الجماهير العربية الافتراضية في مونديال 2018: لطم وتقريع

23 يونيو 2018
3 منتخبات عربية ودعت المونديال (أولغا مالتسيفا/فرانس برس)
+ الخط -
في "مونديال روسيا 2018" احتفل العرب بـ "الإنجاز التاريخي" متمثلاً في تأهل 4 فرق عربية لأول مرة في تاريخ منافسات كأس العالم لكرة القدم. وبنظرة سريعة على "الإنجازات الكروية التاريخية" للعرب خلال 88 عاماً من هذه البطولة، سنجد 19 تأهلاً، ومرتين وصول للدور الثاني، ما معناه أن خروج الفرق العربية الأربعة من الدور الأول هو الوضع الطبيعي عربياً، ومع ذلك التهبت المشاعر بالمشاركة وارتفعت الآمال، لتأتي خيبة أمل وتبعاتها لاحقاً، قد يكون السبب هو ذاكرة السمكة التي تتمتع بها شعوبنا العربية التي تعلمت جيداً كيف تجلد نفسها أولاً ثم المهزوم، رغم أن الجلاد حاضر ومستعد للطرفين.

وعلى إيقاع الحدث الكروي، انتشرت فكرة في فضاءات الـ "سوشال ميديا" يبدو أنها لامست وتراً جمعياً ما، خلاصتها أننا كشعوب عربية جلبنا النحس لفرقنا، فكل فريق نشجعه يخسر، ومن هنا تتالت اللطمات الـ "فيسبوكية". وفسر الباحث همام يحيى هذه الظاهرة بأنها توق لدى البشر عموماً "للشعور بأننا نؤثر في الأحداث بأي طريقة"، معتبرا أن خسارة المنتخبات العربية أمر راسخ وظاهرة طبيعية. وبتحرير لطيف لمقولة نجيب محفوظ ختم يحيى " إن خرجنا بالتعادل فهي الرحمة، وإن خرجنا بالخسارة فهي العدل". 

ومن حيث يدري أو لا يدري توافق المعلق التونسي عصام الشوالي مع فكرة "التعادل رحمة"، إذ خلال مباراة تونس وإنكلترا، كان يصرخ محمساً بأن التعادل يكفيه، إلى أن جاء الهدف الثاني لإنكلترا في الوقت الضائع، ليتحول للاكتفاء بشرف المحاولة.

نأتي الآن إلى نقيض ما بدأنا به، فبعد الخسارات المتوالية للمنتخبات العربية انتقلنا من جلد الذات إلى جلد المنتخبات، وصولاً إلى جلد أمة كاملة مع تموضع ممتاز كمراقبين خارجيين، من دون صورة واضحة كيف حصل هذا. ربما التفسير النفسي للحالة إضراب في الشخصية الجمعية العربية، فتارة نحن الفاعلون وتارة تليها نحكم علينا، وكأننا لسنا منا، وعلى هذا الإيقاع انتشر شرح لاختصار FIFA أي Football Isn’t For Arab (كرة القدم ليست للعرب). وبدأت موجة استهزاء وتشبيح افتراضي على المنتخبات العربية والعرب. 




ليس هذا بغريب أو متقصر على مونديال كروي. بطريقة أو بأخرى هذا أسلوب حياة! فكثيرون اندفعوا حماسة لثورات الربيع العربي عندما كانت ملهمة، وعندما وصلت إلى وضع مأساوي مرتبك انتقل من انتقل، من ثائر فخور لناقد مرير يتابع من بعيد، ويكتفي بإلقاء أحكام من برج عاجي متخيل.

وبالعودة للعبة حكمت الجماهير الافتراضية العربية على العرب بأنهم فاشلون كروياً، هذه الجماهير ذات علاقة مونديالية مع لاعبي المنتخبات العربية، طيلة سنوات ما بين الكأس والآخر، يتجاهلون وجودهم ومباراياتهم في الدوري الوطني، إنما في عارض ظرفي زماني استثنائي يتأهل منتخب عربي للبطولة الأولى في العالم فيلقى متابعة وتشجيعاً لا يدومان طويلاً، بعدها يبدأ التقريع والسؤال الكبير الذي يحمل في طياته حكماً قاطعاً "لماذا نحن العرب فاشلون كروياً"؟ أو سؤال يحمل في طياته مظلومية كبرى هي الأخرى "لماذا هم أفضل منا"؟ أي الآخر الكروي.

ومحاولة للإجابة عن هذا الخلل، سأستعير ختام مقالة مترجمة في موقع الجمهورية عنوانها "كيف نغير مجرى التاريخ؟" يتطرق لتساؤلات جان جاك روسو عن التفاوت الاجتماعي، ففي محاولة لنقض فكرة أن التفاوت الاجتماعي أمر محتوم يوضح أن "خسارة البشر الأكثر إيلاماً لحريتهم بدأت على المستوى الضيق؛ العلاقات بين الجنسين، الفئات العمرية والعبودية المنزلية، أي نوع العلاقات التي تحتوي الألفة الكبرى وأعمق أشكال العنف الهيكلي". ترجمة واستعارة لهذه النتيجة، قد تكون بداية جيدة لنهاية التفاوت الكروي الذي ننقده ونكرهه ونتساءل كيف لنا أن نتخلص منه، بأن تتخلى جماهيرنا عن سلطتها الأبوية التقريعية تجاه أندية محلية يخيبنا أداؤها فنتجاهلها تماماً وننسى لاعبيها.




نقاش "فيسبوكي" آخر جدير بالاهتمام، رغم أن الجواب عليه باعث لليأس. ولعل أوضح من عبر عنه ما كتبه زياد خله وتناقله عنه آخرون، إذ كتب خله أن "أداء الفرق العربية كان ممتازا مشرفا، كان فقط ينقصهم شوية حظ وتوفيق وهدافين ومدافعين وحراس مرمى ولاعبي خط وسط ومدربين واتحادات رياضية وصالات تدريب وملاعب واهتمام وتعليم ومدارس وجامعات وصحة ومستشفيات وتأمين اجتماعي وبينة تحتية وشوارع وجسور وكهرباء ومياه وشفافية واستقرار وصحافة وقضاء وحرية وعدالة وديمقراطية وتعددية وأحزاب وكرامة".

الجسم السليم في العقل السليم أم العكس؟ من القدم أم بالرأس؟ التفوق الرياضي ترجمًة لتفوق الدولة أم لا؟ كروياً ايطاليا حاملة اللقب لأربع مرات لم تتأهل لمونديال هذا العام، وقد تنقض النظرية. واقعياً لا نستطيع تجاهل آثار الحال الرث الذي تعيشه بلادنا العربية، فهو كل متكامل، قد يصعب أن ننجو منه بشيء، ولهذا قامت الثورات ولهذا ثار الـ "ألتراس".

المساهمون