لم تغادر نظرية المؤامرة مخيلة الناس في البحث عن أسباب، وربما مصدر فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وإثر انتشار مزيد من الذعر والهلع حول العالم، مع تفشيه، ترتفع نسبة انتشار هذه النظريات. إذ لم يشهد التاريخ السابق لتطور التقنيات أوبئة، مثل الطاعون، ما تشهده البشرية من انتشار نظرية المؤامرة أو الحديث عن تقصد بيولوجي لإفناء بشري في مختبرات وعلوم بعض الدول، بسبب الوباء العالمي الجديد كورونا.
مع انتشار العدوى إلى خارج الصين، لم تمهل بعض القنوات والصحافة ووسائل التواصل العلوم الطبية لتفسير ما يجري حول الناس.
وبعيداً عن ظاهرة تحميل دول عربية أو جماعات سياسية مسؤوليّة انتشار الفيروس، وتتوغّل قنوات إعلاميّة في الاستخفاف بالعلوم، فتظهر مقاطع استخفاف بالمرض مبنية على معتقدات دينية كالإيراني الذي لعق مقاماً، أو رفع البعض لقبضاتهم متحدين "كورونا". فيما ذهبت "روسيا اليوم" الروسية الناطقة بالعربية إلى الإتيان بـ"خبير سلاح بيولوجي" في أواخر فبراير/شباط الماضي لتنشر مزيداً من الذعر. ولتأكيد نظرية المؤامرة راح مقدم برنامج "قصارى القول" يستخرج بطريقة درامية ما في قبعة الخبير الروسي، حول دور أميركا في نشر الفيروس، في الصين وإيران بالتحديد. حدث ذلك رغم أن الفيروس كان يتمدد إلى عقر دار أميركا، ويصيب الحلفاء الغربيين، بل والآسيويين. إلى جانب ذلك كشفت لنا "روسيا اليوم" أن "الجينات الروسية" تقاوم العدوى بتناول "الفودكا".
وعدا عن تقليعات استعادة البعض لمشاهد مسلسل سيمبسون الأميركي، وانتشارها بملايين المشاهدات، بما فيها العربية، فثمة استجلاب جديد يتمثل في فيلم "العدوى" Contagion الذي أخرجه ستيفن سودربيرغ في 2011، لتأكيد "المؤامرة". فالفيلم تمحور حول فيروس قاتل ينتشر من آسيا نحو دول العالم وإغراقها في أزمة كبرى.
اقــرأ أيضاً
ولعلّ تحول بعض مدن إيطاليا إلى مناطق أشباح يغذي مخيلة الناس في مقارنة مشاهد فيلم العدوى بمجريات متسارعة في أوروبا، على وقع أزمات مالية ومجتمعية بتأثيرات "كورونا".
وبين محرك "غوغل" بحث الناس عن أجوبة من خلال "تنبؤات" سابقة لانتشار الفيروس. واحتل فيلم "العدوى" مشاهدة واسعة ومكانة متقدمة على قائمتي أمازون وآيتونز.
عن توافق 6 من مشاهد فيلم "العدوى" وفيروس كورونا، استعانت قناة "تي في 2" التلفزيونية الدنماركية بأستاذة "الأمراض المعدية والصحة العالمية"، ومديرة البحوث في مستشفى شمال شيلاند في الدنمارك، تيا كولسن فيشر، التي تذكر أنها تابعت الفيلم أثناء دراستها وتدربها في "مركز السيطرة على الأمراض"، وعايشت بنفسها وباء إيبولا في أنغولا. وفي ذهاب الجمهور اليوم لمقارنة واقع الحجر الصحي وإغلاق مدن بتعقب وكلاء "مركز السيطرة على الأمراض" المصابين في الفيلم، بتحديد عناوينهم ومع من اتصلوا ترى فيشر أنها "أمور طبيعية تعكس ما يجري في الحياة اليومية، والعمل للسيطرة على انتشار أي وباء، وهو ما يجري بالمناسبة في بلدنا الدنمارك".
أما في مقارنة مصدر العدوى في الفيلم وانتشار كورونا، فتذكر فيشر "في الفيلم نشاهد موت 26 مليون إنسان وأن مصدر العدوى هو الخفافيش في هونغ كونغ، حيث تسقط من خفاش قطعة طعام على خنزير يتناولها". وتمضي "صحيح أنه جرى تشخيص مثل هذه الفيروسات في الخفافيش، ونقلت عن طريق حيوان وسيط مضيف للفيروس، وهو ما ثبت في انتشار فيروس سارس في 2003 عن طريق حيوان الزباد، ولكن في حالة كورونا لا أحد يعرف بعد الحيوان الوسيط الذي نقل الفيروس".
وبالنسبة للقاحات تذكر فيشر أنه "في الفيلم يستغرق تطوير لقاح، جُرب على القرود قبل منحه للبشر بعض الوقت، وفي هذه النقطة هناك تشابه مع الواقع. فعملية إيجاد لقاح عملية طويلة، وتتطلب عزل الفيروس وزراعته ومن ثم تحييده، وحين يجد الخبراء لقاحا ستجري تجربته على القرود قبل البشر".
وبالنسبة للعدوى بين البشر في ذات الفيلم، عن طريق اللمس والأسطح التي لمسها المرضى، تقول إن "الفيلم يعطي صورة قريبة من العالم الحقيقي لانتشار كورونا، فعندما نسعل عادة ما نرفع (كف) يدنا إلى مستوى الفم، ومن ثم نلمس مقبض باب أو زر مصعد، وهو ما ينقل جرعة كبيرة من الفيروس، وهي طريقة عدوى حقيقية".
مقابر جماعية تظهرها مشاهد فيلم "العدوى"، حيث يُرفض دفن الموتى بطريقة طبيعية، ويجري بالتالي حرق الجثث أو دفنها في مقابر جماعية. وعن تلك المشاهد ومقارنتها بكورونا، تضيف فيشر أنه "خلال تفشي وباء إيبولا في أنغولا توفي أعداد كبيرة، ولم يكن بالإمكان التعامل مع الموتى بطريقة اعتيادية، فاتخذت تدابير أخرى، وضع فيها المتوفين في أكياس أغلقت بإحكام، لأن أجساد الموتى مصدر عدوى خطير، وجرى إحراق الموتى لتدمير مصدر العدوى". ولكن في الحالة التي يعيشها البشر اليوم مع فيروس كورونا لا يوجد ما يؤشر لوصول الأمر إلى مقابر جماعية وحرق المتوفين.
وبالنسبة لردود أفعال الناس في الفيلم، مع تزايد مضطرد للوفيات، فقد ترافق وانتشار الذعر وحالة فوضوية، فجرى نهب المتاجر وحُطمت واجهات المحلات، وانعدمت الثقة بالسلطات. وعن مقارنتها بواقع كورونا تقول فيشر إنه "هنا تظهر اللاواقعية الهوليوودية، (في الفيلم)، بانتشار وباء، فنحن نأمل ألا يحصل فوضى تامة مع انتشار كورونا".
بالمجمل، فإن ذهاب الناس نحو الاستعانة بمشاهد معينة، أو استجلاب تنبؤات، لتفسير الظواهر المرتبطة بانتشار مرض معين، وربط ما يجري بنظرية المؤامرة، لا يبدو أن تقدم العلوم وانتشار المعرفة وقوة التقنيات الحديثة ستخفف من نسبة حصوله، خصوصاً حين تهرع إليها وسائل إعلام يفترض أنها تعكس الحقيقة بمهنية، فتخلط مواقف أنظمة حكم ومعادلات سياسية معينة لنشر وتعزيز مكانة "المؤامرة".
وبعيداً عن ظاهرة تحميل دول عربية أو جماعات سياسية مسؤوليّة انتشار الفيروس، وتتوغّل قنوات إعلاميّة في الاستخفاف بالعلوم، فتظهر مقاطع استخفاف بالمرض مبنية على معتقدات دينية كالإيراني الذي لعق مقاماً، أو رفع البعض لقبضاتهم متحدين "كورونا". فيما ذهبت "روسيا اليوم" الروسية الناطقة بالعربية إلى الإتيان بـ"خبير سلاح بيولوجي" في أواخر فبراير/شباط الماضي لتنشر مزيداً من الذعر. ولتأكيد نظرية المؤامرة راح مقدم برنامج "قصارى القول" يستخرج بطريقة درامية ما في قبعة الخبير الروسي، حول دور أميركا في نشر الفيروس، في الصين وإيران بالتحديد. حدث ذلك رغم أن الفيروس كان يتمدد إلى عقر دار أميركا، ويصيب الحلفاء الغربيين، بل والآسيويين. إلى جانب ذلك كشفت لنا "روسيا اليوم" أن "الجينات الروسية" تقاوم العدوى بتناول "الفودكا".
وعدا عن تقليعات استعادة البعض لمشاهد مسلسل سيمبسون الأميركي، وانتشارها بملايين المشاهدات، بما فيها العربية، فثمة استجلاب جديد يتمثل في فيلم "العدوى" Contagion الذي أخرجه ستيفن سودربيرغ في 2011، لتأكيد "المؤامرة". فالفيلم تمحور حول فيروس قاتل ينتشر من آسيا نحو دول العالم وإغراقها في أزمة كبرى.
ولعلّ تحول بعض مدن إيطاليا إلى مناطق أشباح يغذي مخيلة الناس في مقارنة مشاهد فيلم العدوى بمجريات متسارعة في أوروبا، على وقع أزمات مالية ومجتمعية بتأثيرات "كورونا".
وبين محرك "غوغل" بحث الناس عن أجوبة من خلال "تنبؤات" سابقة لانتشار الفيروس. واحتل فيلم "العدوى" مشاهدة واسعة ومكانة متقدمة على قائمتي أمازون وآيتونز.
عن توافق 6 من مشاهد فيلم "العدوى" وفيروس كورونا، استعانت قناة "تي في 2" التلفزيونية الدنماركية بأستاذة "الأمراض المعدية والصحة العالمية"، ومديرة البحوث في مستشفى شمال شيلاند في الدنمارك، تيا كولسن فيشر، التي تذكر أنها تابعت الفيلم أثناء دراستها وتدربها في "مركز السيطرة على الأمراض"، وعايشت بنفسها وباء إيبولا في أنغولا. وفي ذهاب الجمهور اليوم لمقارنة واقع الحجر الصحي وإغلاق مدن بتعقب وكلاء "مركز السيطرة على الأمراض" المصابين في الفيلم، بتحديد عناوينهم ومع من اتصلوا ترى فيشر أنها "أمور طبيعية تعكس ما يجري في الحياة اليومية، والعمل للسيطرة على انتشار أي وباء، وهو ما يجري بالمناسبة في بلدنا الدنمارك".
أما في مقارنة مصدر العدوى في الفيلم وانتشار كورونا، فتذكر فيشر "في الفيلم نشاهد موت 26 مليون إنسان وأن مصدر العدوى هو الخفافيش في هونغ كونغ، حيث تسقط من خفاش قطعة طعام على خنزير يتناولها". وتمضي "صحيح أنه جرى تشخيص مثل هذه الفيروسات في الخفافيش، ونقلت عن طريق حيوان وسيط مضيف للفيروس، وهو ما ثبت في انتشار فيروس سارس في 2003 عن طريق حيوان الزباد، ولكن في حالة كورونا لا أحد يعرف بعد الحيوان الوسيط الذي نقل الفيروس".
وبالنسبة للقاحات تذكر فيشر أنه "في الفيلم يستغرق تطوير لقاح، جُرب على القرود قبل منحه للبشر بعض الوقت، وفي هذه النقطة هناك تشابه مع الواقع. فعملية إيجاد لقاح عملية طويلة، وتتطلب عزل الفيروس وزراعته ومن ثم تحييده، وحين يجد الخبراء لقاحا ستجري تجربته على القرود قبل البشر".
وبالنسبة للعدوى بين البشر في ذات الفيلم، عن طريق اللمس والأسطح التي لمسها المرضى، تقول إن "الفيلم يعطي صورة قريبة من العالم الحقيقي لانتشار كورونا، فعندما نسعل عادة ما نرفع (كف) يدنا إلى مستوى الفم، ومن ثم نلمس مقبض باب أو زر مصعد، وهو ما ينقل جرعة كبيرة من الفيروس، وهي طريقة عدوى حقيقية".
مقابر جماعية تظهرها مشاهد فيلم "العدوى"، حيث يُرفض دفن الموتى بطريقة طبيعية، ويجري بالتالي حرق الجثث أو دفنها في مقابر جماعية. وعن تلك المشاهد ومقارنتها بكورونا، تضيف فيشر أنه "خلال تفشي وباء إيبولا في أنغولا توفي أعداد كبيرة، ولم يكن بالإمكان التعامل مع الموتى بطريقة اعتيادية، فاتخذت تدابير أخرى، وضع فيها المتوفين في أكياس أغلقت بإحكام، لأن أجساد الموتى مصدر عدوى خطير، وجرى إحراق الموتى لتدمير مصدر العدوى". ولكن في الحالة التي يعيشها البشر اليوم مع فيروس كورونا لا يوجد ما يؤشر لوصول الأمر إلى مقابر جماعية وحرق المتوفين.
وبالنسبة لردود أفعال الناس في الفيلم، مع تزايد مضطرد للوفيات، فقد ترافق وانتشار الذعر وحالة فوضوية، فجرى نهب المتاجر وحُطمت واجهات المحلات، وانعدمت الثقة بالسلطات. وعن مقارنتها بواقع كورونا تقول فيشر إنه "هنا تظهر اللاواقعية الهوليوودية، (في الفيلم)، بانتشار وباء، فنحن نأمل ألا يحصل فوضى تامة مع انتشار كورونا".
بالمجمل، فإن ذهاب الناس نحو الاستعانة بمشاهد معينة، أو استجلاب تنبؤات، لتفسير الظواهر المرتبطة بانتشار مرض معين، وربط ما يجري بنظرية المؤامرة، لا يبدو أن تقدم العلوم وانتشار المعرفة وقوة التقنيات الحديثة ستخفف من نسبة حصوله، خصوصاً حين تهرع إليها وسائل إعلام يفترض أنها تعكس الحقيقة بمهنية، فتخلط مواقف أنظمة حكم ومعادلات سياسية معينة لنشر وتعزيز مكانة "المؤامرة".