هل تساهم الصحافة في انتشار الهلع من فيروس كورونا، إثر تغطيتها؟ تقول الباحثة ومديرة تطوير البحوث والبيئة في كلية الصحافة بجامعة كارديف، كارين ويل يورجنسن إنّ ذلك صحيح. إذ اشتكت من تصاعد نبرة التخويف التي تغرق الصحافة العالمية بخصوص موضوع فيروس كورونا المستجد، مقارنةً ذلك بتغطية باردة للأنفلونزا الموسمية التي تقتل أكثر. ونشرت يورجنسن مقال رأي عبر موقع "ذا كونفيرسيشن" جاء فيه أن الصحافة تقدم حالة من عدم اليقين في مواجهة هذا الوباء الذي يمكن أن يولد الخوف بسهولة.
ودرست الباحثة خلال عقد من الزمن دور العواطف في الصحافة، بما في ذلك تغطية الكوارث والأزمات. وتلعب التغطية الإعلامية دوراً رئيسياً في تنظيم عواطف الناس، بما في ذلك عاطفة الخوف.
وتفرض التغطية الإعلامية القضايا التي تستحق اهتمام الناس، وأظهرت الأبحاث باستمرار أنه عندما تتلقى القضايا تغطية إعلامية واسعة النطاق وتحتل مكانة بارزة في الأجندة الإخبارية، فإنها تعتبر أكثر أهمية من قبل الجمهور.
وكان التفشي الحالي لفيروس كورونا المستجد أكثر بروزاً في التغطية الإعلامية مقارنة بالأوبئة الحديثة الأخرى مثل إيبولا. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها مجلة "تايم" أن هناك 23 ضعفاً من المقالات في الأخبار باللغة الإنكليزية حول فيروس كورونا في شهره الأول مقارنة بالفترة الزمنية نفسها لوباء إيبولا في عام 2018.
ويشير بحث أجرته يورجنسن إلى أن الخوف لعب دوراً حيوياً في تغطية انتشار فيروس كورونا. تتبعت الباحثة تقارير المرض الجديد في الصحف الناطقة بالإنكليزية، من 12 يناير/ كانون الثاني، وحتى 13 فبراير/ شباط 2020، باستخدام قاعدة بيانات LexisNexis UK. ويشمل ذلك ما يقرب من 100 صحيفة عالية الانتشار من جميع أنحاء العالم، والتي نشرت مجتمعة 9387 قصة عن تفشي المرض.
وتوصلت الباحثة إلى أن من بين هذه المقالات ذكرت 1066 مقالة كلمة "الخوف" أو الكلمات ذات الصلة.
وتستخدم مثل هذه القصص غالباً لغة مخيفة أخرى. مثلاً، استخدمت 50 مقالة عبارة "الفيروس القاتل". وكانت الصحف الشعبية مثل "ذا صن" و"دايلي مايل" أكثر من استخدم اللغة التي تسبب الخوف، مثل استخدام عبارة "مرض فتاك".
في المقابل، سعى عدد من القصص إلى تهدئة المخاوف وتوفير الطمأنينة، وأغلبها تصدر عن جهات حكوميّة تقول "لا داعي للهلع". على سبيل المثال، نُقل عن رئيس الوزراء السنغافوري، حسين لونغ، تحذيره من الذعر: "الخوف قد يجعلنا نشعر بالذعر، أو نفعل أشياء تزيد الأمور سوءاً، مثل تعميم الشائعات عبر الإنترنت، أو تخزين أقنعة الوجه أو الطعام، أو إلقاء اللوم على مجموعات معينة في تفشي المرض".
وتبين البحوث المتعلقة بتغطية تفشي أمراض سابقة تأكيداً على الخوف. في حالة وباء السارس في عام 2003، وجدت دراسة أجراها المؤرخ باتريك واليس واللغوية بريجيت نيرليش أن "الاستعارة المفاهيمية الرئيسية المستخدمة كانت السارس كقاتل".
وعلى نفس المنوال، فحص عالما الإعلام بيتر فاستيرمان ونيل روجروك تغطية وباء "إتش 1 إن 1" في هولندا، ووجدا أنها تميزت بالنبرة "المقلقة" مع عدم اليقين، وتولد الخوف والذعر.
في المقابل، وعند مقارنة تغطية كورونا مع تغطية الأنفلونزا الموسمية التي تقدر منظمة الصحة العالمية بأنها تقتل ما بين 290.000 و650.000 شخص في جميع أنحاء العالم كل عام، تلاحظ الباحثة أنه منذ 12 يناير/ كانون الثاني 2020، نشرت الصحف العالمية 488 مقالة فقط عن الأنفلونزا الموسمية.
وفي تناقض حادّ مع تغطية فيروس كورونا، ذكر أقل من واحد من كل عشر قصص عن الأنفلونزا الخوف أو عبارات مماثلة. وبحسب الباحثة، يوحي بروز الخوف كموضوع في تقارير كورونا إلى أن كثيراً من تغطيات تفشي المرض هي انعكاس للخوف العام أكثر من كونها مصدراً للمعلومات عما يحدث بالفعل من حيث انتشار الفيروس.