The Menu: طاهٍ فقد شغفه

07 مارس 2023
الفيلم من بطولة رالف فينيس (سيرتشلايت بكتشرز)
+ الخط -

يعلن الطاهي/الفنان في فيلم The Menu (القائمة) لزبائنه: "لقد كنتم جزءاً من انهيار حياتي وجزءاً من انهيار فني أيضاً". لقد أدرك الطاهي سلوفيك (رالف فينيس)، بعد أربعين عاماً قضاها في تحضير أفخم الأطباق لأبناء الطبقات العُليا، أن شغفه غير الطبيعي للطهي قد تلاشى، وحلّ محله السعي نحو الكمال في الصنعة وإرضاء الزبائن والإنصات إلى فذلكة نقاد الفن المعاصر.

إنها قصة طاهٍ تفانى في عمله وتفنن به، إذ مارسه كنوع من أنواع الفنون، والأمر عنده ليس مجرد تحضير وجبات للمضغ والبلع. فلا يتردد في الإعلان لزبائنه: "لا تأكلوا، لا تأكلوا الطعام، بل تذوقوه، تلذذوا به"، وذلك قبل الوجبة الأولى من الوجبات الخمس التي ينوي تقديمها ضمن تجربة خاصة لليلة واحدة.

لقد أمعن الطاهي بكل تفصيل من تفاصيل هذه التجربة. جهزها بكل احترافية، ودعا إليها شخصيات انتقاها بعناية من ضمن قائمة زبائنه الأكثر شهرة، فأساس الدعوة هو الانتقام من الشخصيات التي كان لها الأثر الأكبر في تخريب فن الطهي، فترى الناقدة المستفزة ليليان (جانيت ماكتير)، والملياردير ريتشارد (ريد بيرني) الذي اعتاد أن يخون زوجته في هذا المطعم، والشريك سورين (أرتورو كاسترو) في المطعم الذي يديره الطاهي نفسه. أما الشخصية التي كان لها النصيب الأكبر من العقاب، فكان تايلر (نيكولاس هولت)، أحد أبرز المعجبين بالطاهي من الذين اعتادوا أن يلحقوا معجبهم أينما ذهب، وحفظ كل ما يفعل وتسجيل الحلقات الخاصة بالطاهي.

لكل طبق في التجربة، اسم وشكل فني وطريقة تحضير يقودها الطاهي كمن يقود أوركسترا. وكل وجبة تقدم للحاضرين ترافقها طقوس خاصة تكون بمثابة مكون إضافي من مكوناتها، يجعل لها مذاقاً آخر مختلفاً عن المذاق المعتاد، مثل الحلو أو الحامض أو المر، وغيرها من التقويمات الذوقية، إنه مذاق الكراهية والإذلال. وسيتذوقه كل من حط من قيمة أداء الطاهي أو حاول منافسته، وهو لذلك أعد قائمة وجبات أشبه بالعقاب.

سينما ودراما
التحديثات الحية

تتوفر في هذه القائمة وجبة بنكهة الفضح، مثل توزيع خبز التورتيلا على المدعوين وقد رُسِمت عليها بيانات سرية وصور خاصة بهم، تبين أن الطاهي يعلم أن هذا الظهور المترف يخفي خلفه أقذر الأعمال وأحطها قيمة لجني المال. وهناك وجبة بمذاق الدم، إذ يقترب من طاولة الزبون ريتشارد، ويوجه له السؤال الآتي: اذكر لي اسم طبق واحد قدمته لك في زياراتك الأخيرة للمطعم؟ يعجز ريتشارد عن الإجابة، فيرتبك أمام الطاهي الذي أبدى استياءه وأمر مساعديه بقطع إصبع الزبون، ثم أشار للجميع بمواصلة الاستمتاع بوجباتهم.

تتصاعد مستويات الرعب والعنف التي يصل إليها الطاهي مع زبائنه، ولا سيما عندما يطلب من الزبون المعجب به (تايلر)، أن يجهز له طبقاً ما. بعد أن يفرغ تايلر من تجهيز الطبق، يهمس له الطاهي بشيء لا نسمعه، لكننا ندرك مدى القسوة التي وصلت إلى تايلر في ما نشاهده وهو يمشي إلى حتفه. أيضاً، يوجه الطاهي حديثه للجميع بعد هذا الرعب ويقول لهم: تابعوا التلذذ بطعامكم.

العقاب لا يتضمن الحضور فقط، بل يتعداه إلى أحد مساعدي الطاهي الذي يعد هو الآخر وجبته الأخيرة ويطلق النار على نفسه أمام الجميع، معترفاً قبلها أنه تجاوز حدوده عندما خطط بأن يكون في مكان الطاهي ومكانته. هذه المكانة التي اكتشف الطاهي زيفها بعد كل هذا العمر، وأنّ قيمة كلّ ما يقدمه لا تأتي من جودتها أو سمو تذوقها، وإنما من قيمة من يتذوقها؛ الأثرياء والنقاد والمعجبون، فهو ذوق استهلاكي أكثر من كونه جمالياً.

المساهمون