تلجأ الدول إلى تحرير سعر الصرف الأجنبي وتعويم عملاتها الوطنية في حال فشلها في الدفاع عنها، أو حتى تثبيت قيمتها أمام العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار واليورو والاسترليني.
وتحارب معظم دول العالم للدفاع عن عملاتها لأنها تدرك أن تركها للتعويم يترتب عليه آثار في منتهى الخطورة، سواء على المواطن في شكل قفزات في أسعار السلع خاصة المستوردة، أو على الاقتصاد في شكل تضخم مرتفع وزيادة في أسعار الفائدة والدين العام.
وتلجأ الدول للدفاع عن عملاتها الوطنية عبر عدة آليات من أبرزها زيادة الإنتاج، خاصة لقطاعات تدر إيرادات بالنقد الأجنبي مثل الصادرات والصناعة والزراعة، وزيادة مخزون الذهب، وزيادة معدل الادخار في المجتمع، ورفع سعر الفائدة على العملة المحلية لجعلها جاذبة للاستثمار، خاصة إذا كان التضخم مرتفعاً، وغيرها من الأدوات النقدية التي تطبقها البنوك المركزية.
هذا لا يعني أن هناك دولاً تتعمد خفض قيمة عملاتها في حال وجود فرص لزيادة صادراتها الخارجية وتحويلات المغتربين وتنشيط قطاع السياحة كما تفعل الصين.
وفي مثل هذه الأيام قبل 3 سنوات قررت الحكومة المصرية تعويم الجنيه في محاولة منها لوقف انهياره السريع مقابل الدولار، ووأد السوق السوداء للعملة التي توحشت في نهاية 2016.
وعقب اتخاذ الحكومة قرار التعويم في بداية شهر نوفمبر 2016 فقد الجنيه نحو 60% من قيمته ليقفز سعر الدولار من 8.8 جنيهات إلى نحو 18 جنيها خلال أيام، بل واقترب من حاجز العشرين جنيها قبل أن يرتد إلى حاجز 16 جنيهاً حالياً.
كما فتح القرار الباب أمام مصر للحصول على قروض ضخمة من كل حدب وصوب، وبالتالي إغراق البلاد في مستويات تاريخية من الدين الخارجي تجاوزت 110 مليارات دولار.
وترتب على قرار تعويم الجنيه آثار خطيرة منها فقدان الجنيه لنصف قيمته، وفقدان المصريين نصف مدخراتهم وأصولهم، وحدوث قفزات في الأسعار، وزيادة معدل التضخم ليصل في منتصف العام 2017 إلى نحو 35% قبل أن يتراجع بشكل حاد خلال الفترة الماضية.
ورغم كل تلك التداعيات الخطيرة بات المسؤولون المصريون يتعاملون مع أخطر قرار في تاريخ الحياة الاقتصادية والسياسية المصرية على أنه إنجاز تاريخي ونجاح غير مسبوق، وحسب تصريحات هؤلاء فإنه لولا تعويم الجنيه لانهار الاقتصاد المصري، بل ولولا التعويم لشهدت أسعار السلع قفزات كبيرة.
قبل يومين خرج وزير الخارجية سامح شكري مع الإعلامي عمرو أديب ليعدد الإنجازات التي تحققت في مصر خلال السنوات الأخيرة، ومنها تعويم الجنيه والافتتاحات المتكررة لمشاريع قومية، وتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، وانخفاض البطالة إلى 8% وزيادة معدل النمو الاقتصادي إلى 5.8%.
وقبله مباشرة خرج حسن السيد، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان ليقول: "لولا تحرير العملة والمشروعات التي نفذتها الدولة لكانت مصر أعلنت إفلاسها".
بل إن أحمد هلال، عضو شعبة الأدوات المنزلية باتحاد الغرف التجارية، حاول قلب الحقائق حينما قال إن قرار تعويم الجنيه ساهم في انخفاض الأسعار بشكل عام.
ببساطة تحول أخطر قرار في مصر خلال الـ 45 عاما الأخيرة وبعد قرار حرب 6 أكتوبر 1973 إلى مصدر فخر يتباهى به كبار المسؤولين المصريين.