مصرية "تيران وصنافير".. في مواجهة الفاشية العسكرية

16 يونيو 2017
(أمام السفارة الأميركية في أنقرة، تصوير: آدم ألتان)
+ الخط -

قبل ساعة من موعد إفطار المسلمين أمس، بتوقيت القاهرة، رنّ هاتفي دون أن يُعلن عن هوية المتصل، حتى جاء صوت متقطع ينتحب ببكاء مكتوم، يقول لي في كلمات مقتضبة، تحمل همًا وقلة حيلة: "الدكتور .. قبض عليه"، في لحظات قليلة كنت أحاول فضّ حجم المشاعر الكثيرة المختلطة في تلك اللحظة المكّثفة، عندما تطاول عصا الأمن الغليظة والمجنونة، أحد أقرب الأصدقاء إليك، بينما تقف في المنتصف بين صوت زوجته التي تستغيث على الهاتف، وتنصت في الآن نفسه بين عدة أصوات تستطيع التمييز بينها بوضوح، لأطفاله وهمهمات الأسرة الذين تجمعوا على عجل.

لم يكن ثمة جديد فيما سمعته وعايشته مرارًا مع أصدقاء وأقارب ورفاق، جمعتنا بهم مواقف كثيرة داخل الثورة وميادين الحريّة، ست سيارات ضخمة للأمن المركزي، والتي تكفي الواحدة منها، العشرات ممن يُزجّ بهم في صندوقها الحديدي الضخم، بنوافذه المغطاة بأسلاك حديدية يتسلل منها الهواء والشمس بصعوبة، فضلًا عن قوّة من قسم الشرطة، عدد أفرادهم نحو ثمانية في زيّ مدني، اقتحموا الشقّة وقاموا بتفتيشها بطريقة عشوائية، بقصد إثارة الفوضى والذعر، في زوجين وطفلين لا يتجاوز عمرهما عشرة أعوام، وكالعادة، لم يكشف أحدهم عن أوراق رسمية تثبت سلامة ما يقومون به من إجراءات بشكل قانوني، سواءً الخاصة باقتحام الشقّة ودخولها وتفتيشها وكذلك القبض على الشخص المطلوب.

ليس ذلك الفصل الأخير في الحملة الأمنية المشدّدة، والتي بدأت بالتزامن مع إعلان مجلس الشعب موافقته على اتفاقية إعادة تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تقضي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وسط رفض شعبي واسع، بين عدّة أطراف سياسية وبرلمانية وثقافية ونخبوية، لم تكف عن التصعيد والتحضير لاعتصامات ومظاهرات احتجاجية، ضدّ تمرير الاتفاقية التي جرى الموافقة عليها بالمخالفة لحكم قضائي صادر بحقها، يثبت مصرية الجزيرتين وفشل الحكومة في تقديم وثائق تؤكّد خلاف ذلك، فضلًا عن عدم دستورية الاتفاقية ذاتها التي لا تمنح الحقّ سواءً إلى رئيس الحكومة أو الجمهورية، بتوقيع مثل هذه الاتفاقيات، والتي بموجبها يجري التنازل عن مساحة من الأرض، تعرّض أمنها القومي والاستراتيجي للخطر، في ظل آراء قانونية ودستورية ترى في ذلك خيانة للدولة، ما يعرّض أطرافها لأحكام العقوبة بالإعدام وفق ما يقرّره القانون المصري.

فإن زوّار الفجر الجدد ألقوا القبض على محمد حكيم عضو حزب العيش والحرية بالفيوم، وإسلام مرعي عضو المصري الديمقراطي، ومحمد اللبودي بالشرقية، ومحمد عبد الرحمن الشهير بـ "نوبي".

كذلك اقتحموا منزل المحامي محمد رمضان في الإسكندرية، ولكنّه لم يكن موجودًا، كما قاموا باقتحام منازل محمد ريغو وحسام السعدني أعضاء تيار الكرامة، ولكن لم يتم القبض عليهما لعدم وجودهما بمنزليهما. 

واقتحمت قوّات الأمن بمركز شرطة مدينة الرياض، بمحافظة كفر الشيخ منزل الدكتور سامح حسنين القيادي وعضو الهيئة العليا لحزب تيّار الكرامة ولم تجده في المنزل.

ومن جانبه أعلن حزب الدستور، إنه تم إلقاء القبض على عضوين بالحزب هما محمود عاطف الملواني بطنطا، وأسامة سانتوس بالإسماعيلية من الشارع. كذلك اقتحم الأمن منزل عضو التيّار الشعبي بحلوان خالد محمود، ولكن لم تنجح بالقبض عليه لعدم وجوده في المنزل.

وفي بور سعيد جرى اعتقال محمود نجيب عضو 6 أبريل وإسراء فهيد، أما في الأقصر فقد تم اعتقال علاء عبد الهادي وإسلام طارق وأحمد حجازي من منازلهم، كما قاموا بالاستيلاء على أجهزة الكمبيوتر الخاصّة به، ويظل القاسم المشترك بين كل هذه الحوادث هي إنكار أقسام الشرطة في كل المحافظات المنتسب لها المقبوض عليهم عن وجودهم لديها.

وحتى الساعة السابعة صباحًا لم تنته الحملة بعد، ففي القاهرة ألقي القبض على عضو تيار الكرامة تيسير كمال من منزله. كما تم القبض على وفِي محمد الشواف عضو سابق في حركة 6 أبريل واحتجازه بقسم فايد.

ومنذ أمس وحتى صباح اليوم، لا تزال الأجهزة الأمنية في كافة محافظات مصر وأقاليمها، تطوف بيوت الناشطين السياسيين وشباب الأحزاب والحركات ومنظّمات المجتمع المدني، سواءً كانوا من المنتمين عضويًا في أحد هذه التنظيمات السياسية والحقوقية، أو ممن لهم تأثير على صفحات ومنصّات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المعروفين أمنيًا ولهم ملفات سابقة يجري القبض عليهم بطريقة عشوائية وهمجية.

وتأتي هذه الحملة بالتزامن مع الحملات الداعية اليوم للتظاهر بميدان التحرير ضدّ التنازل عن الجزيرتين حيث دعت الأحزاب السياسية والقوى الوطنية والحركات الشبابية والشخصيات العامة المؤسّسة والمشاركة في حملة الدفاع عن الأرض "مصر مش للبيع"، جماهير الشعب المصري للتعبير عن رفضها لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بكافة السبل الدستورية والسلمية، بما في ذلك التظاهر السلمي اليوم الجمعة في مختلف محافظات مصر.

وأكدت الحملة، في بيان أصدرته، تمسّكها بالرفض الكامل لما وصفته بـ "عار التفريط في جزيرتي تيران وصنافير"، برغم كل الحصار والتضييق وحملات الاعتقال والترهيب، مشدّدة على عدم اعترافها بالاتفاقية التي وقعتها الحكومة المصرية في نيسان/ أبريل 2016، ومرّرها مجلس النواب في حزيران/ يونيو 2017، ضاربين بعرض الحائط نصوص الدستور وأحكام القضاء النهائية واجبة النفاذ وإرادة الشعب المصري وتاريخه، ومتجاهلين جميع السلطات القضائية والمحكمة الدستورية العليا والدعاوى المنظورة أمامها، والتي تطالب بالالتزام بأحكام القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا، وذلك في محاولة لفرض أمر واقع يقضي بتمرير الاتفاقية وتصديق رئيس الجمهورية عليها قبل فصل المحكمة الدستورية العليا.

وأكدت حملة الدفاع عن الأرض، في البيان، عدم الاعتراف بشرعية مجلس النّواب الحالي، والذي أسقط بما قام به أية شرعية سياسية أو دستورية له، مشيرة إلى أنها تدعم كل الجهود السياسية والقانونية الساعية للدعوة إلى حلّ البرلمان الحالي، ومطالبة كافّة النوّاب المحترمين الذين تصدّوا لمحاولات مناقشة وتمرير الاتفاقية، وأعلنوا رفضهم لها، بتقديم استقالتهم فورًا من هذا المجلس.

كذلك حمّلت رئيس الجمهورية المسؤولية الكاملة عن الوضع الراهن، وما وصل إليه، في ما يتعلّق بهذه الاتفاقية المشؤومة على وجه الخصوص. ونشر حزب التحالف الشعبي قائمة بـ64 شابََا، اعتقلتهم قوّات الأمن على خلفية الحملة المسعورة ضد رافضي التنازل عن تيران وصنافير.

وشملت القائمة أسماء أعضاء في أحزاب الدستور، وتيّار الكرامة، بالإضافة إلى آخرين اعتقلوا من أمام مقر حزب الكرامة في الإسكندرية قبل فعالية سلسلة بشرية صامتة ضد تمرير اتفاقية تيران وصنافير.

من جهة أخرى، ارتفعت أعداد الموقعين على بيان السينمائيين الرافضين للموافقة على اتفاقية "تيران وصنافير"، إلى 230 توقيعًا، مؤكدين رفضهم لكل الإجراءات التي جاءت بشأن التنازل عن الجزر. وأكد الموقعون على البيان، عدم اعتدادهم بالإجراءات الخاصّة بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، بعد إعلان مجلس النواب موافقته على الاتفاقية ونقل ملكية الجزر من مصر إلى السعودية.

المساهمون