"أكبر مكاسب الثورة التونسية هو الانفتاح الإعلامي الكبير الذي شهدته البلاد، والطفرة الكميّة والنوعية في وسائل الإعلام"، تلك الجملة تتردّد على لسان تونسيين كُثُر، في إطار تقييمهم لأبرز ما خلّفته "ثورة الياسمين". فقبلها، كانت وسائل الإعلام بأغلبها، رسميةً وخاصة، ملكاً للعائلة الحاكمة أو المقربين منها، فالمشهد الإعلامي التونسي كان قبل الثورة يقتصر على تسع محطات إذاعية رسمية وقناتين تلفزيونيتين رسميتين ووكالة أنباء رسمية وصحيفتين رسميتين. أما وسائل الإعلام الخاصة فكانت تتمثل في 5 محطات إذاعية مملوكة لنجلة الرئيس التونسي المخلوع وبعض أصهره وقناتين تلفزيونيتين تدور جميعها في فلك السلطة القائمة آنذاك.
أما بعد نجاح الثورة التونسية، فحدث في المشهد الإعلامي انفجار غير مسبوق ليصبح عدد المحطات الإذاعية بين عمومية (رسمية) وخاصة وجمعياتية يقدر بـ35 محطة إذاعية و12 قناة تلفزيونية. كما عرفت المواقع الإلكترونية تطوراً كمياً ليصل عددها إلى أكثر من 100 موقع إخباري. في مقابل ذلك، عرفت الصحافة الورقية تراجعاً، حيث كان عددها يقدر بحوالي 255 مطبوعة قبل الثورة لتصبح اليوم 50. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية إغلاق عدد من الصحف التي كانت لها نجاحات، بينها صحيفتا "التونسية" و"الصريح" اليوميتان، وصحف "أخبار الجمهورية" و"الأولى التونسية "والضمير" و"الموقف" الأسبوعية، نتيجةً للأزمة المالية التي عرفتها هذه الصحف بسبب تراجع مبيعاتها والإعلانات التجارية إثر الأزمة الاقتصادية التي عرفتها تونس بعد الثورة.
القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية لم تكن هي الأخرى بمنأى عن هذه الأزمة. إذ أُغلقت قنوات "فارست تي في" و"تي أن أن" الإخبارية وقناة "TWT"، كما عرفت إذاعات نفس المصير مثل محطات "أوازيس أف أم" و"الحرية أف أم" و"صراحة أف أم". هذه الإذاعات والقنوات استفادت من مناخ الحرية الذي عرفته تونس ما بعد الثورة والمتمثل خاصة في السماح بإطلاق وسائل إعلام مرئية - مسموعة بمجرد الحصول على الإجازة القانونية من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) وهو الأمر الذي كان مستحيلاً قبل الثورة حين كانت التراخيص تختص بها وزارة الداخلية التونسية دون سواها، مما يجعل من إنشاء مؤسسة إعلامية عملية شبه مستحيل إلا لمن كانوا يحظون برضا السلطة القائمة. لكنّ هذه المؤسسات لم تنجح في إثبات قدرتها على الصمود المالي، خصوصاً أنّ الإذاعات والقنوات تتطلب ميزانيات مالية ضخمة مقارنةً بغيرها من وسائل الإعلام المكتوبة.
اقــرأ أيضاً
تخشى النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من أن تكون لهذه الأزمة انعكاسات مدمرة لحرية الإعلام، من خلال ممارسة الضغوط المالية من قبل الحكومة أو الأحزاب السياسية على وسائل الإعلام المتعثرة مالياً حتى تخدم أجندات خاصة بها، معربةً عن خشيتها من رأس المال الفاسد الذي يمكن أن يستغل الظروف المادية لبعض الصحافيين ولبعض المؤسسات الإعلامية ليتمكن منهم وبالتالي العودة إلى مربع الاستبداد الأول وإن بشكل مختلف. مخاوف تتقاسمها النقابة مع الإعلاميين التونسيين الذين يعاني قسم كبير منهم ظروفاً اقتصادية هشة نتيجة تأخر الأجور في بعض المؤسسات وانعدامها في أخرى، مما يجعل من الوضعية الاقتصادية للصحافيين صعبة للغاية.
الثورة كانت بمثابة التحول التاريخي الذي عرفه الإعلام التونسي، ما جعله صوت الشعب بعد أن كان صوت الحاكم. لكن تبقى هواجس أن يفقد هذا الصوت صداه نتيجة الوضعية الاقتصادية والمالية الصعبة، فمعادلة الحرية والأزمة الاقتصادية هي أكثر ما يؤرق الصحافيين التونسيين في الذكرى التاسعة للثورة.
القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية لم تكن هي الأخرى بمنأى عن هذه الأزمة. إذ أُغلقت قنوات "فارست تي في" و"تي أن أن" الإخبارية وقناة "TWT"، كما عرفت إذاعات نفس المصير مثل محطات "أوازيس أف أم" و"الحرية أف أم" و"صراحة أف أم". هذه الإذاعات والقنوات استفادت من مناخ الحرية الذي عرفته تونس ما بعد الثورة والمتمثل خاصة في السماح بإطلاق وسائل إعلام مرئية - مسموعة بمجرد الحصول على الإجازة القانونية من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) وهو الأمر الذي كان مستحيلاً قبل الثورة حين كانت التراخيص تختص بها وزارة الداخلية التونسية دون سواها، مما يجعل من إنشاء مؤسسة إعلامية عملية شبه مستحيل إلا لمن كانوا يحظون برضا السلطة القائمة. لكنّ هذه المؤسسات لم تنجح في إثبات قدرتها على الصمود المالي، خصوصاً أنّ الإذاعات والقنوات تتطلب ميزانيات مالية ضخمة مقارنةً بغيرها من وسائل الإعلام المكتوبة.
تخشى النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من أن تكون لهذه الأزمة انعكاسات مدمرة لحرية الإعلام، من خلال ممارسة الضغوط المالية من قبل الحكومة أو الأحزاب السياسية على وسائل الإعلام المتعثرة مالياً حتى تخدم أجندات خاصة بها، معربةً عن خشيتها من رأس المال الفاسد الذي يمكن أن يستغل الظروف المادية لبعض الصحافيين ولبعض المؤسسات الإعلامية ليتمكن منهم وبالتالي العودة إلى مربع الاستبداد الأول وإن بشكل مختلف. مخاوف تتقاسمها النقابة مع الإعلاميين التونسيين الذين يعاني قسم كبير منهم ظروفاً اقتصادية هشة نتيجة تأخر الأجور في بعض المؤسسات وانعدامها في أخرى، مما يجعل من الوضعية الاقتصادية للصحافيين صعبة للغاية.
الثورة كانت بمثابة التحول التاريخي الذي عرفه الإعلام التونسي، ما جعله صوت الشعب بعد أن كان صوت الحاكم. لكن تبقى هواجس أن يفقد هذا الصوت صداه نتيجة الوضعية الاقتصادية والمالية الصعبة، فمعادلة الحرية والأزمة الاقتصادية هي أكثر ما يؤرق الصحافيين التونسيين في الذكرى التاسعة للثورة.