والقطاع الذي يُعاني من خطر الاندثار بعد تراجع عدد المطبوعات من 255 سنة 2010 إلى أقل من 55 مطبوعة سنة 2017. لكن رغم هذه الأزمة التي شملت صحف القطاع الخاص فقد بقيت الصحف الرسمية (العمومية) الصادرة عن دار "لابراس"؛ صحيفتا "الصحافة اليوم" (يومية ناطقة باللغة العربية) وصحيفة "لابراس" (يومية ناطقة باللغة الفرنسية)، بمنأى عن الأزمة المالية.
إلا أنّ تيار الصعوبات المالية جرفها على ما يبدو، وبقوة. إذ أعلنت النقابة الأساسية بـ"دار لابراس" أن العاملين في المؤسسة، وهم 80 صحافياً و400 تقني وموظف وعامل لم يتلقوا رواتبهم (جراياتهم) لشهر أيلول/سبتمبر حتى الآن. وهي سابقة في تاريخ المؤسسة، إذ كانت تصرف الأجور في الأيام الأربعة الأخيرة من نهاية كل شهر.
تأخير صرف الرواتب اعتبره البعض نتيجة طبيعية للأزمة المالية التي يعرفها قطاع الصحافة المكتوبة. في حين ذهب آخرون، ومنهم النقابة الأساسية في المؤسسة، إلى أنّ حكومة يوسف الشاهد تعاقب صحف هذه المؤسسة، وخصوصاً صحيفة "الصحافة اليوم" المعروفة بمواقفها غير الداعمة للحكومة والناقدة لاختياراتها السياسية والاقتصادية، وهو ما تجسم في تعطيل الحكومة لبرنامج إصلاح المؤسسة بغاية "تركيع الأصوات الحرة بالمؤسسة".
ونددت نقابة "دار لابراس" بالأوضاع المتردية من خلال التطاول على مكتسبات العمال، وحمّلت الإدارة مسؤولية تدهور المناخ الاجتماعي والتبعات التي يمكن أن تترتب عن تعاملها اللامسؤول مع ما يجري داخل المؤسسة، فضلاً عن الجمود الحاصل في تطبيق كل محاضر الجلسات الممضاة من طرف الإدارة والنقابة مما ينذر بتدهور الشراكة بين الطرفين.
ودعت العاملين في المؤسسة من صحافيين وموظفين إلى الاستعداد لخوض جملة من التحركات الاحتجاجية لمطالبة الإدارة بتحمل مسؤولياتها ورئاسة الحكومة بمراجعة سياستها تجاه مؤسسة "سنيب لابراس" التي أدت إلى تدهور الأوضاع المادية والاجتماعية.
ونبّهت النقابة، أمس الثلاثاء، إلى أنها ستدخل في إضراب، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بسبب "تعنت الإدارة ورفضها تلبية المطالب المشروعة"، في إشارة إلى مستحقات العاملين المالية وتسوية التغطية الاجتماعية والتأمين على المرض وإنقاذ المؤسسة ودعمها من الحكومة.
وضعية "دار لابراس" لا تشكل الاستثناء في الأزمة المالية للصحافة الورقية، رغم أنه كان من المفترض أن تكون بعيدة عن تبعاتها لوجود دعمٍ مالي لها من طرف الحكومة التونسية.
فالصحافة الورقية في تونس تعاني من أزمة مبيعات، إذ لا يتجاوز عدد النسخ التي تباع يومياً من الصحف الورقية في السوق التونسية 100 ألف نسخة وهو رقم ضعيف، مثلما يؤكد رئيس جمعية مديري الصحف، الطيب الزهار، ممّا أدى إلى تراجع الإعلانات التجارية في الصحف الورقية حيث لم تتجاوز الحقيبة المالية التي خصّصت للإعلانات التجارية في الصحافة الورقية سنة 2017، 16.2 مليون دينار تونسي (6 ملايين دولار أميركي)، وهو مبلغ ضعيف جداً مقارنة بما خصص للإعلانات التجارية في القنوات التلفزيونية 159.4 مليون دينار تونسي.
وزادت الأزمة المالية استفحالاً مع انتشار المواقع الإلكترونية الإخبارية التي باتت تحتكر نسبة هامة من القراء ونسبة هامة أيضاً من حقيبة الإعلانات التجارية، إذ بلغ حجم الإعلانات التجارية فى المواقع الإلكترونية 7.3 ملايين دينار تونسي سنة 2017.
وما زاد في تعميق هذه الأزمة عدم إيفاء الحكومة التونسية بالتزاماتها مع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، والنقابة العامة للإعلام، وجمعية مديري الصحف، والمتمثلة في حلول عاجلة لإنقاذ الصحافة الورقية، ومنها إطلاق هيكل لإدارة الإعلانات التجارية الرسمية (العمومية) ورفع عدد الاشتراكات الحكومية في هذه الصحف. وهي التزامات قد تشرع في تنفيذها الحكومة التونسية في الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً بعد أن تمّت مناقشة الصيغة القانونية والعملية لبعث صندوق لدعم الصحافة الورقية في جلسة عقدت مؤخرًا في مقر الحكومة التونسية وقد يتمّ الإعلان عن بعث هذا الصندوق في الأيام القليلة المقبلة.