مفضلاتي الـ100 من الكتب (1 - 2)

22 يناير 2019
+ الخط -
"ممكن ترشح لي كتب أشتريها من معرض الكتاب؟"، سؤال مفعم بالعشم تعودت أن أتلقاه بسعادة منذ بدأت تقديم برنامج (عصير الكتب) قبل حوالي عشر سنوات، خاصة أن كثيراً من الكتب التي كنت أقترحها في فقرة (كتاب الأسبوع)، كانت بحمد الله تنال إعجاب كثير من متابعي البرنامج، مع وجود استثناءات تفرضها اختلافات الأذواق، التي لولاها لبارت الكتب أكثر مما هي بايرة.

مع التجربة، أصبح السؤال يثير التوتر، لأن بعض القراء والمتابعين يأخذون مسألة الترشيحات بشكل شخصي، فحين لا يعجبهم كتاب قمتَ بترشيحه لهم، يهاجمونك أحياناً أكثر من مؤلفه أو مترجمه، لأنك تسببت في إضاعة ما أنفقوه من مال في شراء الكتاب، أو من وقت في تحميله، لذلك أصبحت أحرص من حين لآخر على أن أكرر القول إن ما أرشحه من كتب في فقرة (كتاب الأسبوع) هو في البدء والمنتهى اختيار يعتمد على ذائقتي الشخصية التي لن يتفق الكل معي فيها بالضرورة، وأن إعلان اختياراتي لا يهدف لترويج ذائقتي في القراءة التي لن يؤثر عليها اختلاف الآخرين أو اتفاقهم معها، بقدر ما يهدف إلى إشاعة ثقافة ترشيح الكتب والأفلام والأغاني، التي تشبه عندي في الفضل والقدر فكرة عزايم الأكل التي تدعو فيها من تحبه إلى مطعم جميل لم يتعرف عليه من قبل، أو تعرفه على أكلة جميلة لم يسبق له أن استمتع بها.

حين يسألني البعض عن المعيار الذي أعتمد عليه في ترشيحي للكتب، أكرر ما سبق أن قلته حين نشرت أول قائمة ترشيحات للكتب في صحيفة (المصري اليوم) عام 2008، وكانت نواة لقائمة موسعة ومنقحة نشرتها في خاتمة كتاب (في أحضان الكتب) الذي صدر نهاية عام 2013، وهو أنني أعتمد في تقييمي للكتاب على إمتاعه لي كقارئ، وقدرته على دفعي للتمسك به وجعل قرار إفلاته من يدي صعباً، ولذلك اخترت لقائمتي عنواناً متحيزاً هو (أحلى الكتب)، لكنني حين قرأت تلك القائمة مؤخراً خلال تحضيري لطبعة جديدة من الكتاب، قررت أن أقوم بحذف القائمة من الطبعة الجديدة، بعد أن اكتشفت أن بها عدداً من الكتب التي تستحق أن تحذف من القائمة التي تعد القارئ بأنها ستقدم له أحلى الكتب، فمع أنها ليست كتباً رديئة ولا مملة، لكنها لا تتمتع بأهم شرط لوصف الحلاوة من وجهة نظري "بعد آخر أبديت لبرنامجي للتعامل مع الكتب"، وهو أن يظل الكتاب قابلاً لإعادة القراءة أكثر من مرة، أو أن يظل كثير منه حاضراً في ذهنك ووجدانك مهما مر من الزمن على قراءتك له، وهو شرط يزداد صعوبة مع تقدم السن وتعدد القراءات ووهن الذاكرة.


حين طلب مني الصديق الشاعر أحمد ندا قبل عام، أن أشارك في تجربة كان يحررها في أحد المواقع، تدعو المشاركين فيها لاختيار ما يفضلونه من الكتب والأفلام والأغاني، بشرط أن يختار المشترك عشرة عناوين فقط، اعتذرت له بعد أن وجدت صعوبة بالغة في الالتزام بشرط العدد، برغم أني سبق وأن قدمت في صفحة (قلمين) التي كنت أحررها في الإصدار الثاني من صحيفة (الدستور) عام 2005 باباً قصيراً بعنوان (عشرات)، كنت "أشاور" فيه كل أسبوع على عشرة أشياء أفضلها وأرشحها من أفلام وأغاني وكتب ومسرحيات ومطاعم ومسلسلات وبرامج إذاعية وتلفزيونية، وكان ذلك نواة لمشروع بعنوان (التاريخ الشخصي لأشيائي)، قررت أن أكتبه على مدى السنين وأنشره حين أبلغ الستين من عمري، لكنني حين أقرأ هذه التجربة التي نشرتها بعد أن تجاوزت الثلاثين من عمري بقليل، يدهشني ما يغلب عليها من طيش، قد يبدو لك جلياً منذ اختيار العنوان، مما جعلني أدرك أن أي اختيار لما تفضله من أشياء في الحياة الدنيا، لا يجب أن يؤخذ بجدية قبل بلوغ الأربعين، ليس لأنها سن النبوة والحكمة المفترضة، بل لأنها في الغالب الأعم بداية سنوات الغربلة، التي يستحسن أن تبدأ بعدها في تخفيف حمولتك الزائدة من التفضيلات والانحيازات والذكريات المكبوتة والصداقات والعداوات.

كنت ولا أزال مفتوناً بعنوان كتاب (المفضليّات) المرتبط بتجربة رائدة للشاعر العربي المفضّل الضبّي، قام فيها باختيار عشرات القصائد التي يحبها ليقوم بتدارسها مع تلميذه المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور، وهي محاولة مبكرة في تراثنا العربي تكررت بعد ذلك في عدة أشكال وصور أكثر ما أفضله منها ما قام به الشاعر أدونيس في عمليه الجميلين (ديوان الشعر العربي) و(ديوان النثر العربي)، لكن تخلف صناعة النشر لدينا أدى إلى عدم تطوير فكرة كتب المفضّلات والترشيحات بشكل جذاب ومثير للاهتمام، مثلما حدث في محاولات كثيرة قرأتها بالإنجليزية، من أجملها وأشهرها سلسلة الكتب التي ترشد قارئها إلى عدد من الكتب أو الأفلام أو اللوحات أو الأماكن التي يجب أن يشاهدها قبل أن يموت، على أساس أن الحياة قصيرة ولن تتسع بالضرورة لغواية الاكتشاف التي تستحوذ على عقلك لسنين طويلة، وتجعلك نَفوراً من فكرة أن يرشح لك أحد، لتختار مفضلاتك بنفسك وتتحمل مسئولية اختياراتك، وهو ما كان يجعلني أنفر بشدة من قراءة تلك الكتب، قبل أن يجبرني "انفلات الزمان كإنه سحبة قوس في أوتار كمان" على التواضع، ومنح تلك الكتب فرصة، لأكتشف أنها لا تفرض عليك ذوقاً بعينه في القراءة والمشاهدة والسّمَع، بل تقدم لك طيفاً واسعاً من الاختيارات المعتمدة على ما حققته الأعمال الفنية والأدبية من نجاح نقدي أو جماهيري أو كليهما، أو على ما قام به الزمن من إنصاف متأخر لأعمال ظلمت عند صدورها، وهو ما استفدت منه كثيراً، دون أن يقلل ما تقدمه هذه الكتب المرتبطة بذائقة صانعيها، من إدراكي لأهمية إنصاف الأعمال المظلومة أو مهاجمة الأعمال المبالغ في تقديرها، لتشهد دورة حياتنا القصيرة سلسلة من الترشيحات والترشيحات المضادة التي تصبح الحياة بفضلها أقل بواخة وإيلاماً.

حين قررت توسيع تجربة المفضلات العشرة من الأفلام والكتب والأغاني، لكي أصنع قائمة بمائة عنوان مما أفضله من كتب وأفلام وأغنيات ومسرحيات ومسلسلات، متخذاً من تلك اللعبة مدخلاً لغربلة الذاكرة وإنعاشها، أخذت أفكر في عناوين الكتب التي استبعدتها من قائمتي السابقة، وأتأمل أسباب استبعادي لها، مع أنها لا تزال كتباً حلوة وممتعة، وأتأمل أيضاً عناوين الكتب التي أصبحت أرى أنها الاجدر بأن تنضم إلى قائمة مفضلاتي من الكتب، وفي أسباب اختياري لها، فأدركت أن القاسم المشترك الذي يجمع بين مفضلاتي المائة من الكتب، أنها لم تؤثر في فقط كقارئ، بل أثّرت في ككاتب، فبرغم أنني أصبحت أحب أعمالاً مختلفة لبعض كتابي المفضلين، لكنني حين أضع الآن قائمة لأكثر ما أفضله لهم من كتب، أميل لوضع الكتب التي عصفت بذهني ووجداني حين قرأتها، وجعلتني أتأملها ككاتب من حيث اللغة والأسلوب والأفكار، وهي الكتب التي لا زلت حين أعاود قراءتها من حين لآخر، ولو بشكل خاطف، أكتشف أنها لا زالت قادرة على شحن بطاريات الروح، على عكس ما تفعله كتب أخرى ربما أقضي معها وقتاً ممتعاً أو لطيفاً، لكن علاقتي بها تنتهي بعد قراءتها، فضلاً عن أنها لا تدفعني لتأمل الطريقة التي كتبت بها، والتساؤل عما يجب أن أستفيده ككاتب من هذه الكتب، ومن تجارب مؤلفيها في الكتابة، خاصة أنني اكتشفت أن كثيراً من العناوين التي اخترتها في قائمتي التي أدرك أنها ليست نهائية، كتبها مؤلفون أحب مجمل ما قدموه أو كثيراً منه، بل وأصبح لدي قدرة على التسامح مع بعض العيوب والنواقص التي شابت أعمالهم في البدايات، لأن تلك العيوب والنواقص أصبحت تعني بالنسبة لي بشارة ووعداً بأنني لو أصغيت واجتهدت، يمكن أن أتخلص من عيوب ونواقص كتابتي.

نهايته، إذا كنت قد وجهت لي مؤخراً سؤالاً عما تحب أن أرشحه لك لتشتريه من أي معرض قادم للكتاب، أعرف أنك ربما لا تكون مهتماً بطريقة اختياري لمفضلاتي من الكتب، قدر اهتمامك بمعرفة عناوين هذه الكتب، لعلها تساعدك على اتخاذ قرار بما ستشتريه، لكني سأرجوك ألا تتجاوز قراءة هذه الفقرة إلى العناوين، قبل أن تسمح لي باللتّ والعجن والتأكيد على أن هذه القائمة مرتبطة برقم المائة الذي ألزمت به نفسي منعاً للمزيد من الرطرطة، لذلك يستحيل أن أجمع فيها كل ما يستحق الترشيح من كتب ملهمة وممتعة، كما أنها كما يجب أن يتذكر هواة التميز ومهاويس التجويد، قائمة شخصية لا تغطي كل مجالات المعرفة ومكتوبة من الذاكرة، قد يفشل كثير من عناوينها في تحقيق طموحاتك إلى قراءة ممتعة تجيب همها وتقلل همك، فإن وجدت فيما رشحته خيراً فاحمد الله واشكر صُنّاع الكتاب الذي أعجبك، وما فاض لديك من شكر فلا تبخل به على محسوبك، وإن وجدت ما يخيب الأمل فعليك أن تصُبّ غضبك على صنّاع الكتاب الذي خيّب أملك، و"افتكر لي لحظة حلوة، مَرة عشناها سوا"، وفي كل الأحوال، لا تدع رأيك في هذه القائمة يلهيك عن صنع قائمتك الخاصة التي ترشحها لمن تعرف ومن لا تعرف.

أما عن مفضلاتي المئة من الكتب في هذه المرحلة من العمر فهي:
1 ـ التاريخ الشعبي للولايات المتحدة للمؤرخ الأمريكي هوارد زن ترجمة شعبان مكاوي: أجمل وأهم كتاب تاريخ قرأته حتى الآن، ولو كنت سأختار لك من بين كل ما قرأته من كتب كتاباً واحداً تقرأه، لكان هذا الكتاب، حتى لو لم تكن مهتماً بتاريخ الولايات المتحدة، لأن أهميته في رأيي تتجاوز موضوعه بكثير، وتكمن في الطريقة التي يدفعك بها لقراءة التاريخ والتفكير فيه، وهي طريقة ستجدها مفيدة في قراءة واقعك والتفكير في ما سيفضي إليه من مستقبل.

2 ـ الثلاثية لنجيب محفوظ: مع أني أصبحت أحب له أكثر ليالي ألف ليلة والحرافيش وخان الخليلي وكل قصصه القصيرة، لكن لا أنسى للثلاثية فضل أنها كانت أول رواية انبهرت بها وغيرت نظرتي للأدب. سبب آخر لتفضيلي للثلاثية، وهي أنك تقضي معها أطول وقت ممكن مع كتابة نجيب محفوظ، إلا لو قررت قراءة أعماله الكاملة دفعة واحدة، وهو ما يجب أن يفعله الإنسان مرة على الأقل كل سبع سنين.

3 ـ هكذا أتينا إلى الحياة وهكذا سرنا للكاتب التركي عزيز نيسين ترجمة محمد مولود فاقي: هذه سيرته الذاتية غير المكتملة في جزئين، كانت من أواخر ما قرأت له بعد أن عشقت روايته (الطريق الوحيد) وعشرات المجموعات القصصية، وقد جاء تأخيرها خيراً، لأنها أضاءت لي عالمه أكثر، وعمّقت محبتي له.

4 ـ عصر ورجال لفتحي رضوان: تجربة فريدة في الكتابة عن شخصيات شهيرة، بها بعض الغضب المستند على نظرة ثائرة ترغب في المفاصلة مع عهد قديم، والانحياز لعهد ظنه الكاتب جديداً، لكن التجربة تظل ممتعة وملهمة في كتابة السير الذاتية التي يغلب عليها لدينا طابع التقديس والتمجيد وتبرير الأخطاء.

5 ـ تباريح جريح لصلاح عيسى: أقل كتبه شهرة، يضم أجمل مقالاته التي نشرها في سنوات الثمانينات في صحيفة (الأهالي)، أحببت بفضل هذه المقالات الكتابة وحلمت بها، إذا لم تجده متاحاً أو إذا لم يمسك كما مسّني، أرشح لك أي كتاب للمؤلف يحمل عنوان (حكايات من دفتر الوطن)، وقد صدرت له تحت هذا العنوان عدة كتب جميلة وملهمة.

6 ـ رباعية الولد الشقي لمحمود السعدني: كتابة أعادت تعريف الكتابة في ذهني، وجعلتني أحلم بكتابة تختصر المسافة بين الحكي الشفوي والمكتوب، إذا كنت تريد التعرف على كتابة السعدني من مدخل أقصر وأسهل، فيمكن أن تبدأ بكتابه (مسافر على الرصيف).

7 ـ الشياطين لفيودور دوستويفسكي ترجمة سامي الدروبي: أول ما قرأته له لحسن الحظ، أحب الآن (الإخوة كارامازوف) و(الأبله) أكثر، لكني لا أنسى أبدا تأثير أول قراءة صاعقة للشياطين التي جعلتني من عشاق عالم ديستويفسكي ومن المهاويس بكل ما كتبه وكل ما كُتِب عنه.

8 ـ الحب في زمن الكوليرا لجابرييل جارسيا ماركيز ترجمة صالح علماني: ليس كمثلها شيئ، بسببها أحببت كل ما كتبه ماركيز بدءاً بقصصه ورواياته القصيرة التي كتبها في بداية حياته، وانتهاءاً بسيرته الذاتية البديعة (عشت لأروي).

9 ـ خليها على الله ليحيى حقي: من بين أعمال كثيرة أحبها له هذا العمل الأكثر تفضيلاً وإمتاعاً، وإذا كنت حريصاً على معرفة بقية الكتب التي أحبها لهذا الكاتب العظيم فهي: كناسة الدكان ـ صح النوم ـ فكرة فابتسامة ـ أم العواجز ـ تراب الميري ـ دمعة فابتسامة ـ عطر الأحباب ـ من فيض الكريم ـ دماء وطين ـ ناس في الظل ـ من باب العشم، وهو من الكتاب القليلين الذين إذا لم تعجب بأحد كتبه، فإنك ستستفيد منه كثيراً ككاتب حين تتأمل تخريجاته اللغوية وأسلوبه المدهش في عرض أفكاره.

10 ـ مغامرات هكلبيري فن لمارك توين ترجمة نصر عبد الرحمن: لم أقرأ لمارك توين عملاً غير ممتع أو ملهم، لكن هذا الكتاب هو الأروع على الإطلاق.

11 ـ كل رجال الباشا للدكتور خالد فهمي ترجمة شريف يونس: كتاب ملهم وممتع، يتجاوز تأثير قراءته الفترة التي يدرسها إلى ما هو أبعد بكثير، حيث يساهم في تغيير أفكار راسخة وجدنا عليها آباءنا عن الدولة والوطنية والمواطنة والعلاقة بين الشعب والحاكم.

12 ـ سأخون وطني ـ هذيان في الرعب والحرية لمحمد الماغوط: من الكتب التي قد لا أفضل إعادة قراءتها الآن، فقد أصبحت أحب شعر الماغوط أكثر من نثره، لكن تأثير الكتاب عليّ حين قرأته أول مرة، كان صاعقاً في أسلوبه وسخريته وأفكاره وتحديه الشجاع للمفهوم السائد للوطنية الذي جاب أوطاننا ورا، وأعرف عدداً من أبناء جيلي مروا كما مررت بمرحلة تقليد أسلوب الماغوط وطريقته، وبعضهم للأسف لم يتخلص من ذلك حتى الآن، برغم أن تطورات الأحداث جعلتهم مؤخراً يختارون لعب دور حرس الحدود الوطنية الذي أبدع الماغوط في هجائه.

13 ـ المسرات والأوجاع لفؤاد التكرلي: كانت أول ما قرأته لهذا الكاتب العراقي العظيم الذي أحببت كل ما كتبه، تأثرت بها كثيراً وعاشت معي طويلاً.

14 ـ جسر على نهر درينا لإيفو أندريتش ترجمة سامي الدروبي: رواية رائعة تستحق كل ما حظيت به من تقدير وإشادة، قرأت لأندريتش أيضاً عدة أعمال منها رواية رائعة أخرى بعنوان (وقائع مدينة ترافنيك) من ترجمة الدروبي أيضاً، لكن رواية (جسر على نهر درينا) تظل الأعظم والأجمل.

15 ـ حماقات بروكلين لبول أوستر ترجمة أسامة منزلجي: ساعدتني على إعادة قراءة عالم بول أوستر، كنت قد قرأت له قبلها عدة أعمال على رأسها ثلاثية نيويورك، وكانت أعمالاً ممتعة، لكن هذه الرواية لفتت انتباهي إلى القدرة المدهشة لبول أوستر على تطوير نفسه، فأعدت بعدها قراءة أعماله القديمة، وأصبحت أنتظر بشغف كل ما يصدر له من أعمال، لا أدري إذا كانت هذه الرواية ستكون مدخلك المناسب لمحبته، فقد فعلت ذلك معي ولذلك أحبها برغم أنه أصدر بعدها أعمالاً أجمل.

16 ـ الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي: قرأت عن التوحيدي كثيراً قبل أن أقرأ له، ربما لأنني حين بدأت القراءة له في الجامعة بدأت بكتاب (المقابسات)، فلم أتذوقه جيداً ونفرت من لغته، ولذلك انتظرت عدة سنوات، حتى تحمست لقراءة هذا الكتاب حين قرأت عن ظروف كتابته العجيبة، ومن ساعتها أصبح التوحيدي واحداً من كتابي المفضلين.

17 ـ خلوة الغلبان لإبراهيم أصلان: الأثر الجميل الذي أحدثه هذا الكتاب الصغير الرائع في نفسي يشبه الأثر الذي أحدثته رواية (حماقات بروكلين)، فقد أعاد تعريفي على عالم إبراهيم أصلان الذي كنت أستلطف رواياته القصيرة وقصصه، لكني كنت أتصور أن هناك مبالغة في الاحتفاء النقدي بها، وكان يلزمني بعض السن والتجربة لكي أدرك أن ما يفعله إبراهيم أصلان شديد الصعوبة، وأن بساطته ستخدعك فتظن أن ما يفعله سهل، وتدرك أنه يستحق كل تقدير واحتفاء لما قدّمه من إسهام مهم في الكتابة العربية.

18 ـ أتغير لليف أولمن ترجمة أسامة منزلجي: أعرف أنك زهقت من استخدام التعبير المبتذل (هذا الكتاب غيّر حياتي)، لكن هذا الكتاب بالفعل غيّر حياتي وجعلني أعيد التفكير كثيراً في علاقتي بالمرأة والفن والحب ومفهوم النجاح والفشل في الحياة.

19 ـ ذاكرة النار لإدواردو غاليانو بأجزائها الثلاثة (سفر التكوين ـ الوجوه والأقنعة ـ قرن الريح) ترجمة أسامة إسبر: تجربة ملهمة وفريدة في كتابة التاريخ الشعبي لقارة بأكملها، بطريقة صارت مسجلة باسم غاليانو الذي لم أنزعج من قراءة أي من كتبه، بل أحببت الكثير منها، وهذا ما يصعب على الكثير من الكتاب أن يحققوه حين يكون لهم مشوار طويل مع الكتابة.

20 ـ وعّاظ السلاطين للدكتور علي الوردي: انبهرت بأسلوب الكاتب وأفكاره، ودفعني لقراءة كتب كثيرة له، وقراءة كتب كنت أنفر من قراءتها لأنني أشعر أنها لم تعد مهمة، مثل كتاب (الفتنة الكبرى) للدكتور طه حسين، وسلسلة كتب تاريخ الإسلام التي كتبها أحمد أمين، كما شجّعني على قراءة العديد من أمهات الكتب في التاريخ، وهو أعظم دور يمكن أن يقوم به كتاب وكاتب.

21 ـ تلابيب الكتابة لصافي ناز كاظم: قرأته وأنا طالب في الجامعة، وكانت تجربة قراءة مدهشة وفاتنة ومختلفة عن كل ما قرأته من أساليب في الكتابة، ولا يزال برغم مرور السنين، من الكتب التي لا تُملّ.

22 ـ شخصيات غير قلقة في الإسلام لهادي العلوي: وقعت في غرام كاتبه قبل انتهائي منه، وقرأت كل ما كتبه بإعجاب واهتمام، لكن يبقى هذا الكتاب هو حبي الأول من أعمال هذا المثقف الرائع.

23 ـ يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم: عمل ممتع وعظيم، لم يفقد قيمته مع الزمن، بالعكس، حين تتذكر الفترة الزمنية التي كُتِب فيها، وكيف كان شكل الكتابة السائدة وقتها، سيزداد تقديرك له.

24 ـ الخوف السائل زيجمونت باومان ترجمة حجاج أبو جبر: لم يكن أول ما قرأته لباومان، بدأت بقراءة كتابه (الحب السائل) فأحببت أسلوبه في تشجيعك على التأمل، وفتح شهيتك لقراءة المزيد عن الأفكار التي يطرحها، كان من حسن حظي أن صادفت هذا الكتاب في لحظة كنت أحتاج فيها إلى تفسير لما فعله الخوف بأصدقاء وأساتذة خانوا قيمهم ومبادئهم وتطوعوا بتأييد الظلم والقمع، وقد ساعدني هذا الكتاب على فهم ما دفعهم لاتخاذ تلك المواقف، بشكل جعلني أخفف نبرة الإدانة المترفعة التي كنت أتعامل بها معهم، دون أن أفقد تماماً حزني عليهم وغضبي منهم.

25 ـ من أوراق الرفض والقبول لفاروق عبد القادر: بدأت القراءة في الوقت الذي كان فيه فاروق عبد القادر ملء السمع والبصر بمعاركه الشجاعة مع أسماء أخذت أكثر مما تستحق من تقدير، وأيضاً مع أسماء أصبحت أرى بعد ذلك أنها لم تكن تستحق غضبه العارم، لكن هذا الكتاب ساعدني على إدراك أن أهمية فاروق لم تكن فقط في معاركه السجالية المثيرة للجدل، بل كانت في انحيازاته النقدية لأعمال متميزة وكتاب رائعين والتي سجلها في أعمال كثيرة من أهمها أيضاً (نفق معتم ومصابيح قليلة)، والتي تعرفنا من خلالها أيضاً على كتّاب عرب متميزين لم تكن الصحافة المصرية ضيقة النظرة مهتمة بهم، وصرنا مدينين له بفضل تعريفنا على كثير من التجارب الإبداعية المهمة، حتى لو لم نشاركه الإعجاب ببعضها، ولو لم نوافقه على حدته في رفض بعضها الآخر. سيزداد تقديرك للدور الذي كان يلعبه فاروق عبد القادر في الحياة الثقافية، حين ترى الحالة المأساوية التي أصبح عليها حال النقد الثقافي والأدبي الآن في أيامنا التي ازداد فيها إعتام النفق وقل عدد المصابيح التي تبدد عتمته.

26 ـ كيف تلتئم ـ عن الأمومة وأشباحها لإيمان مرسال: أنا مدين بالكثير لهذا الكتاب القصير المكير، الذي ساعدني على فهم الكثير عن نفسي كأب وابن وزوج تطارده الكثير من الأشباح، ويحرص بقدر الإمكان على ألا يكون بدوره شبحاً يطارد آخرين ممن ارتبطت حياتهم به.

27 ـ مكتب البريد لتشارلز بوكوفسكي ترجمة ريم غنايم: كانت أول رواية كتبها بعد أن كتب أشعاراً كثيرة، كنت قد قرأت له من قبل بعض أشعاره فلم أتحمس لها، لكنني عشقت هذه الرواية التي أحببت بفضلها عالمه الروائي والشعري، وأصبحت مفتوناً به وبقسوته الظاهرية وبتناقضاته الصارخة، فضلاً عن كونه من الكتاب الذين تحرضني قراءتهم على الكتابة.

28 ـ خارج المكان لإدوارد سعيد ترجمة فواز طرابلسي: ساعدتني هذه المذكرات الرائعة على حل مشكلتي مع إدوارد سعيد، فقد كنت وأنا في الجامعة أقرأ بعض حواراته ومقالاته التي تنشرها الصحف مترجمة عن الإنجليزية، فأهتم كثيراً بما يقوله وأعجب بمواقفه الشجاعة، ثم أحاول قراءة بعض كتبه فأجدها صعبة ومملة، وحين قرأت له فصلاً كتبه في كتاب آخر عن الرائعة تحية كاريوكا، أحببت طريقة كتابته عنها، ودفعتني إلى قراءة هذا الكتاب الذي كان مفتاحاً بالنسبة لي لزيارة عالمه من جديد بمحبة واهتمام.

29 ـ المستشرق ـ في فض غموض حياة غريبة وخطيرة لتوم ريس ترجمة رفعت السيد علي: ممتع، لكن يظل أهم ما قدمه لي هو طريقة كتابته التي أعجبتني وأفادتني كثيراً.

30 ـ حيوانات أيامنا لمحمد المخزنجي: هو بالنسبة لي أعلى ذروة إبداعية بين ذُرى المخزنجي المتعددة التي أحب أن آوي إليها من حين لآخر.

31 ـ رسائل الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون: شكل الرسائل القصيرة ساعدني على فهم أهمية الجاحظ ومحبة أسلوبه الرائع، وجعلني من مريديه ومحبيه.

32 ـ بيت الياسمين لإبراهيم عبد المجيد: قرأتها بعد فترة طويلة من تفرغي لقراءة كل ما كتبه نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس، فوجدت فيها كتابة مختلفة تماماً، على عكس كتابات كثيرة لأدباء من أجيال تالية كنت أشعر أنها متأثرة بكتابات السابقين، وجدت هذا الشعور نفسه مع (ذات) لصنع الله إبراهيم، لكني لم أحب أعماله التالية بنفس القدر، أما إبراهيم عبد المجيد فقد ازداد تقديري لروايته (بيت الياسمين) التي أحببت بطلها (شجرة محمد علي)، حين قرأت له بعدها رواية (البلدة الأخرى) ورواية (لا أحد ينام في الإسكندرية) وأعجبت بتنوعه، وأدين له بأنه ساعدني على اتخاذ قرار رفض فرصة عقد عمل جاءني بعد التخرج، لأنني تأثرت كثيراً بالكآبة والخنقة التي عاشها بطل (البلدة الأخرى).

33 ـ من أعاد دورونتين لإسماعيل كاداريه ترجمة أنطوان أبو زيد: رواية مدهشة لم أقرأ مثلها لأحد، ولا حتى إسماعيل كاداريه نفسه.

34 ـ متشرداً في باريس ولندن لجورج أورويل ترجمة سعدي يوسف: أجمل ما قرأته لجورج أورويل، برغم أنني أحب (مزرعة الحيوانات) و(1984) كثيراً. لكنني تأثرت أكثر بهذا العمل.

35 ـ ديوان أبي الطيب المتنبي: كنت أستمع منذ أيام إلى بعض قصائد المتنبي بصوت عبد المجيد مجذوب، وتذكرت معركة حامية الوطيس وقعت ضد محمود درويش لأنه قال في ندوة له بمهرجان قرطاج أن المتنبي أكثر حداثة من أغلب شعرائنا المعاصرين، وهي نتيجة ستصل إليها لو فتحت أي صفحة بشكل عشوائي من ديوان المتنبي وتركت نفسك لعظمة وإبداع هذا الشاعر الفذ، الذي استحق ديوانه الوصف الذي أطلقه عليه شاعر عظيم آخر هو أبو العلاء المعري: (مُعجِز أحمد).

36 ـ المجموعة الكاملة لشاعر الشعب بيرم التونسي: خليط ممتع وغير متجانس من البهجة والمرارة والغضب والسخرية والحكمة والعبثية، مع قدر من الضلالات الفكرية التي تساعدك قراءتها على تأمل مواقفك في الحياة والسعي لتطويرها.

37 ـ كتاب النميمة لسليمان فياض: تجربة رائعة ومتفردة في كتابة البورتريهات لنبلاء وأوباش الحياة الثقافية والأدبية، أعتقد أن اسم النميمة جاء ظالماً لأهمية البورتريهات، وأظن أن اختيار الاسم جاء متعمداً من العم سليمان للتقليل من خطورة ما كتبه، وعمل نوع من التمويه الذي يمكن أن يحميه من شر من كتب عنهم من أوباش.

نكمل غداً بإذن الله.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.