اتهام الصحافي المغربي توفيق بوعشرين... تناقضات القضية و"مفاجآتها" والانقسامات حولها

26 مارس 2018
يمثل بوعشرين أمام المحكمة الخميس المقبل (العربي الجديد)
+ الخط -
كان كل شيء طبيعياً إلى حين اقتحمت مجموعة من رجال الأمن مقر جريدة "أخبار اليوم" لمديرها الصحافي المغربي المعروف توفيق بوعشرين، فانقلبت الصحيفة رأساً على عقب، وباتت محط أنظار وفضول الرأي العام الوطني الذي يتابع حلقات هذا المسلسل المثير.

وشكّلت الطريقة التي تم بها اعتقال بوعشرين، في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط الماضي من خلال تطويق مقر الجريدة بحوالي عشرين رجل أمن، مثار دهشة وانتقاد الكثيرين الذين اعتبروا أنه لم يكن هناك داعٍ لتلك الطريقة في توقيف صحافي معروف لديه كل الضمانات القانونية والاعتبارية ليمثل أمام التحقيق.

وجرّت طريقة الاعتقال عدة انتقادات من قبل ناشطين حقوقيين ومحامين وسياسيين أيضاً، فمنهم من اعتبر إخراج الاعتقال بتلك الصورة خطوة تعود لسنوات ما قبل انطلاق المسلسل الديمقراطي، بينما أورد آخرون أن طريقة الاعتقال "مؤشر من بين مؤشرات أخرى على استهداف الرأي الحر بكل الوسائل".

ومرّت الساعات طويلة بعد اعتقال بوعشرين، خصوصاً بعد تمديد الاعتقال الاحتياطي بحقه، وتوالت الأخبار والإشاعات من كل حدب وصوب تحاول قراءة خلفيات الاعتقال المفاجئ، مِن قائل إن الأمر يرتبط بثمن كتابات بوعشرين التي توصف بالجريئة، ومِن زاعم بأن الاعتقال ليس له علاقة بالصحافة.

وفيما استند أصحاب الرأي الأول إلى مقالات وافتتاحيات بوعشرين التي تنتقد بشدة مزاوجة بعض الشخصيات النافذة في البلاد بين المال والسلطة، خرج النائب العام ببيان وُصف بالصادم لاحتوائه على لائحة اتهامات خطيرة في حق ناشر "أخبار اليوم"، وعلى رأسها الاتجار بالبشر.


وقالت النيابة العامة إنّ بوعشرين متابَع (ملاحقٌ قضائياً) بتهم "ارتكابه لجنايات الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد، والتهديد بالتشهير، وارتكابه ضد شخصين مجتمعين، وهتك عرض بالعنف والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب"، بحسب بيانٍ لها.

ويلاحق الصحافي المغربي البارز أيضاً وفق لائحة الاتهامات، "بجنح التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء من بينهم امرأة حامل، واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل، وهي الأفعال التي يشتبه أنها ارتكبت في حق 8 ضحايا وقع تصويرهن بواسطة لقطات فيديو يناهز عددها 50 شريطا مسجلا على قرص صلب ومسجل فيديو رقمي".

وأصاب بيان النيابة العامة الكثيرين بالذهول والصدمة بسبب حجم الاتهامات الخطيرة الموجهة إلى الصحافي بوعشرين، قبل أن تظهر مشتكيات مفترضات قدمنَ شكاويهن ضده، ومُصرحات (شاهدات) بسطنَ روايتهن لما كنّ شاهدات عليه في مقر "أخبار اليوم" بالدار البيضاء.

وبعد أن اتضحت الرؤية قليلاً بشأن الاتهامات وهوية المشتكيات، وجميعهن صحافيات أو مستخدمات يشتغلنَ أو كنّ يعملن في جريدة "أخبار اليوم"، بدأت المفاجآت تظهر تباعاً في هذه القضية التي وصفها أحد محامي بوعشرين بـ"خرايف جحا"، أي (حكايات جحا)، بينما وصفها محام آخر بأنها "قضية القرن" على حد تعبيره.

وانطلقت أولى المفاجآت باعتماد المحققين على أشرطة فيديو تظهر وقائع جنسية حميمية داخل مكتب بوعشرين، وهي السلوكات التي ظلّ ينفيها الصحافي بشدة، معتبراً أنها "فيديوهات مفبركة وباطلة لا يمكن التأسيس عليها لتوجيه اتهامات ضده، وبأن الشكاوى تهدف إلى إسكاته وإلجام قلمه".

وثاني المفاجآت التي ظهرت في سير محاكمة بوعشرين التي تأجلت مرتين، وستنعقد جلسة ثالثة يوم الخميس 29 مارس/ آذار الجاري، هي تصريح إحدى المشتكيات في تدوينة على صفحتها بفيسبوك، بأنها "لم تتهم بوعشرين وبأنه لا تربطها به أية علاقة جنسية، وبأنها تجهل كيف تم إقحامها في الملف"، وهو ما اعتبره دفاع بوعشرين مؤشرًا على ما سماه تضخيماً للاتهامات ضد موكله.

وأما المفاجأة الثالثة فكانت عندما وضعت إحدى المعنيات بالملف شكاية ضد ضابط في الشرطة، متهمةً إيّاه بالتزوير في محضر رسمي لأنه حولها من شاهدة إلى شاكية، قبل أن تكشف النيابة العامة من خلال تصوير مسجل اطلاع السيدة على المحضر وموافقتها على مضمونه.


وظهرت مفاجأة رابعة في الطريق قبل الشروع الفعلي في محاكمة بوعشرين، عندما كشفت "أخبار اليوم" أن هناك "مؤامرة سياسية ضد مدير نشرها"، وأن الإمارات العربية المتحدة متورطة فيها، حيث نشرت الجريدة مقالاً بعنوان بوعشرين والإمارات، وأنه تلقى عرضاً يقضي بدخول شريك إماراتي في رأسمال الشركة المصدرة للمجموعة الإعلامية لبوعشرين.

وبحسب المصدر ذاته، وضعت الإمارات بوعشرين على قائمة الممنوعين من الدخول إليها بعد رفضه العرض الإماراتي بلباقة، وأن غضب الإمارات اشتد ضده عندما اتخذ موقفاً محايدًا من الحصار المفروض على قطر من قبلها مع السعودية والبحرين ومصر، وأنّ هذه معطيات بجانب أخرى تؤكد وجود مؤامرة شاركت فيها أطراف مختلفة ضد بوعشرين"، وفق رواية جريدة "أخبار اليوم".

وأمس الأحد، ذكرت مصادر أنّ إحدى المشتكيات قرّرت التنازل عن شكواها ضد بوعشرين خلال جلسة محاكمته الخميس المقبل. وفي حين رفض أحد محامي بوعشرين الكشف عن تفاصيل هذا التنازل، أكد في تصريح مقتضب لـ"العربي الجديد"، أن جلسة المحاكمة يوم الخميس ستعرف كثيراً من المفاجآت، وأن عدداً من التهم ستنهار بمجرد سير المحاكمة بشكل عادي بدون عراقيل".

ويتجه دفاع بوعشرين إلى تعزيز صفوفه بالمحامي الفرنسي المعروف إيمانويل مارسنيي، الذي يؤازر المفكر الإسلامي المعتقل حالياً بفرنسا طارق رمضان، فيما اعتذر المحامي الملقب بالوحش إيريك دوبون موريتي عن المرافعة لأجندته الممتلئة.

وامتنع مصدر من هيئة محامي بوعشرين في اتصال مع "العربي الجديد" عن تأكيد هذا الخبر المتعلق بانضمام المحامي الفرنسي، لكنه فتح الباب أمام جميع المحامين الذين يمكنهم الترافع لمساندة بوعشرين في محنته، وفق تعبيره، قبل أن يؤكد أن هناك محامين مغاربة جددا ما زالوا يلتحقون بهيئة الدفاع.

وتضم هيئة محامي بوعشرين العديد من النقباء الحاليين والسابقين والمحامين الذين يمثلون هيئات المحامين في مختلف مدن المملكة، آخرهم التحاقاً النقيب عبد اللطيف بوعشرين، إذ يعملون في هذه الأيام على تحضير ملف قوي للدفاع عن بوعشرين في جلسة الخميس المقبل، ضد تهم الاتجار بالبشر والاغتصاب التي يتابع من أجلها.

انقسامات حول بوعشرين

وخلال كلّ هذا المسار لمحاكمة تعتبر استثنائيةً لأحد أبرز الأقلام الصحافية بالمغرب، انقسمت المواقف والآراء حيال القضية إلى ثلاثة فرق: الأول أبدى مساندته المطلقة لبوعشرين ومنهم محامون ومحاميات أيضاً وحقوقيون وسياسيون وصحافيون اعتبروا أنه رغم "الطابع الأخلاقي" الذي تبدو فيه المحاكمة إلا أن العمق يتعلق بالرغبة في التخلص من قلم جريء ومشاغب".

والفريق الثاني من المراقبين والمهتمين يتمثل في محامين انبروا للدفاع عن المشتكيات باعتبار أنهن "الحلقة الأضعف" في القضية، وبأن لديهنّ حقوقا أيضاً في مواجهة جرائم التحرش والاغتصاب، بينما فريق ثالث ظل مكتفياً بالحياد إلى أن تتضح الصورة وينمحي الغبش عن ملامح القضية.

وعلى صعيد ذي صلة، اندلعت معارك جانبية بين صحافيين مغاربة يدعمون بوعشرين وأسماء نقابية اختارت أن تؤازر الضحايا المفترضات، حيث هاجمت صحيفة "أخبار اليوم"، النائبة البرلمانية رحاب حنان والقيادية في نقابة الصحافة المغربية، متهمة إياها بلعب دور "حطب جهنم" في قضية معروضة على القضاء، والمتهم فيها بريء إلى أن تثبت إدانته.

وقالت جريدة "أخبار اليوم" في عدد الإثنين إن البرلمانية المعنية عمدت منذ البداية إلى التجييش والترهيب والتخويف بالاتصال بمجموعة من الصحافيين، داخل مؤسسة بوعشرين وخارجها، لدفعهم إلى الابتعاد عن الموضوع"، مستدلة بمراسلات هاتفية بين رحاب وصحافيين بالجريدة.

واعتبرت جريدة بوعشرين أن رحاب حنان عمدت إلى "تبني" المشتكيات وتأطيرهن، بعدما كانت إلى تاريخ قريب تنعت بعضهن بأوصاف أخرى"، متابعة بأن حنان تريد الآن مصادرة حق صحفيات ومستخدمات تعرضن للتشهير والترهيب، بترويج أن "هذا مجرد اختلاق".

وردت حنان رحاب في تدوينة على صفحتها بموقع فيسبوك بأن ما نشرته أخبار اليوم هو "محاولة النيل من سمعتي المهنية والنضالية، في محاولة لدفعي للتراجع عن الموقف المبدئي من قضية بوعشرين، وهو دعم الصحفيات الضحايا انطلاقا من عناوين حقوقية كونية لا مجال فيها للتجزيء والخصوصية"، وفق تعبيرها.

المساهمون