إنها بيروت التي يقصفها الطيران الإسرائيلي منذ أيام. بيروت من بعيد تحديداً حيث مناطق ضاحيتها الجنوبية التي نزح منها آلاف، والتي تُستهدف يومياً مع اقتراب منتصف الليل غالباً، وحتى الساعات الأولى من الصباح.
بيروت من بعيد هي مكان يتصاعد منه دخان قد يرتفع عالياً جداً ويمتد ساعات طويلة ويتنشق رائحته سكان العاصمة، ويكون لونه أسود أو رمادياً، بحسب أنواع القذائف والقنابل والصواريخ الملقاة والأضرار التي ألحقتها بالأهداف.
بالطبع تتأثر حياة اللبنانيين في كل مكان بصور دخان ضاحية بيروت، فالرعب على مسافة قريبة بالكيلومترات والدقائق في بلد ذي مساحة صغيرة نسبياً، ولا يمكن أن يفكروا بالتالي لدى مشاهدتهم هذا الدخان إلا في أنهم مستهدفون وفي قلب الحرب. وفعلياً تمدد القصف الإسرائيلي مرات إلى قلب العاصمة، وخلّف ضحايا ودمّر ممتلكات، وسكانها غير قادرين على النوم منذ أيام بسبب أصوات الصواريخ وأزيز طائرات الاستطلاع، والخوف مما قد يجلبه ظلام الليل عليهم تحديداً.
إنها أيام قاسية للبنانيين، وهي لم تكن يوماً إلا كثيرة عليهم وبأشكال مختلفة من الحروب نفسها والتفجيرات والاغتيالات والمشاكل الأمنية والاقتصادية والخلافات السياسية وعدم الاستقرار والفقر. وقائمة النكسات تطول وتطول وتدخل نفقاً بعد آخر بلا بصيص نور في نهاية أي منها، رغم محاولة اللبنانيين التمسك بالتفاؤل وبأمل أن تزول الغيوم السوداء من السماء، والتي هي حالياً دخان بيروت الذي يظهر من بعيد.
(العربي الجديد)