الصحافيون العراقيون... الموت أو الهجرة

13 نوفمبر 2016
العمل اليومي للصحافيين العراقيين محفوف بخطر الموت (الأناضول)
+ الخط -
يواجه الصحافيون في العراق خيارين لا ثالث لهما: الأول يبعدهم عن الوطن والأهل فضلاً عن فقدانهم أعمالهم والثاني فقدانهم حياتهم، فهم باختصار بين الموت أو الفرار في ظل التهديدات التي لم تتوقف منذ عام 2003 وحتى اللحظة لمنعهم من كشف ملفات الفساد التي تغرق البلاد.
وما بين الموت أو الفرار رحلة طويلة وقاسية من المعاناة والمخاطر الجمة التي يواجهونها خلال تغطيتهم للأحداث الأمنية التي تجتاح البلاد طولاً وعرضاً، هذا غير الاعتداءات والإصابات التي يتعرضون لها على يد قوات الأمن أو العصابات والمليشيات المسلحة.
وكشف تقرير أصدره مرصد الحريات الصحافية منتصف 2016 مع تصاعد العمليات العسكرية والانفلات الأمني، أن الصحافيين العراقيين يتعرضون لمخاطر كبيرة أبرزها القتل والخطف والتهديد.

وذكر التقرير أنّ 4477 حالة انتهاك بحق الصحافيين تم توثيقها من قبل المرصد للفترة ما بين منتصف 2015 ومنتصف 2016 فيما قتل 10 صحافيين عراقيين خلال هذه الفترة خلال تغطيتهم لأحداث أمنية في مختلف مناطق البلاد. وأضاف التقرير أن "عام 2016 وثق خلاله مقتل نحو 10 صحافيين و87 حالة اعتداء من قبل أجهزة الأمن و98 حالة تضييق ومنع من التغطية و32 حالة ضرب واعتداء و23 حالة ملاحقة قضائية و4 حالات إغلاق ومصادرة معدات وأجهزة تصوير".
وأحصى التقرير عدد الصحافيين الذين قتلوا في العراق منذ عام 2003 فبلغ "296 صحافياً عراقياً وأجنبياً قتلوا خلال تغطيتهم لأحداث مختلفة في البلاد"، بينما كان نقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي كشف في تصريح سابق أنه لا يوجد أي صحافي سجين أو معتقل على خلفية قضية رأي.

الصحافي سامر العزاوي غادر البلاد مع أسرته بعد تلقيه تهديدات بالقتل إثر نشره تقريراً حول
ملفات الفساد المتعلقة بصفقات الأسلحة. ويشرح لـ"العربي الجديد" في اتصال هاتفي: "كان علي أن أهرب بأسرتي من البلاد بعد تعرضي للتهديد بالقتل وفعلاً تمكنت بصعوبة بالغة من الهرب خارج العراق وتركت عملي الصحافي للحفاظ على أسرتي".

ولا يختلف حال العزاوي عن حال زميله الصحافي محسن العربي الذي تعرض للضرب المبرح على يد الأجهزة الأمنية ثم التهديد بالقتل. ويوضح العربي لـ"العربي الجديد" "تعرضت للضرب المبرح وأصبت بجروح بالغة خلال تغطيتي للمظاهرات التي خرجت في البلاد لكن وصل الأمر إلى تهديدي بالقتل بعد أن قمت بإعداد تقرير تلفزيوني عن ملفات الفساد وكشفت تورط كبار السياسيين فيها". ويضيف العربي "أصبحت في موقف خطير للغاية فاضطررت لأخذ أسرتي والهرب من العراق حفاظاً على سلامتي وسلامة أسرتي".

وأصدرت مليشيات الحشد الشعبي في وقت سابق لوائح ضمت عدداً كبيراً من الصحافيين المطلوبين لها هددتهم بالقتل والتصفية لا يتمكنون من دخول المناطق التي تسيطر عليها الحكومة العراقية مطلقاً.

واختفى العمل الصحافي في مناطق الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك مع سيطرة تنظيم "داعش" على تلك المناطق منتصف 2014 وتزايد المخاطر على الصحافيين بشكل غير مسبوق ما دفع الكثير منهم للمغادرة أو الهجرة.

ولا تقتصر المخاطر التي يتعرض لها الصحافيون على المؤسسات الأمنية أو العصابات والمليشيات المسلحة بل يشمل المؤسسات المحلية التي يعملون بها والتي طردت بعضهم لكشفهم ملفات فساد كبيرة. وهو ما حصل مع الصحافي منتظر ناصر الذي طردته إحدى المؤسسات الإعلامية العراقية المحلية بعد مشاركته في تحقيق استقصائي لكشف ملفات فساد ضمن ما عرف حينها بـ"أوراق بنما".

فيما يتعرض المراسلون التلفزيونيون للتهديد المستمر لكشفهم ملفات فساد تتعلق بصفقات أسلحة أو صفقات أخرى أهدرت المال العام كحال الصحافي هادي العنبكي الذي تعرض للتهديد بالقتل إثر كشفه لملفات فساد واختلاس قامت بها إحدى الشركات في ديالى.
اذاً في خضم هذه التهديدات والانفلات الأمني لم يبق أمام الصحافيين العراقيين سوى الهجرة أو البقاء بانتظار الموت على يد العصابات أو المليشيات المسلحة دون أن توفر لهم الدولة أي حماية تذكر.

فيما بقي الجدل يلف قانون حماية الصحافيين الذي لم يصدر منذ سنوات بين شد وجذب في أروقة البرلمان العراقي لكن الخيار الأخير للصحافيين أصبح الهجرة من البلاد كما فعل كثيرون منهم للحفاظ على أمنهم وأمن أسرهم والنجاة من الموت والخطف. ومع سيطرة تنظيم "داعش" ومليشيات "الحشد" على مساحات واسعة من البلاد ارتفعت نسبة الخطورة بالنسبة للصحافيين المحايدين في نقل الأحداث الجارية.
ووصل الأمر بالصحافيين العراقيين إلى استخدام الأسماء المستعارة وخاصة العاملين منهم في الصحف أو وكالات الأنباء غير أن الخطورة تبقى قائمة وخاصة تجاه المراسلين التلفزيونيين أو الصحافيين المعروفين.


المساهمون