لماذا غيّرت وسائل الإعلام الأميركي في العراق توجهاتها؟

14 مايو 2020
هل فقدت واشنطن مساحتها السياسية في العراق؟ (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -
يرصد مراقبون وسياسيون عراقيون ما يسمونه تبدلات وتغييرات في طريقة تعاطي الإعلام الأميركي الموجه للعراق من مُدافعٍ عن العملية السياسية التي أسستها واشنطن في البلاد عام 2003 إلى عينِ ناقد ومهاجم لها ولشخوصها، بل وأخيرا لداعم قوي للتظاهرات التي عمت مدن البلاد وتطالب بالتغيير ومحاسبة الأحزاب الحاكمة.
وعرف العراقيون منذ عام 2003 عدداً كبيراً من وسائل الإعلام المحلية الممولة من قبل برامج أميركية تابعة للبنتاغون ووزارة الخارجية وكذلك الكونغرس، عبر ما يعرف بالمنح وتعزيز التجربة الديمقراطية في العراق والحريات، غير تلك المؤسسات الإعلامية الرئيسة المعروفة بهويتها الأميركية الناطقة بالعربية. وتبيَّن هذا الدور خلال العام ونصف العام المنصرم من خلال تناول نفس وسائل الإعلام المدافعة عن العملية السياسية بل والمهاجمة لمعارضيها، وتبني سياسة التغافل عن كل سلبياتها، إلى منابر شرسة للمهاجمة وكشف ملفات الفساد المالي والانتهاكات الحقوقية الحاصلة في البلاد، وهو ما دفع بالسلطات العراقية إلى إغلاق عدد من مكاتب تلك المؤسسات في بغداد والمحافظات، وأبرزها قناة "الحرة عراق" التي تأسست عام 2004، كمحطة دعم نظام ما بعد صدام حسين، يضاف إليها راديو "سوا" وقنوات ومواقع إلكترونية أخرى.
ويعتبر سياسيون عراقيون ومراقبون أنّ التبدل الحاصل هو تأكيد على تبدل السياسية الأميركية في تعاطيها مع العراق، ويمكن اعتبار ذلك توجيه عام لوسائل الإعلام الموجهة للعراق والتي تستهلك سنويا موازنات ضخمة. ويقول الناشط السياسي العراقي، يسار عبد اللطيف، إن "الإعلام الأميركي كان شريكاً بترسيخ السياسيين الحاليين وتجذيرهم في حكم البلاد"، معتبرا أن التغيير بالمواقف كان متبادلا حيث بدأ أولا من قبل القوى السياسية في العراق التي اختارت التوجه إلى الجارة الشرقية (يقصد إيران) وتعاظم العلاقة بين بغداد وطهران إلى الحد الذي باتت فيه الأخيرة مرتعاً للسياسة الإيرانية وملعباً لها في مواجهة المنطقة". ويضيف في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "واشنطن فقدت غالبية المساحة التي كانت متوفرة لديها في العراق، وهو ما دفعها لتبني الخطاب الجديد، المناهض للنظام والذي يكشف فساده ويدعم الحركات المعارضة له سواء كانت السياسية أو الشعبية والجماهيرية".
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، علّقت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية رخصة عمل مكاتب قناة "الحرة" في العراق لمدة ثلاثة أشهر على خلفية بث القناة تقريراً تحدث عن الفساد في المؤسستين الدينية الشيعية والسنية في البلاد، المعروفتين بالوقف السني والوقف الشيعي، فيما طالبت الهيئة "ببث اعتذار رسمي من مكتب إدارة القناة لما سببه البرنامج من ازدراء وإساءة لرموز وشخصيات المؤسسات الدينية والتي أضرت بسمعتها ومكانتها في نفوس الشعب العراقي". وهو الأمر الذي رحبت به بعض القوى السياسية ومنها تحالف "الفتح" الذي يمثل فصائل الحشد الشعبي في البرلمان العراقي، الذي اعتبر أن "الحرة باتت تمثل محطة لتزييف الحقائق وتعتمد أسلوب المبالغة في المواد الصحافية"، إضافة إلى شخصيات تعمل في الوقف السني، إلا أن إدارة "الحرة" رفضت الاعتذار، وعدت تقريرها حقيقياً لكشف الجرائم التي تجري في الدوائر الحكومية.

لكن في المقابل اعتبر عضو البرلمان العراقي، باسم خشان الإعلام الأميركي الموجه للعراق بأنه يعمل كمراقب بالوقت الحالي، موضحا في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "الإعلام الأميركي حاله كحال الكثير من المحطات العراقية، يعمل على مساندة الرأي العام وليس الحكومات والأنظمة، ويعمل حالياً بصفة مراقب، لذلك نجد الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة تهاجم دائماً الإعلام الذي يكشف الفساد ويتحرى عن كواليس بعض الجرائم التي تحدث باسم القانون والدولة".
من جهته، يشير الباحث بالشأن العراقي علي الحياني، إلى أن "دعم الإعلام الأميركي للاحتجاجات وكشف الفساد في العراق مرتبط بالسياسة الأميركية الجديدة المناهضة لتوغل إيران والفصائل والأحزاب التابعة لها بالبلاد، مع العلم أن هذا الإعلام لم يقترب لبعض الجهات السياسية في العراق بالرغم من كونها متهمة بالفساد هي الأخرى".
ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قناة الحرة الأميركية على سبيل المثال كانت من أشد الداعمين للنظام العراقي من عام 2003 وحتى 2014، في تقاريرها وبرامجها حتى وصلت إلى مرحلة أنها باتت تنافس الإعلام الحكومي من حيث الولاء للدولة، لكن السياسة الجديدة للولايات المتحدة بعد وصول الرئيس ترامب تغيرت وبالتالي تغير فريق العمل بالمحطة".
أما السياسي المستقل وائل الحازم، فيُبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "الإعلام الأميركي لا يمثل بالضرورة وجهة نظر الرئيس دونالد ترامب، ولكن ما يحدث من تبدل في توجه هذا الإعلام الموجه للعراق، أن واشنطن شعرت بأنها عالجت خطأ احتلال العراق بخطأ تسليمه إلى جهات سياسية تعمل لمصلحة إيران، وقد اكتشفت ذلك بعد انسحاب القوات الأجنبية عام 2011"، ويشير إلى أن "مؤسسات الإعلام الأميركي باشرت في البداية انتقاد شخصيات عراقية ثم الهجوم عليها، ومع عودة القوات الأميركية ضمن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" وجدت فصائل توالي إيران وتعمل بالضد منها، وبالتطور بات لهذه الفصائل المسلحة أجنحة سياسية، وهو ما دفع الإعلام الأميركي إلى مهاجمة وفضح العملية السياسية في العراق القريبة من إيران".
إلى ذلك، يعتبر أستاذ الإعلام في كلية "دجلة" ببغداد أنمار محمود، أن "فضائية الحرة وغيرها من وسائل الإعلام الأميركية في البلاد تحظى بمتابعة عالية وبارزة بالنسبة للعراقيين وذلك لأنها تمثل الإعلام الأجنبي الأقرب إلى المحلي، إضافة إلى استخدامها الملفات المهمة في البلاد فيما تستقبل جميع الآراء، ولا يعني أنها حيادية لكنها أقرب إلى الحيادية بالنسبة لكثيرٍ من العراقيين من مؤسسات الإعلام المملوكة للأحزاب العراقية"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "تبدل مواقع الإعلام الأميركي لا يختلف عن تبدل مواقف بعض المؤسسات الخليجية التي كانت تقف إلى جانب الشعب العراقي لمواجهة السلطة إلى أن أصبحت حالياً داعمة لها".
المساهمون