حرية الفكر والتعبير: انتهاكات دستورية "فجة" بمصر ولائحة جزاءات إعلامية "مقوّضة"

07 مايو 2019
انتهاكات دستورية رصدتها المؤسسة (أحمد حسن/فرانس برس)
+ الخط -
أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية) تقريرها ربع السنوي عن حرية الفكر والتعبير في مصر خلال الثلاثة أشهر الأولى في 2019، من أجل الوقوف على التطورات التي لحقت بممارسات السلطات المصرية على مستوى قضايا حرية التعبير.

وقدمت المؤسسة قراءة في حالة حرية التعبير للربع الأول من العام 2019، بدءاً بالتعديلات الدستورية التي طاولت 12 مادة وثماني مواد إضافية في دستور 2014 المصري. وحسب التقرير، فإنه رغم الشرط الدستوري في دستور 2014 أنه "وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، والمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات"، ورغم الجدل الدستوري والتشريعي الذي أثير حول دستورية تعديل المواد المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، فإن البرلمان أقرّ مبدأ التعديل، الذي رأته مؤسسة حرية الفكر والتعبير "خرْقًا سافرًا للدستور الذي حظي بقبول الأغلبية الساحقة من المشاركين بالاستفتاء عليه في 2014، بحسب التقديرات الرسمية، وليًّا متعمدًا لذراع النص الدستوري من أجل السماح للرئيس السيسي بشخصه في الاستمرار في السلطة حتى 2034 وربما يستعيد المنصب بعد أن يحل محله رئيس آخر لدورة رئاسية واحدة".

كما انتقد التقرير "الانتقاص من استقلال السلطة القضائية، وأبدت المؤسسة تخوفها الشديد من التغوُّل الواسع الذي يمارسه رأس السلطة التنفيذية في السنوات القليلة الماضية بحق استقلال السلطة القضائية، بما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، ويجعل السلطات أكثر تركيزًا في يد رئيس الجمهورية".

ومن أبرز انتقادات التعديلات الدستورية أيضًا كما ورد في التقرير أن أصبحت "القوات المسلحة وصيًّا على الديمقراطية بقوة الدستور، إذ شملت التعديلات المقترحة، ثلاث مواد متعلقة بتنظيم دور واختصاصات القوات المسلحة، وهي المواد (200، 204، 234).

ورصد التقرير انتهاكات متعددة رافقت عملية تعديل الدستور ارتكبتها جهات أمنية ونقابية، بحق مواطنين مصريين مارسوا حقهم الدستوري في انتقاد التعديلات الدستورية المقترحة أو الاعتراض عليها بأي وسيلة علانية، حتى لو كانت منشورات شخصية على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي. في محاولة من السلطات المصرية لتمرير التعديلات دون معارضة تذكر، وهو ما أكدته حالة التعبئة والاصطفاف الفجّة للوسائل الإعلامية والصحافية الرسمية والخاصة ترويجًا للتعديلات ودورها في تحقيق الاستقرار ومصالح الوطن والمجتمع. وإعطاء الفرصة لرأي واحد، مؤيد للتعديلات الدستورية، على حساب تجاهل وإقصاء أصحاب الأصوات المعارضة.


وتناول الفصل الثاني من التقرير لائحة جزاءات الأعلى للإعلام، التي صدرت في 18 مارس/آذار 2019، وتضمنت الجزاءات التي يجوز للمجلس توقيعها على المؤسسات الصحافية أو الإعلامية، في حال ارتكابها المخالفات المذكورة باللائحة، توقيع غرامة مالية قدرها 5 ملايين جنيه، وحجب المادة أو الوسيلة بشكل مؤقت أو دائم، بالإضافة إلى سلطة المجلس الأعلى في إلغاء ترخيص الوسيلة الصحافية أو الإعلامية بشكل نهائي.

ومن أبرز الملاحظات على لائحة الجزاءات، أنها شهدت توسُّعًا مُبالغًا فيه على مستوى سلطات المجلس في توقيع عقوبة الغرامة على الوسائل والمؤسسات الصحافية أو الإعلامية. تصل الغرامة في أغلب مواد القانون إلى ربع مليون جنيه. وافتقدت اللائحة بشكل عام في أغلب موادها مبدأ التناسب بين المخالفات المرتكبة والعقوبات المقررة عليها. وعجَّت اللائحة بالمصطلحات والألفاظ غير الواضحة والفضفاضة، التي تحتمل تدخُّل الهوى الشخصي والسياسي في تفسيرها. وأعطت لائحة الجزاءات رئيس المجلس الأعلى سلطة استثنائية في توقيع العقوبات على المخالفين، دون أن تحددها بضوابط محكمة.

أما في القسم الخاص بعرض وتحليل أنماط انتهاكات حرية التعبير، فقد رصد فيه فريق عمل المؤسسة خلال الفترة من 11 ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى 26 مارس/آذار 2019، 9 وقائع انتهاكات بحق الصحافيين والإعلاميين شملت 17 انتهاكًا متعددًا، ما بين: إلقاء القبض على صحافيين، منْع برامج أو وقف بثها، منع صحافيين من التغطية والاعتداء البدني على آخرين. بالإضافة إلى أحكام بالحبس بحق صحافيين وإعلاميين. وحسب التقرير "وبالرغم من تراجع أعداد الانتهاكات خلال الشهور الأخيرة فإن ذلك لا يُعبر مطلقًا عن تغيُّر سياسي ما في تعامل السلطات المصرية مع الصحافيين، بقدر ما يُعبِّر عن الواقع الذي آلت إليه أوضاع حرية الصحافة والإعلام في ظل سيطرة الدولة على الكثير من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى حالة القمع التي تعرض لها الصحافيون خلال الفترات السابقة".


وفي ما يتعلق بالحقوق الرقمية، ذكر التقرير أن الحدث الأبرز في الربع الأول من عام 2019، هو حادثة قطار رمسيس، وعلى خلفية الحادثة ظهرت دعوات إلى التظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وألقت قوات الأمن القبض على أكثر من مائة شخص من محافظات مختلفة، بعضهم من الشوارع والمقاهي بوسط المدينة بالقاهرة. وذلك للاشتباه في تظاهرهم يوم 1 مارس/آذار الماضي، وآخرين من منازلهم بسبب صفيرهم. أغلب من ألقي القبض عليهم وُجِّهت إليهم اتهامات متشابهة وإن اختلفت أرقام القضايا. ومنذ بداية العام، رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، حبس 126 مواطنًا مصريًّا في 5 وقائع مختلفة، من 6 محافظات مختلفة.

أما عن آخر تطورات حجب المواقع، فحسب التقرير، شهد الربع الأول من العام 2019 استخدام المجلس الأعلى للإعلام (للمرة الأولى) سلطته في حجب المواقع الإلكترونية، والتي نصَّ عليها قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام رقم 180 لسنة 2018. كما شهد نفس الربع، أول تطبيق للائحة جزاءات المجلس الصادرة لاحقًا في مارس/آذار من هذا العام. حيث تعرَّضت 6 مواقع للحجب، ليرتفع عدد المواقع التي تعرضت للحجب إلى 512 موقعًا، منذ بداية استخدام السلطات المصرية لممارسة الحجب في مايو/أيار 2017.

وعن حرية الإبداع، أكد التقرير "تنوّعت الانتهاكات بحق حرية الإبداع والتعبير الفني والمشتغلين بمجالاتها في الربع الأول من عام 2019، ما بين إيقاف عن العمل، إلغاء عضوية بالنقابة، وحكم بالحبس من القضاء العسكري. حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير انتهاك حقوق ثمانية مبدعين في 6 وقائع مختلفة خلال الشهور الثلاثة الماضية".

المساهمون