مناظرة القروي وسعيّد تشغل التونسيين... والجزائريين أيضاً

12 أكتوبر 2019
تابع المناظرة أكثر من خمسة ملايين مشاهد (ياسين قايدي/الأناضول/Getty)
+ الخط -
شهدت ليلة أمس الجمعة مناظرة غير مسبوقة بين المرشحين، قيس سعيد ونبيل القروي، ختمت الحملة الانتخابية في تونس. المناظرة كانت ناجحة إعلامياً، إذ تابعها أكثر من خمسة ملايين مشاهد، وأنعشت القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية التي نقلتها بموجة غير متوقعة من الإعلانات التجارية، وأعادت الفخر إلى التونسيين بالحدث الذي يعيشونه، وهو ما بدا جلياً في التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد أجمع أغلب المواطنين على أن بلادهم تخطو خطوة جديدة راسخة في مسار الديمقراطية والسلم الأهلي. نقيب التونسيين ناجي البغوري كتب "أفضل ما في المناظرة المصافحة الحارة بين المتنافسين في النهاية# تونس_تتغير".

 وشاركه الرأي الإعلامي غفران الحسايني الذي علق "تونس أقلعت... ولن تعود إلى الوراء. ارتفع سقف سمائنا وحلقت عيوننا عالياً... وسنصنع جناحين".

المدونة المعروفة لينا بن مهني شاركتهما الشعور نفسه: "ما كنّا لنعيش لحظات تاريخية كهذه لولا الثورة، شكرا للشهداء، شكرا للجرحى وشكرا لكلّ من يؤمن بالثورة "، وأضافت "مهما كانت النتيجة ومهما كان قرار الشعب نحن نكتب التاريخ، ونتقدّم على طريق الديمقراطية ولو بخطى متعثرة. لقد تخلصنا من قداسة الرئيس والرؤساء وعقلية الراعي والرعية، وها إنّ المترشّحين للرئاسة يسألون أمام الشعب من قبل صحافيين. تخلّصنا من عقلية الزعيم والمعلّم، نعم المعلّم الذي كان الجميع يهابونه Big Brother (الأخ الأكبر) الذي جعل للحيطان آذانا. اليوم المترشحان للرئاسة كانا يفسران للشعب وجهتي نظريهما، وقبلا بالرجوع للقناة من أجل تقييم أدائهما إذا ما ربحا الانتخابات. نعم الأمور تغيّرت وستتغيّر حتى وإن كنا سنعيش فترات صعبة أخرى. اليوم الشعب هو من يقرّر مصيره".

الباحث والإعلامي علي السياري رأى في المناظرة التلفزيونية حدثاً استثنائياً بكل المقاييس، رغم اعتقاده أن تأثيرها سيكون محدوداً على اختيارات الناخبين. وقد كتب "المناظرة لن تضيف الشيء الكثير رغم أهميتها. أغلب الناخبين حسموا أمرهم عاطفيا ولهم مرشحهم المحدد وغير مستعدين لتغيير قناعاتهم، من الصعب أن تقنع شعوبا عاطفية بتغيير رأيها في اللحظات الأخيرة، ولكن الأهم أننا نسير على الدرب ولا خوف على تونس".

فخر لم يخف خيبة البعض من المترشحين للدور الثاني للانتخابات الرئاسية، إذ بدا نبيل القروي مضطرباً لا يحسن الكلام باللغة العربية رغم ما قدمه من برنامج للفترة المقبلة، على عكس منافسه قيس سعيد الذي بدا واثقاً من نفسه فصيحاً في اللغة العربية، وهو ما علق عليه الإعلامي والشاعر عز الدين بن محمود بالقول "أفكار بلا لغة... ولغة بلا أفكار. ما الحل؟".

وعبّر البروفيسور الجامعي خالد الوغلاني عن خيبته: "مستوى المتناظرين كارثي، الآن يمكن أن أقول للجميع وبأعلى صوتي سأنتخب الورقة البيضاء لأقول تونس لا تستحق هذه المهزلة". وشاركه الرأي المترشح المنهزم في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية ورئيس حركة " تونس إلى الأمام"، عبيد البريكي الذي كتب "بعد متابعة المناظرة أدعو الرفاق في حركة تونس إلى الأمام إلى ممارسة حقهم الانتخابي وإلى الشطب على المرشحين معا". رغم كل ذلك أصرت الإعلامية رشا التونسي "مهما كانت الأحكام على المناظرة. لنا الفخر أنه كانت هناك مناظرة".

تجدر الإشارة إلى أن حزب "حركة النهضة" الفائز في الانتخابات التشريعية التونسية أعلن عن إدانته إقحام اسمه في الأسئلة التي طُرحت على المتناظرين، ليلة الجمعة، معلنا لجوءه إلى القضاء التونسي ضد التلفزيون الرسمي الذي بثّ المناظرة.
وقد جاء في البيان: "عمد الساهرون على إعداد المناظرة بين المترشحين للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، قيس سعيد ونبيل القروي، إلى إقحام اسم (حركة النهضة) والترويج لاتهامات زائفة محل نظر القضاء. تؤكد حركة النهضة إدانتها الشديدة لهذا السلوك المتحامل وغير البريء الذي يخرق مبدأ الحياد والنزاهة والموضوعية". وأكدت "توجهها إلى القضاء لإدانة هذه الممارسات غير المسؤولة". يذكر أنه طرح على المتناظرين سؤال حول الجهاز السري لـ"حركة النهضة"، المتهم بعض أعضائها بضلوعهم في قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013، وهو ما تنفيه الحركة التي طالما أعلنت أن لا علاقة لها بهذه القضية، وأن القضاء التونسي الذي ينظر فيها هو الفصل.

واتهمت الإعلامية، مايا القصوري، "وكالة تونس إفريقيا للأنباء" (الوكالة الرسمية الوحيدة في تونس) بالانحياز إلى قيس سعيد، بعدما نشرت خبراً يتعلق بالتفقدية العامة لوزارة العدل التونسية، جاء فيه أن الإجراءات التي اتخذت ضد القروي "سليمة قانونياً". وردّت "وكالة تونس إفريقيا للأنباء" على القصوري ببيان جاء فيه أن "التحرير لا يخضع لأي أجندة، وأن صحافيي الوكالة يعملون في كنف الاستقلالية والحياد التام، وأنهم يقفون على مسافة واحدة من الجميع، وبعيدون كل البعد عن التجاذبات السياسية، ويحكمون ضمائرهم في كل أعمالهم الصحافية، وبوصلتهم الوحيدة هي المهنية واحترام أخلاقيات المهنة".

وقد لقيت المناظرة التلفزيونية التاريخية اهتماماً بالغاً من الجزائريين الذين تابعوها بشغف ديمقراطي كبير وتعطش لإنجاز تجربة مماثلة. الاهتمام الجزائري البالغ بالمناظرة والانتخابات الرئاسية في تونس لخصها أستاذ العلوم السياسية توفيق بوقاعدة بقوله "الجزائريون أصبحوا توانسة في هذه الليلة".

وعلق الأستاذ يوسف بن يزة: "من السياحة إلى السياسة.. الإحراج التونسي للجزائر يتواصل.. دير (افعل) كيما (مثل) دار جارك ولا (أو) ارحل". وفي السياق نفسه، علق الإعلامي علي جعفر: "الانسداد السياسي والخيبة الانتخابية دفعت الجزائريين إلى الاستئناس بالمشهد التونسي الراقي".

واعتبر الناشطون في الجزائر أن المناظرة نفسها مؤشر نوعي ومشهدي في حرية التعبير واحترام الرأي الآخر، وعلق الإعلامي حاتم غندير: "تونس اليوم كسبت رهان ديمقراطيتها بعد مخاض عسير عمره 9 سنوات، تعرضت فيه لمحاولات إجهاض كثيرة داخلية خارجية. هنيئا تونس".

وأثار تفاعل الجزائريين مع المناظرة تساؤلات البعض في الجزائر عن سبب ودوافع هذا الاهتمام، إذ طرحت الكاتبة سلمى قويدر سؤالاً أحدث جدلاً في صفحتها: "هل التونسيون يتناقشون حول مرشحي انتخاباتنا وحول أوضاعنا السياسية؟ وهو السؤال الذي جعل الكثيرين يعلقون على أن ذلك مرده " الفراغ والحرمان من هذه الخطوة الجريئة".

المساهمون