مقاولو غزة... إغلاقات وملاحقات قضائية بسبب التعثر

09 يناير 2019
إغلاق المعابر يعرّض الشركات للخسائر (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

 

مضت خمس سنوات على إغلاق المقاول الفلسطيني تيسير عزيز شركته في غزة، مشيرا إلى لجوئه إلى العمل في مجالٍ آخر، لعلّه يعوض شيئاً من الخسائر التي تكبّدها على مدار هذه السنوات، التي عانى خلالها من البيئة غير المستقرة اقتصادياً.

يعتبر عزيز، الذي عمل في المقاولات منذ عام 1981، أن البيئة الحاضنة للاقتصاد الفلسطيني هدّامة بسبب عوامل عدة تتحكم فيها الظروف الاقتصادية والسياسية، خاصة الإغلاق المتكرر للمعابر والسياسات الحكومية، ما تسبب في مراكمة الديون والالتزامات على المقاولين، إلى حين إعلان بعضهم الإفلاس.

ما أشار إليه المقاول الفلسطيني، في حديث مع "العربي الجديد"، هو أن العاملين في قطاع المقاولات يعيشون ظروفاً قاسية. يستعرض مثالين من معاناته في غزة، الأول في أنه "عندما يوقّع عقداً يناط به الالتزام خلال جدول زمني، وتحدُث بعض الإشكاليات المفاجئة تتسبب في إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي معبر كرم أبو سالم، ما يزيد أسعار البضائع، ويضطره إلى دفع غرامات تأخير مع بقاء عقده وسعره الأول، ما يزيد الخسائر".

مشكلة أخرى كانت لدى عزيز وتمثلت في هبوط سعر صرف الدولار الأميركي، قائلاً: "لا أحد ينظر إلى المقاول الفلسطيني الذي يكون ملتزماً بعقود تتأثر بعوامل غير محسوبة، فبعد أن يكون صافي الربح للمقاول لا يتجاوز 3%، ويهبط سعر صرف الدولار فجأة، يُصبح المقاول خاسراً ويحتاج إلى الكثير لسداد ما عليه".

تساؤلات عدة يطرحها المقاول الفلسطيني عزيز من واقع معاناته باحثاً عن إجابة، ويقول "لماذا تعاقَب غزة ويتم التخلي عن المسؤوليات تجاه القطاع الخاص الذي يستوعب 200 ألف وظيفة، ولماذا يُدمّر القطاع الخاص، ومن الذي يصنع البيئة المدمرة للاقتصاد ويخنق التنمية في غزة؟".

وبجانب تداعيات الحصار الإسرائيلي منذ نحو 12 عاما، جاءت الخصومات التي فرضتها السلطة الفلسطينية قبل نحو عام ونصف على رواتب موظفيها في قطاع غزة، ما حرم السوق من أكثر من 300 مليون دولار سنويا، بواقع 25 مليون دولار شهرياً. ويعيش اقتصاد غزة ظروفاً كارثية يقترب بها إلى حد الانهيار، وفق تقرير للبنك الدولي، في سبتمبر/أيلول الماضي.

يؤكد علاء الأعرج، رئيس اتحاد المقاولين في غزة، أن قطاع المقاولات كان الأكثر تضرراً، خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الأزمات المتلاحقة التي مرت بها غزة، سواءً من الحصار الإسرائيلي، أو تطبيق آلية روبرت سيري لإعادة الإعمار، والتي تمنع دخول أصناف عديدة من مواد البناء تحت حجة الاستخدام المزدوج، ما فاقم معاناة المقاولين.

وتسببت تلك الآلية في تأخير تنفيذ مشاريع إنشائية وتعرّض أصحاب شركات المقاولات لخسائر إضافية وتكبدهم غرامات تأخير ومصاريف عالية على وقع هذا التأخير، ناهيك عن معاناتهم من الازدواج الضريبي الذي سببه الانقسام الفلسطيني منذ عام 2007، وتراكم الخسائر على المقاولين، كونهم لا يتمتعون بظروف مقاولي الضفة، وفق قول الأعرج لـ"العربي الجديد".

ويبيّن الأعرج أن "مستحقات المقاولين كانت تُدفع في زمن السلطة الفلسطينية نقداً للمقاولين عبر وزارة المالية، وخلال 45 يوماً، أو من خلال سندات حكومية قابلة للصرف، خلال 6 أشهر بحد أقصى. لكن مع حالة الانقسام الفلسطيني، عانى المقاول الغزّي وتراكمت مستحقاته لدى وزارة المالية، والتي لم تعد تعترف بهذه الآلية بالنسبة لقطاع غزة".

ويوضح أن وزارة المالية في غزة لم تعترف أيضاً، الأمر الذي "أوقع المقاول الغزّي بين المطرقة والسندان، وجعله يدفع ضرائب من خلال المعابر، ورسوما ضريبية، وضريبة تكافل، ورسوم دمغات، وجزءا من ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الدخل في غزة".

ولدى المقاولين الفلسطينيين في غزة، "رصيد مستحق على وزارة المالية منذ 2007، يتخطى 200 مليون شيكل (الدولار يعادل 3.75 شيكل). هذا الرصيد يعود لـ 120 شركة فقط، في حين الشركات المتبقية لا تستطيع استخراج الكشف الضريبي، نظراً لأن عليهم مدفوعات والتزامات يجب دفعها لوزارة المالية في غزة ولا يستطيعون ذلك، لذلك من الممكن أن يزيد هذا الرصيد إذا حصل المقاولون على مستحقاتهم كافة"، بحسب الأعرج.

ذلك الأمر الذي شكّل ضربات متلاحقة للمقاولين الغزّيين، لم يتوقف عند ذلك الحد، فزاد عليهم ما شهده عام 2017 من انخفاض سعر صرف الدولار. ويقول الأعرج إن خسائر المقاولين من هذا الأمر تجاوزت 10%، الأمر الذي لا يمكن استيعابه.

وحول تداعيات ذلك، ينوه رئيس اتحاد المقاولين في غزة، إلى أن القدرة المالية للمقاولين قد تراجعت، وأغلقت الكثير من الشركات مكاتبها وسرّحت موظفيها وعمالها، لعدم تمكّنها من تسديد الالتزامات التي عليها، سواء للبنوك أو الموردين أو العمال والموظفين.

ويملك المقاولون ديناً مستحقاً على وزارة المالية يفوق لبعضهم مبلغ المليون شيكل، في حين أنهم "ملاحقون قضائياً ونيابياً بسبب شيكات بمبلغ 5 أو 8 آلاف شيكل"، بحسب الأعرج الذي يقول إنهم "طالبوا النائب العام والجهات المسؤولة بمراعاة أوضاع المقاولين، وهم يعلمون أن هذه الديون مستحقة وغير قابلة للنقاش، سواء على وزارة المالية في غزة أو رام الله".

المساهمون