نزاعات الأراضي في اليمن تشعل صراعًا قبليًا وتطرد الاستثمارات

09 سبتمبر 2016
تفاقم النزاعات على أراضي اليمن (محمد عويس/ فرانس برس)
+ الخط -


في البلد الذي يشهد حرباً طاحنة بين السلطة الشرعية بدعم من التحالف العربي وجماعة أنصار الله (الحوثيون)، منذ شهر مارس/آذار 2015، تدور حروب أخرى يذهب ضحيتها العشرات، بسبب نزاعات الأراضي، ولم يفوّت الحوثيون الفرصة، إذ بسطوا أيديهم على مساحات شاسعة من الأراضي وبدأوا بالتصرف فيها.
وفي حالة الفوضى التي تشهدها البلاد لا يحتاج الأمر إلى أسباب قوية لتشعل حربا، فقطعة أرض زراعية صغيرة أشعلت حرباً مستمرة منذ 2011، سقط فيها نحو 100 قتيل بينهم أطفال ونساء ونحو 120 جريحاً. وأوضح السكان أن منطقة "المزعالة" حيث يدور القتال منكوبة وأغلقت فيها الأسواق والمحلات التجارية وقطعت الطرق بسبب الحصار المفروض إثر نزاع مسلح بين قبيلة "بدر" و"آل القاعدي" على قطعة أرض.

وقد سقط سليمان القاعدي، المذيع في إذاعة محلية بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) قتيلاً يوم الإثنين الماضي في هذه الحرب المستعرة منذ خمس سنوات، بسبب نزاع حول ملكية قطعة أرض.
وقال سكان محليون لـ"العربي الجديد"، "إن الحرب على الأراضي التي اشتعلت نهاية عام 2011، تتخللها فترات هدنة لكنها لم تتوقف منذ مارس/آذار الماضي.
وتشهد محافظة ذمار (وسط اليمن) حربا قبلية بدأت قبل 35 عاماً، بسبب نزاع على قطعة أرض خلفت 208 قتلى وجرحى حتى الآن، بحسب وزارة الداخلية اليمنية.



وسجلت عشرات الحوادث حول نزاعات الأراضي في مختلف مناطق البلاد، منذ مطلع العام الجاري وسقط عشرات القتلى.
وتدور معظم النزاعات في اليمن حول ملكية أراضي البناء والزراعية من دون اللجوء إلى القضاء، وتتحول إلى حرب حقيقية يستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، في ظل غياب مؤسسات الدولة في مختلف المحافظات.
وتعتبر ملكية الأراضي في المجتمعات القبلية في اليمن من علامات الثراء والشرف، وفي التقاليد اليمنية يقال "الأرض عرض".

وحسب دراسة للبنك الدولي، فإن الأرض سبب محوري في تشكيل النزاع في المجتمع اليمني، إذ تشكل الأساس الاقتصادي لسبل معيشة غالبية اليمنيين، فالزراعة تشكل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيها 75% من القوى العاملة الريفية.
وحسب الدراسة: "ليس هناك سوى نسبة صغيرة جدًا من الأراضي اليمنية المنتجة اقتصاديًا، فأقل من 3% منها أراضٍ زراعية رئيسية".

وذكرت الدراسة أن عدم وضوح حقوق الملكية يشكل ظاهرة ملموسة في اليمن وأبرز مظاهرها النزاعات حول ملكية الأراضي التي أصبحت حاجزًا أمام النمو والاستثمار في جميع مجالات الاقتصاد.
ويعيق النزاع على الأراضي إحراز أي تنمية اقتصادية، ويؤدي إلى موجة نزوح سكاني من مناطق النزاع، فضلاً عن تعطيل الأرض محل النزاع وعدم استثمارها.

وخلال فترة ما قبل الحرب وسيطرة الحوثيين، كانت التقديرات الرسمية تشير إلى أن عدد الذين يقتلون في نزاعات الأراضي والأخرى ذات الصلة بها يقدر بنحو أربعة آلاف شخص سنوياً.
وأكد خبراء اقتصاد أن ظاهرة النزاعات القبلية على الأراضي تسبب تعثر عملية التنمية المحلية في المشاريع الخدمية والتنموية والاستثمارية في المناطق محل النزاعات.
وفي هذا الإطار، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء طه الفسيل، تزايد حالات النزاع على الأراضي وعدد الضحايا خلال العامين الماضي والجاري بسبب الحرب وغياب الدولة.

وقال الفسيل لـ"العربي الجديد"، إن "مشكلة الأراضي وحيازتها وحماية ملكيتها كانت المشكلة الاقتصادية والاجتماعية الأهم والأكبر التي تواجه الاستثمار في اليمن قبل الحرب، وستظل مشكلة كبرى تواجه جهود الاستقرار وإعادة الإعمار وبناء الاقتصاد، حال توقفت الحرب".
وشكلت نزاعات الأراضي خلال فترات حضور الدولة أكبر العوائق أمام الاستثمار في اليمن، كما شكلت عائقا أمام مشاريع التنمية، وتفاقمت بعد اندلاع الحرب.

وتبلغ مساحة الأراضي المملوكة للدولة ما بين 2% و3% من إجمالي الأراضي فقط، وتشكل أراضي الوقف ما بين 12% و13% من إجمالي الأراضي، بحسب التقارير الرسمية. وبذلك تشكل الأراضي المملوكة ملكية خاصة الجزء الغالب في المحافظات الشمالية نحو 85%، خاصة في منطقة الأراضي المرتفعة ومنطقة تهامة.
وفي سنوات سابقة كانت الدولة تمنح المستثمرين أراضي مجانية تشجيعاً للاستثمار، لكن المستثمر المحلي يجد نفسه أمام مدعين قبليين بالملكية، ويضطر لشراء الأرض من المدعين تفادياً للمشاكل ولعدم جدوى للجوء إلى القضاء.

لكن المستثمر الأجنبي يعتبر ظهور مدعين بملكية الأرض دليلا على بيئة غير مشجعة للاستثمار ويفضل المغادرة.
وعلى سبيل المثال، وقعت شركة تعمير الإماراتية عام 2006، على اتفاقية لإنشاء 50 ألف وحدة سكنية في مدينتي صنعاء وعدن على مساحة تقدر بـ 300 مليون قدم مربعة من الأراضي، وبدأت الشركة مع الشريك المحلي بشراء عدد من الأراضي لكنها في كل مرة كانت تواجه مدعين بالملكية، وبعد أشهر غادرت البلاد وألغت المشروع.

ومنذ عشر سنوات، تواجه هيئة الطيران المدني مشاكل في توسعة 4 مطارات مدنية كون الأراضي المجاورة للمطارات ملكية خاصة.
وأفاد مصدر في هيئة الطيران المدني "العربي الجديد"، بأن الهيئة قامت بدفع أكثر من 12 مليار ريال (الدولار = 250 ريالاً) للمدعين بملكية أراضي مطار صنعاء، ونحو 8 مليارات ريال للمدعين بملكية أراضي مطار الحديدة (غرب البلاد)، ونحو 6 مليارات ريال للمدعين بملكية أراضي مطار تعز (جنوب)، وعلى الرغم من ذلك لم تستطع حل الإشكاليات وفي كل مرة يظهر مدعون جدد بملكية الأرض.

وتعثرت توسعة مطار سيئون (جنوب شرق) بسبب تعويضات الأراضي لمواطنين بقيمة 4 مليارات ريال.
في السياق تزايدت خلال فترة الحرب ظاهرة البسط على الأراضي المملوكة للدولة وأراضي الوقف من الأفراد والقبائل والحوثيين.

وقالت مصادر حكومية، نهاية يونيو/حزيران الماضي، إن جماعة الحوثيين أقدمت على التصرف بمساحات كبيرة من أراضي وعقارات الدولة داخل وفي محيط العاصمة صنعاء، بتوزيعها على أسر قتلاها الذين سقطوا في المواجهات في صفوفها.
كما تزايدت ظاهرة البسط على أراضي الدولة في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، ومنها أراض تابعة للمستثمرين داخل المنطقة الحرة.

وناقش اجتماع حكومي بعدن، في 27 أغسطس/آب، أعمال البسط والبناء العشوائي الذي طاولت أراضي المنطقة الحرة بالمديرية منها أرضية معسكر الدفاع الجوي وفي منطقة الفارسي وأراض بالقرب من جسر البريقة.
وخرج اللقاء بتشكيل فريق تفتيش مهمته عمل مسح ميداني رفع تقريراً مفصلاً للمخالفين والمتحدثين للبناء والبسط وسيتم بموجب التقرير اتخاذ إجراءات لعودة الأراضي والممتلكات إلى سلطة الدولة.



المساهمون