك بمساعدة فرقة موسيقية. وهذه الفرقة أستأجرها غصن، حيث قدمت عرضاً في منزله ثم أخفى نفسه بمساعدة مجموعة شبه عسكرية في أحد صناديق الآلات الموسيقية ونقل إلى مطار أوساكا حيث كانت هنالك طائرة بانتظاره. ولكن الصحيفة تتساءل حول كيفية خروجه من المطار. وترى أنه لا بد أن يكون قد استخدم جواز سفر مزورا للخروج من إدارة الهجرة بالمطار.
في السياق، أشارت بعض وسائل الإعلام اللبنانية إلى أن غصن تم تهريبه في حاوية خشبية مخصصة لنقل الآلات الموسيقية بعد حفل موسيقي خاص بمنزله، قالت زوجته كارول لدى التواصل معها من جانب رويترز إن ذلك محض خيال.
وفيما رفضت كارول الإدلاء بأي تفاصيل عن كيفية هروب زوجها الذي يعتبر أحد أكبر رجال الصناعة، ترجح روايتا المصدرين فرار غصن بموجب خطة تم رسمها بعناية ولم يعلم بها سوى عدد قليل من الأشخاص.
وقال المصدران إن شركة أمنية خاصة أشرفت على الخطة التي جرى إعدادها على مدى 3 أشهر، وشملت نقل غصن عبر طائرة خاصة إلى إسطنبول ومنها إلى بيروت، في عملية لم يعلم فيها حتى قائد الطائرة أن غصن موجود على متنها. وقال أحد المصدرين "كانت عملية احترافية للغاية من بدايتها حتى نهايتها".
2/ طائرة خاصة وجواز فرنسي
بدورها، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأربعاء، إن أمبراطور صناعة السيارات ورئيس مجلس إدارة "نيسان" السابق كارلوس غصن هرب من اليابان إلى لبنان بعد أسابيع من التخطيط من قبل رفقائه الراغبين في نقله إلى بلد اعتقدوا أنه سيوفر بيئة قانونية أكثر ودًا لمحاكمته بشأن اتهامات تتعلق بارتكابه مخالفات مالية.
ووفقاً لما ذكرته الصحيفة المالية الأميركية عن مصادر على دراية بالأمر فقد التقى غصن فريقاً خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي لتنفيذ عملية الهروب، بمساعدة شركاء في اليابان، وانتقل من مقر إقامته الخاضع للرقابة في طوكيو على متن طائرة خاصة متجهة إلى تركيا، ومن ثم إلى لبنان.
وأوضحت مصادر الصحيفة إن غصن وصل إلى لبنان صباح الإثنين والتقى هناك بزوجته "كارول غصن" التي لعبت دورًا رئيسياً في العملية. وقالت زوجته لـ" وول ستريت جورنال" في رسالة إلكترونية "لقائي مع زوجي، أكبر هدية تلقيتها في حياتي".
ووضعت صحيفة "وول ستريت جورنال" سيناريو قالت فيه، إن كارلوس غصن دخل لبنان بجواز سفر فرنسي وبطاقة هوية لبنانية، وفقاً لشخص على دراية بملابسات وصوله إلى مطار رفيق الحريري الدولي.
وحول سيناريو الهروب، ذكرت الصحيفة أن بيانات تتبع حركة الطيران، تكشف أن رحلة واحدة من بين الرحلات التي انطلقت من اليابان تتطابق مع عملية هروب كارلوس غصن. وهذه الرحلة هي إقلاع طائرة من طراز بومبارديه في رحلة خاصة من مطار كانساي الدولي القريب من مدينة أوساكا اليابانية التي تبعد 6 ساعات بالسيارة من العاصمة طوكيو، في الساعة 11:10 صباحاً يوم الأحد الماضي.
وحسب تقريرها، وصلت الطائرة إلى مطار أتاتورك الدولي بمدينة إسطنبول صباح يوم الإثنين. ووفقاً لبيانات تتبع حركة الطائرات، فإن طائرة صغيرة من طراز بومبارديه، تشغلها شركة تركية، غادرت بعد نصف ساعة من وصول الطائرة القادمة من طوكيو، مطار أتاتورك الدولي إلى بيروت.
3/ تفاصيل ليلة الهروب بـ"خطة" محكمة
من جهتها، وضعت صحيفة "حرييت" التركية، سيناريو ثالثا مشابها لكن تناولت فيه تفاصيل أكثر حول ليلة فرار رجل الأعمال، التي يتورط فيها على ما يبدو، عدّة رجال أعمال.
وأوضحت صحيفة حرييت، الأربعاء، أن كارلوس غصن وصل إلى لبنان عبر تركيا بطائرة خاصة، وفق مصدر ملاحي، وذلك ليلة 29 -30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ونقلت الصحيفة عن المصدر المختص بالملاحة الجوية أوغور جبجي، تأكيده أنه خلال الأيام العشرين الأخيرة لا توجد أي رحلة مدنية خاصة سجلت للخروج من مطاري صبيحة وأتاتورك الدوليين من إسطنبول مباشرة باتجاه لبنان، ولكن ليلة حادثة الفرار تم تسجيل انطلاق رحلة مدنية خاصة مباشرة إلى بيروت من مطار أتاتورك الدولي.
وتساءلت الصحيفة خلال رحلة بحثها عن الأسباب التي جعلت الطائرة تهبط في إسطنبول التي تبعد مسافة ساعة واحدة عن بيروت، وعن الإجراءات المتبعة عند هبوط أي طائرة في تركيا، والاسم المستخدم في الرحلة من قبل غصن، بخاصة أن الصحيفة اتصلت بوزير الداخلية سليمان صويلو الذي أكد "عدم وجود قيود تحمل اسم غصن بعد التحقق من كافة الرحلات المسجلة".
وأكدت الصحيفة، أن طائرة وصلت من مدينة أوساكا اليابانية الساعة 5:30 صباحاً بالتوقيت المحلي لتركيا، وحطت في مطار أتاتورك الدولي المخصص حالياً للرحلات الخاصة والشحن فقط، وتحمل على ذيلها أحرف TC-TSR وتعود ملكيتها لرجل الأعمال التركي تاركان سير.
وبينت الصحيفة أن هذه الطائرة هي من طراز تشالنجر وكانت مليكتها تعود لرجل الأعمال الإيراني رضا زراب الذي فرّ من تركيا إلأى الولايات المتحدة الأميركية، وصودرت طائرته من قبل تركيا ويعمل على تشغيلها حالياً رجل الأعمال التركي سير، بعدما استولت الحكومة التركية عليها وباعتها. ولفتت إلى أن الطائرة التي انتقلت إلى بيروت حملت مضيف طيران إلى جانب رئيس شركة تجارية يدعى أوكان كوسمن، وشخص ثالث لم يعرف من هو، والطائرة التي وصلت وأقلت غصن بالأساس غادرت من أوساكا.
وهذه الطائرة التي تحمل اسم TC-TSR كانت قد نقلت رجلين أميركيين من دبي إلى أوساكا من أجل حفلة، وعادت بهما إلى إسطنبول، بمعنى أن التمويه تم بهذه الطريقة التي لا تكشف قدوم غصن.
وختمت بالقول إن خروج الطائرة من نفس الحظيرة، ومغادرتها بيروت وعودة الطائرة إلى إسطنبول دون أن يكون فيها مدير الشركة التركية ومضيف الطيران، تظهر بوضوح حقيقة ما حصل، وهو ما يؤكد أن خلف تهريب غصن من اليابان قوة منظمة بشكل كبير.
4/ الرواية اللبنانية
لدى وصوله إلى بيروت، أكد غصن أنه موجود في لبنان بعدما غادر اليابان حيث كان يخضع لإقامة جبرية بعد اتهامه بمخالفات مالية. وقال في بيان: "لم أعد رهينة نظام قضائي ياباني متحيز، حيث يتم افتراض الذنب".
أضاف: "لم أهرب من العدالة، لقد حررت نفسي من الظلم والاضطهاد السياسي. يمكنني اخيرا التواصل بحرية مع وسائل الإعلام، وهذا ما سأقوم به بدءا من الأسبوع المقبل".
ثم ما لبث أن صدر عن "المديرية العامة للأمن العام" اللبناني بيان أكدت فيه أن "المواطن المذكور (غصن) دخل إلى لبنان بصورة شرعية، ولا توجد أي تدابير تستدعي أخذ إجراءات بحقه أو تعرّضه للملاحقة القانونية".
كذلك، صدر عن وزارة الخارجية والمغتربين بيان أكدت فيه أن "غصن دخل إلى لبنان بصورة شرعية، حسبما أكد الأمن العام اللبناني"، مع إشارتها إلى أن "ظروف خروجه من اليابان والوصول إلى بيروت غير معروفة منا، وكل كلام عنها هو شأن خاص به".
الوزارة أوضحت أن "لبنان وجّه إلى الحكومة اليابانية منذ سنة عدة مراسلات رسمية بخصوص كارلوس غصن، بقيت من دون أي جواب، وقد تم تسليم ملف كامل عنها إلى مساعد وزير الخارجية اليابانية أثناء زيارته إلى بيروت قبل أيام".
ولفتت الوزارة إلى أنه "لا توجد مع اليابان أي اتفاقية للتعاون القضائي أو الاسترداد، لكن الدولتين وقعتا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وهي المرتكز الذي تم اعتماده في المراسلات التي وجهها لبنان إلى السلطات اليابانية. ويهم الخارجية اللبنانية أن تؤكد حرص لبنان على أفضل العلاقات مع الدولة اليابانية".
إمكانية تسليم غصن لليابان أو محاكمته في لبنان
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن خبيرة في العلاقات الدولية لم تسمّها، قولها إن "عدم وجود اتفاقية لا يمنع بحد ذاته تسليم مطلوب. لكن بعض الدول لا تسلم رعاياها ومنها لبنان".
أما وزير العدل اللبناني السابق، إبراهيم نجار، فقد قال إنه في حال الاستعانة بشرطة الإنتربول سيُعمّم اسم غصن على حدود الدول الأعضاء للمطالبة بتوقيفه، مضيفا: "لكن شرطة الإنتربول لا تستطيع توقيفه بالقوة أو أن ترغم لبنان على اتخاذ قرار".
وتابع نجار أنه "يمكن للقضاء اللبناني محاكمته في حال ثبت أنه ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون اللبناني... لكن لا يمكن للبنان محاكمة شخص متهم بالتهرب الضريبي في بلد أجنبي".
مذكرة دولية لاعتقال غصن
وقال مصدر قضائي لبناني لرويترز يوم الخميس، إن لبنان تلقى مذكرة توقيف دولية لكارلوس غصن، مضيفا أن مديرية قوى الأمن الداخلي تلقت المذكرة الصادرة عن الشرطة الدولية (إنتربول). وتعرف المذكرة باسم "النشرة الحمراء" وتدعو السلطات إلى اعتقال شخص مطلوب، علما أن المذكرة لم تكن قد أُحيلت إلى القضاء حتى ورود الخبر. ولاحقاً أكدت وزارة العدل اللبنانية تلقيها مذكرة الإنتربول.
موقف فرنسي... واعتقالات في تركيا
في السياق، أعلنت وزيرة الدولة الفرنسية للاقتصاد أغنيس بانييه-روناشيه، أن فرنسا لن تسلم غصن في حال دخل إلى فرنسا. وقالت لقناة "بي.إف.إم.تي.في": "إذا جاء غصن إلى فرنسا، فلن نقوم بتسليمه، لأن فرنسا لا ترحّل بتاتاً مواطنيها؛ لذلك سنطبق على غصن القواعد نفسها التي تطبق على أي شخص آخر، لكن ذلك لا ينفي اعتقادنا بأن غصن يجب الا يتهرب من القضاء الياباني".
وأضافت أن المعتقلين الآخرين هم اثنان من العاملين على أرض المطار وعامل شحن، وأن من المتوقع أن يدلي المعتقلون السبعة جميعا بإفادات أمام المحكمة.