لاسانا ديارا.. النضج التكتيكي يأتي بعد الثلاثين

11 فبراير 2016
ديارا يتألق مع مارسيليا (Getty/العربي الجديد)
+ الخط -

يغرد باريس سان جيرمان خارج السرب في فرنسا، النادي العاصمي يتصدر بدون أدنى منافسة، وضمن لقب الدوري، رغم أن الموسم لا يزال في منتصفه، بعد أن هزم مارسيليا في قلب الجنوب بهدفين مقابل هدف في الجولة الماضية، لينفرد زلاتان إبرا ورفاقه بالمركز الأول، ويعيش بقية المنافسين على أمل خطف المركز الثاني في نهاية المشوار.

وبعيدا عن المقارنات بين الفرق، يتألق بعض النجوم باستمرار في الليغا 1، كماتويدي ودي ماريا وفيراتي من باريس، لكن هناك لاعبا آخر يُصر على خطف الأضواء من كافة الأسماء الإعلامية، رغم أنه يمارس اللعبة منذ سنوات طويلة، وكأن لاسانا ديارا يعيد اكتشاف نفسه هذا الموسم مع فريق المدرب ميتشيل، بعد فترات طويلة من الغياب عن الملاعب.

الجنوبي الأفضل
لا يقدم مارسيليا أفضل مواسمه، بعد هجرة نجومه إلى البريميرليغ، أندريا أيو مع سوانزي، وديمتري باييه يقدم أرقى الألحان في ويستهام، وحده لاسانا حمل الفريق بعد قدومه في الصيف الأخير، ليتحول سريعا من مجرد لاعب وسط تقليدي إلى لاعب ارتكاز شامل، يجمع بين الشق الهجومي والدفاعي، ويضيف لمسة مختلفة إلى هذا المركز المهم في عالم التكتيك.

يلعب ميتشيل بطريقة لعب 4-2-3-1، ويحصل "لاس" في الخطة على خانة الارتكاز الدفاعي، يقطع الكرات أمام رباعي الدفاع، ويصنع حائط الصد الأول في المنتصف، لكنه لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتقدم باستمرار تجاه نصف ملعب المنافس، ويصنع الهجمات بنفسه، خصوصا مع عدم وجود صانع لعب حقيقي في المركز 10 بالملعب.

يعتمد ميتشيل في خططه على الثنائي نكودو وبرادة على الأطراف، مع كابيلا في العمق كلاعب حر بين الخطوط، ويمتاز الفرنسي الأنيق بالمراوغات القوية، لكنه يحتاج باستمرار إلى عون إضافي بجواره أو خلفه، وديارا هو العامل المساند في معظم هجمات مارسيليا، حيث يتقدم إلى الأمام على مقربة من كابيلا، مقابل عودة إيسلا إلى الدفاع، للتغطية الخلفية في حالة فقدان الكرة.

أيام مدريد
بدأ لاسانا مسيرته الاحترافية مبكرا، ونال قدرا كبيرا من الحظ، حينما لعب مع فرق مميزة كتشيلسي وأرسنال، قبل انتقاله إلى ريال مدريد في 2009، ليقضي مع النادي الملكي ثلاث سنوات، بين النجاح والفشل في تجربة لم تدم لفترات طويلة، نتيجة عامل الضغط الإعلامي المضاعف، وزيادة التحديات في تلك الحقبة التي اصطدم فيها الريال بأقوى جيل في تاريخ برشلونة.

جاء لاس إلى إسبانيا محملا بآمال عريضة، لكنه سقط سريعا في دوامة "بديل ميكاليلي"، الفرنسي القدير الذي قام بكافة الأدوار في مركزه بتشكيلة "الجلاكتيكوس" بفترة بيريز الأولى، وقتها لعب مع الريال أقوى نجوم الساحرة المستديرة، ومن خلفهم ميكاليلي، الارتكاز الذي يقطع كافة الكرات قبل وصولها إلى دفاع فريقه، لكن هذا الدور لم يعجب مدراء مدريد، لأنهم يهدفون أولا وأخيرا إلى الاستثمار في نجوم الإعلام.

ليرفض كلود بعد ذلك جفاء المعاملة، ويترك النادي بلا رجعة، ليعيش الريال سنوات صعبة بسبب ضعف خانة الارتكاز، ويجلب أسماء عديدة لم تنجح في سد الفراغ، من بينهم بكل تأكيد لاسانا ديارا، اللاعب الذي بدأ بشكل مميز لكنه لم يواصل التألق، لأنه اكتفى فقط بالدور الدفاعي، في وقت زادت فيه تطلبات المدربين، وأصبح لاعب الارتكاز هو صانع اللعب الأول في أي فريق يلعب على البطولة، لذلك انخفض بريق الفرنسي في زمن بوسكيتس وأقرانه.

مرحلة الثلاثين
عاش ديارا سنوات صعبة في روسيا مع عدة أندية، وجلس في بيته بدون لعب لمدة موسم كامل، لكنه وجد ضالته من جديد هذا العام مع مارسيليا، بعد أن طور كثيرا من قدراته، وفاجأ كل المتابعين بمستوى غير تقليدي بالمرة، ليبعد عنه صورة اللاعب التقليدي، ويضيف إلى قدراته الفنية صفات عديدة، ساعدته على العودة مرة أخرى إلى الباب الكبير مع منتخب الديوك.

المتابع الجيد لأرقام لاس في الدوري، سيجد أنه بارع جدا في العرقلة، افتكاك الكرات، كسر هجمات الخصم، وتشتيت فرص المنافسين، وكل هذه الأمور تعتبر طبيعية لهذا اللاعب، لكنه أصبح أفضل على مستوى المراوغة السليمة، التمرير الإيجابي، التمركز بدون الكرة، ليجمع بين مهام لاعب الارتكاز الدفاعي وصانع اللعب المعروف باسم "ديب لاينج"، أي اللاعب الذي يقوم بصناعة الهجمات من منطقة بعيدة تماما عن المرمى.

وهذا ما جعله يصل إلى قمة مستواه في سن الثلاثين، الفترة التي اكتسب فيها خبرة طويلة نتيجة سنوات لعب سابقة، مع انتعاشة جديدة ناتجة عن التطور والتحسن على الصعيدين النفسي والتكتيكي، وعلى طريقة لكل مجتهد نصيب، يأمل لاس في تقديم باكورة أعماله الكروية في اليورو القادمة، حتى تكون الختام المثالي لمشوار هذا اللاعب العنيد.

لمتابعة الكاتب
المساهمون