Mothers' Instinct: الأم وصديقتها بعد حادث مأساوي

10 سبتمبر 2024
كلتا السيدتين تشعران بثقل "وظيفة الأم" (IMDb)
+ الخط -

هل يمكن أن تكون غريزة الأمومة قوة مخيفة، وقادرة على دفع المرأة إلى ارتكاب أبشع الجرائم؟ على الرغم من أنه قد يبدو سؤالاً صعباً، فمن المرجح أن يتفق معظم الناس على إجابة واحدة: ستفعل الأم كل ما تراه ضرورياً لحماية لطفلها، مهما كلّف الأمر.
هذه هي الفكرة التي ينطلق منها فيلم Mothers' Instinct (للمخرج الفرنسي بينوا ديلوم)، وهو إعادة إنتاج للفيلم البلجيكي Duelles (صدر في عام 2018) للمخرج أوليفييه ماسيت ديباس، والمستند إلى رواية "خلف الكراهية" لباربرا آبيل.
تدور أحداث الفيلم في أوائل ستينيات القرن الماضي؛ عقد التغيير في الولايات المتحدة. تقع الأحداث في إحدى الضواحي الأميركية، حيث تطغى ألوان الباستيل على المنازل ذات الحدائق الجميلة، وتقام حفلات الشواء يوم الأحد، ويرتدي الأزواج البدلات الأنيقة، وتكتفي الزوجات بدور ربة المنزل. ضمن هذا الإطار الزمني والمكاني، نتابع قصة سيلين (آن هاثاواي) وأليس (جيسيكا تشاستين). جارتان وصديقتان حميمتان، متزوجتان برجلين ناجحين، ولديهما دائرة اجتماعية كبيرة مشتركة، تنظمان معها الحفلات والاجتماعات، وتدخل كل منهما إلى منزل الأخرى كما لو كانت فرداً من العائلة، ولديهما طفلان في العمر نفسه، يتشاركان الفصل الدراسي.

Mothers' Instinct... قبل كل شيء

تعرف كل من أليس وسيلين كيف تلعبان دوراً واحداً، وهو دور الأم. الفرق بين الاثنتين يكمن في التماهي الكلي أو الجزئي مع هذا الدور. والأمر المخيف هو أنه حين لا يكون التماهي كلياً، يتشكل شعور هائل بالذنب. فقبل كل شيء، أليس وسيلين امرأتان تختبران الأمومة نيشاناً، كما لو أنّها وسام قادرعلى إعطائهما أهمية ومعنى داخل مجتمع شوفيني يحصر كينونتيهما في هذه الوظيفة. وربما هذا ما دعا المخرج إلى اختيار أميركا الستينيات مسرحاً زمنياً للأحداث، باعتباره نوعاً من المساءلة عن دور المرأة في تلك الحقبة، وطريقة تأطير الأمومة ضمن ذلك السياق التاريخي، مع انطلاق الموجة النسوية الثانية وتصاعد السجال حول فكرة الأمومة، وحصر المرأة في دور الزوجة الخاضعة للرجل.
كل من البطلتين تنظر إلى دورها داخل هذا العالم المصغر في الضواحي بطريقة مختلفة تماماً. وبينما تبدو سيلين راضية عن كونها أماً وزوجة بدوام كامل، تُقدَّم أليس على أنها تعاني قليلاً في القفص المذهّب الذي عاشت فيه النساء في تلك الحقبة؛ فهي تتمنى العودة إلى العمل، وتواجه مقاومة زوجها. ولكن كلتا المرأتين تشعران بثقل "وظيفة الأم"، في ظل مجتمع قائم على إطلاق الأحكام على النساء تحديداً. أليس، كما نكتشف لاحقاً، عانت اكتئاباً شديداً بعد الولادة، لم تتعافَ منه تماماً، ولكنها مجبرة على كبت ما تشعر به، لصالح تأدية دورها في المسرحية الاجتماعية كما يجب.
كل شيء يبدو مثالياً، الحلم الأميركي في أوجه: حي ثري، ونساء أنيقات، وأزواج نموذجيون، وحياة سعيدة، ولكن كل تلك الأجواء البلاستيكية، وما يصاحبها من موسيقى مثيرة للقلق، وسكين تقطع قالب الكيك بطريقة هيتشكوكية كلاسيكية، تنذرنا بمأساة كبرى قادمة في الطريق.

بعد كل شيء

تنكسرالحالة الشاعرية بعد حادث مأساوي يصيب إحدى العائلتين، فدوامة من الشكوك والبارانويا والكراهية ستجرف كل شيء، وتؤدي إلى تفكيك هذه الصداقة إلى الأبد. بعد المأساة، تنطفئ سيلين وتتحوّل إلى امرأة ممسوسة بالألم، بينما يسكن أليس مزيج من الشفقة والشعور بالذنب، لحدث تعتقد أنه كان بإمكانها تجنبه. تتطور لدى المرأتين مشاعر أكثر حدة وظلامية؛ الشك، والشعور بالذنب، والرغبة في الانتقام.


يعتمد سيناريو Mothers' Instinct الذي كتبته سارة كونراد على الاضطرابات النفسية التي تعانيها بطلتا الفيلم لخلق التوتر السردي وصنع هالة من التشويق، ضرورية في هذا النوع من الأعمال. فمن الشائع التشكيك في مخاوف النساء، واتهامهن بالجنون والهيستيريا واختلاق الأمور، واعتبار أفعالهن وتصوراتهن بأنها أقل موثوقية، بسبب تقلباتهن الهرمونية والعاطفية. ولكن في الفيلم يقتصر على تناول موضوعات القلق واكتئاب بعد الولادة واضطراب ما بعد الصدمة، للتشكيك في مشاعر أليس وسيلين ونيَّاتهما ومصداقية ما ترويانه، فما يبدأ دراما نفسية تقترح مواضيع مثل الأمومة والهوس وأدوار الجنسين على الطاولة، يتراجع لصالح صناعة فيلم إثارة كلاسيكي يركز على الحوادث الملتبسة التي تحرك وتدفع بطلتي الرواية إلى أن تتصرف كلٌّ منهما ضد الأخرى، لإبقائنا في حالة عدم يقين بشأن ما يحدث بين العائلتين، بعيداً عن الرغبة في تحديد كبش فداء ومذنب واحد مسؤول عن الأحداث المأساوية التي تطبع الفيلم.
تنبض الستينيات بالحياة في عدسة بينوا ديلوم في أول عمل له مُخرجاً، بعد ثلاثة عقود من عمله مصوراً سينمائياً منذ انطلاقته في فيلم "رائحة البابايا الخضراء" (1993). وتعيدنا الأزياء والديكورات إلى العصر الذهبي لهوليوود، بينما تبدو الكيمياء في أعلى حالاتها بين هاثاواي وتشاستين.

غريزة الأمومة في عنوان الفيلم ليست غريزة الحماية والرعاية والحب في سياقها الاجتماعي المتعارف عليه، بل هي الجانب المظلم الكامن وراءها، المحمل بأعباء ثقيلة من مشاعر ممنوع التصريح عنها، في مجتمعات أبوية تفقد فيها النساء حرياتهن، وقد يفقدن عقولهن، وقد يفقدن الاثنين معاً، كما حدث في Mothers' Instinct.

المساهمون