تونس في مربع الاستبداد الأول... منع التصريح للإعلام

31 يناير 2017
يُعرقل القرار عمل الصحافيين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

فاجأت الحكومة التونسية الرأي العام، خاصة الصحافيين، بإصدارها منشوراً في نهاية الأسبوع الماضي، طلبت فيه من الموظفين والمسؤولين، على مختلف مستوياتهم، عدم التصريح لوسائل الإعلام أو مدّها بوثائق خاصة بعملهم، إلا بإذن مسبق من رؤسائهم المباشرين.

وأثار القرار الحكومي ردود فعل غاضبة، فاعتبره كثيرون خطوة نحو التضييق على حرية الإعلام وضرب قانون حق النفاذ إلى المعلومة الذي أقرّ في تونس في مايو/أيار 2016. ويضمن القانون المذكور حقّ كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومات الخاصة بالهياكل العامة، بهدف تعزيز مبدأي الشفافية والمساءلة في القطاع العام.

وفي هذا السياق، اعتبر عضو المكتب التنفيذي للنقابة العامة للإعلام، محمد الهادي الطرشوني، في تصريحٍ لـ"العربي الجديد" أن "القرار يعدّ تراجعاً عن المكاسب التي حققها الإعلام التونسي في مجال الحريات، خاصة إذا أسيء تطبيقه وتأويله من قبل المسؤولين في الإدارات التونسية".

وشاركه الرأي نفسه الإعلامي التونسي، محمد رمزي المنصوري، والذي رأى أنه في حال كان الهدف من هذا القرار الحدّ من حالة الفوضى والانفلات في القطاع الإعلامي التونسي لكنه قد يؤدي إلى التضييق على عمل الصحافيين المطالبين بكشف الحقائق وتنوير الرأي العام في المسائل التي تعنيه، في تصريحه لـ"العربي الجديد".

من جهتها، اعتبرت "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" القرار، بصيغته الحالية، يعرقل عمل الصحافيين في الحصول على المعلومات الضرورية المتعلقة بتسيير الهياكل العامة، ويحدّ من حق المواطنين في الإعلام والنفاذ إلى المعلومة.

وأشارت النقابة إلى تفهمها سعي الحكومة لتنظيم عمل خلايا الإعلام والاتصال الراجعة لها بالنظر، إلا أن هذا التنظيم يجب أن يكون في اتجاه تسهيل عمل الصحافيين، خاصة حقهم في النفاذ السهل إلى المعلومات، واحترام المكاسب التي حققتها تونس في هذا المجال منذ الثورة التونسية.

كذلك دعت "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" رئاسة الحكومة إلى تقديم التوضيحات الضرورية حول الغموض الوارد في بعض نقاط القرار، وطالبتها بمراجعة النقطة الأولى منه بما يتلاءم مع النصوص القانونية سارية المفعول والدستور التونسي الجديد.

وفي سياق متصل، اعتبر رئيس "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، النوري اللجمي، أن القرار الصادر عن رئاسة الحكومة التونسية تضييق على الحريات، مشيراً إلى مخالفة ما ورد فيه للدستور التونسي والمعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية، وخصوصاً "المادة 19" منها، والتي تنصّ على الحق في حرية التعبير لكلّ الأفراد.

وشدّد اللجمي على أن الحق في حرية التعبير يعدّ من الثوابت الأساسية لكلّ الديمقراطيات، معبّراً عن تخوفه من أن يتحول قرار رئاسة الحكومة التونسية حول طلب الإذن المسبق قبل التصريح لوسائل الإعلام أو مدّ الإعلاميين بوثائق رسمية، طريقة لمضايقة كل من يريد أن يتمتع بحريته، خاصة في ظلّ "حالة الضبابية" التي اتسم بها القرار المذكور، ما يجعله قابلاً للتأويل، وفقاً لأهواء كل طرف.

كذلك عبّر الصحافيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن خشيتهم من القرار، معتبرين إياه "سيفاً مسلطاً على رقابهم"، كما رأوا فيه نوعاً من الحصانة لبعض المسؤولين الذين يرفضون بطبعهم التعامل مع وسائل الإعلام التونسية، مطالبين الحكومة التونسية بمراجعته ورفع أي لبس فيه، قد يستعمل لضرب حرية الإعلام في تونس والعودة إلى مربع الاستبداد الأول.

المساهمون