يحرّض التطور الذي يعرفه قطاع صناعة السيارات في المغرب على رفع سقف الأهداف التي يتطلع إلى بلوغها، إذ يرنو إلى توسيع القدرات الإنتاجية كي تصل إلى مليون سيارة مصنعة محليا سنويا وزيادة رقم المعاملات عند التصدير إلى 10.5 مليار دولار في أفق 2022، ليكرّس صدارته في صناعة السيارات في أفريقيا.
وبلغ إنتاج مصنعي "رينو" في الدار البيضاء وطنجة إلى 402 ألف سيارة في العام الماضي، علما أن العملاق الفرنسي يتوفر على قدرات إنتاج تبلغ 500 ألف سيارة، بينما يرتقب أن ترفع "بيجو"، التي افتتحت مصنعها في الأسبوع الماضي بمدينة القنيطرة من 100 ألف إلى 200 ألف.
ووصلت صادرات السيارات التي أنتجتها "رينو" في العام الماضي إلى أكثر من 358 ألف سيارة، بزيادة بنسبة 7.7 في المائة، ما درّ عائدات في حدود 3.5 مليارات دولار، حسب مكتب الصرف.
ويذهب المركز المغربي للظرفية، في تقرير له قدم الأربعاء الماضي، حول نموذج التصدير في أفق 2025، إلى أن صادرات صناعات السيارات والمنتجات المرتبطة، ستواصل ارتفاعها، وسترتفع حصتها ضمن مجمل الصادرات من 12.7 في المائة إلى 16.1 في المائة.
وتدفع قدرات الإنتاج الحالية والمتوقعة، وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، مولاي احفيظ العلمي، إلى المراهنة على رفعها من 700 ألف سيارة إلى مليون سيارة مصنعة محلية، إذ يترقب تحقيق ذلك الهدف، سواء عبر استثمارات جديدة لـ "رينو" و"بيجو"، أو عبر جذب مصنعين عالميين جدد.
تحديات عديدة
ويبقى أداء المصانع في المغرب، رهن الطلب الخارجي، الذي تباطأ في بعض الأسواق التي توجه إليها "رينو" سياراتها منذ بداية العام الجاري، ما من شأنه أن يؤثر على طموحات المغرب، وخصوصاً أنه سيكون من الصعب على مصنعي "رينو" و"بيجو" العمل بكامل طاقتهما، لأن السوق الداخلي لا يستوعب سوى 166 ألف سيارة، من بينها 44 في المائة لـ"رينو".
ويرى خبراء أن تباطؤ الصادرات، من شأنه أن ينعكس على المستثمرين الذي ربطوا مصيرهم بالمصنعين الأجانب، كما سيكون له تأثير سلبي على الميزان التجاري، وخصوصاً أن السيارات أضحت في صدارة قائمة الصادرات، على اعتبار أن المبيعات في الخارج بلغت 6.5 مليارات دولار.
ويعتبر الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن استثمارات شركات السيارات العالمية في المغرب تساهم في توفير فرص العمل، غير أن التساؤل يطرح حول مدى مساهمتها في نقل التكنولوجيا وإطلاق مسلسل للتصنيع يتيح للمغرب اكتساب خبرة في مجال صناعة السيارات مستقبلا.
ويرى الشيكر أن ترحيل شركات السيارات لنشاطها نحو المغرب مرده إلى الامتيازات والتسهيلات التي تمنح لها، غير أن تجارب سابقة في تاريخ الصناعة بالمملكة، تشير إلى فقدان بعض الصناعات في السابق، رغم اكتساب خبرة كبيرة فيها.
ويذهب المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، إلى أن من الجيد صناعة السيارات ومنح أراض وامتيازات للمستثمرين الأجانب، غير أنه يشدد على ضرورة توفير منتجات تكميلية من أجل تحسين تنافسية النسيج الإنتاجي المحلي، معتبرا أن الإنتاج لا يتوفر على محتوى تكنولوجي كاف ولا ينتج ما يكفي من فرص العمل المؤهلة. ويدعو إلى توسيع قاعدة الصادرات، بحيث لا تستند فقط إلى الصناعات الحديثة مثل السيارات والطيران والنسيج والمنتجات الغذائية، إذ أحصت المؤسسة حوالي 3500 منتج يمكن أن تتيح للمغرب فرصاً لتلبية احتياجات السوق المحلية وفتح أسواق خارجية.
مكونات التصنيع المحلي
يؤكد المغرب عند إثارة الدور الذي أضحى يضطلع به قطاع السيارات، على نسبة الإدماج المتأتية عبر المكونات المصنعة محليا إلى 50.5 في المائة بالنسبة لـ"رينو"، وهي نسبة يرتقب أن تبلغ في مصنع "بيجو" 60 في المائة، قبل أن ترتفع إلى 80 في المائة، علما أنه خلافا لـ"رينو" تصنع "بيجو" محركات السيارات محليا.
وارتفعت فرص العمل التي استحدثت في القطاع إلى 158 ألفاً في العام الماضي، بعدما ساعد مخطط التسريع الصناعي، على خلق 85 فرصة عمل في الأعوام الخمسة الأخيرة، حسب وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، مولاي احفيظ العلمي، الذي يؤكد أن القطاع بلغ 97 في المائة من فرص العمل المتوقعة في حدود 163 فرصة عمل في حدود العام الماضي.
ويؤكد المدير العام لمصنع "صوماكا " التابع لـ"رينو" في الدار البيضاء، محمد بشيري، أن 10 في المائة من سيارات "رينو" التي تجوب العالم مصدرها المغرب، خاصة تلك التي ترتبط معها المملكة باتفاقيات للتبادل الحر مثل أوروبا وتركيا ودول عربية.
تحفيزات حكومية
بلور المغرب منذ 2014، مخطط التسريع الصناعي الذي أتاح تكريس فكرة المنظومات، ما ساعد على جذب ثلاثة مصنعين عالميين، وهم "رينو"، و"بيجو"، والمصنع الصيني "بي واي دي" الذي وقعت معه اتفاقية في نهاية 2017، من أجل إنتاج سيارات كهربائية، واستدعى ذلك تشكيل حوالي 250 مجهزاً حول المصنعين، وتكوين منظومات في الألياف والمقاعد والبطاريات والمحركات، بينما ينتظر وضع منظومات جديدة تهم الهندسة وقطع الغيار والمكونات الخارجية للسيارات.
وقد عمل المغرب على توفير تحفيزات للشركات المصدرة التي تختار مناطق "أوف شور"، بالإضافة إلى البنيات التحتية التي تتاح لها، تتمتع بإعفاء من الضريبة على الشركات لمدة خمسة أعوام، كما يوفر لها دعم يجعل الضريبة على الدخل لا تتجاوز 20 في المائة من كتلة الأجور.
ويعتبر ميناء طنجة أحد العوامل التي تجذب المستثمرين إلى المغرب، فالسيارات التي تخرج من مصنع "رينو" تنقل إلى متن قطارات، كي تصل بعد أربعين دقيقة إلى السفن، التي تنقلها إلى أوروبا ومنطقة الخليج وبلدان أميركية.
وأكد الوزير مولاي احفيظ العلمي الأربعاء الماضي، في معرض حديث له عن قطاع السيارات، أن الشركات التي تستثمر في صناعات السيارات بالمغرب، يمكنها أن توصل منتجاتها إلى أكثر من 55 دولة من دون دفع الرسوم الجمركية، في إشارة إلى البلدان التي ترتبط معها المملكة باتفاقيات للتبادل الحر.
ويتصور مراقبون لجوء المغرب إلى أن تليين سعر الصرف في العام الحالي، من شأنه أن يجذب المستثمرين، وخصوصاً أن سعر صرف الدرهم يعتبر من العوامل التي يمكن أن تتيح للمستثمرين امتيازات تنافسية عند التصدير.