استمع إلى الملخص
- يُسرد الفيلم بطريقة غير خطية تجمع بين الفلاش باك والأحداث الحاضرة، مما يبرز صراعات الشخصيات في مواجهة الصدمات الماضية والحقائق الحالية، مع رمزية القواقع كآليات تكيف.
- رغم الطابع المأساوي، يحتوي الفيلم على عناصر كوميدية ويعكس روح السبعينيات بتجربة حسية مميزة، مما يجعله عملاً فريداً يجمع بين العمق والابتكار.
من اسمه، Memoir of a Snail، وألوانه السوداوية وصيغة الستوب موشن القريبة من أعمال تيم بيرتون، يعرف المشاهد أنه لا يتوقع فيلم رسوم متحركة مبهجاً. إنه عملٌ عن الوحدة، وفقدان الرغبة في الحياة، والعيش بالحد الأدنى.
Memoir of a Snail هو فيلم ستوب موشن أسترالي من إخراج آدم إليوت (Adam Elliot) وكتابته، الحائز جائزة أوسكار عام 2004 عن فيلم الرسوم المتحركة القصير Harvie Krumpet. الفيلم الجديد من بطولة سارة سنوك التي كان صوتها الشخصية الرئيسية طوال العمل بسبب طبيعته المعتمدة على الرواية.
يتحدث الفيلم عن امرأة في منتصف العمر، تعاني الشفة الأرنبية، وجسداً غير مثالي، ما عرضها للتنمر والإقصاء، وتعاني وحدة قاسية بعد فقدانها كل أحبائها، آخرهم صديقتها العجوز المرحة بينكي، ولا يتبقى لها سوى بضع حلزونات، تروي لإحداها قصة حياتها المأساوية.
تبدأ مآسي غريس منذ ولادتها قبل الأوان بشفة أرنبية، ثم وفاة أمّها بعد ولادتها هي وشقيقها التوءم غيلبرت، ليبقيا مع والدهما لاعب الخفة السابق المصاب بالشلل ومدمن الكحول، الذي توفي هو الآخر في طفولتهما. هكذا، تنفصل غريس عن غيلبرت ليذهب كل منهما إلى عائلة تتبناه، فتبدأ عزلة غريس التي أنشأت علاقة عميقة مع الحلزونات بسبب اهتمام والدتها بها، ولتشابهها معها.
يُسرد الفيلم بطريقة غير خطية، إذ يخلق المخرج نسيجاً يضمّ خيوطاً تجمع بين مشاهد الفلاش باك والأحداث الحاضرة، ليكشف تدريجياً عن الحياة الداخلية للشخصيات. تعكس هذه المقاربة الهويات والخبرات المتصدعة للأبطال، ما يُبرز صراعاتهم في التوفيق بين الصدمات الماضية والحقائق الحالية.
يمثل الحلزون وصدفته رمزاً قوياً طوال الفيلم. مثل الحلزون، يحمل البشر طبقاتهم الوقائية بوصفها دروعاً تقدم الراحة والأمان، ولكنها أيضاً تقيد وتعزل. تأخذ الأصداف في الفيلم أشكالاً عديدة: الدين، والتطلعات الشخصية، والأيديولوجيات، وندوب الصدمات الماضية. يجسد كل شخصية نوعاً فريداً من الصَّدَفة، ترمز إلى آليات التكيف الخاصة بهم في عالم مليء بالتحديات وعدم اليقين.
قوقعة غريس الخاصة هي مخاوفها وعدم تقبلها لنفسها. كل شيء يثير القلق عند غريس، بما في ذلك التواصل مع الآخرين، ويبدو طوال الفيلم أن قلقها محق، لأن الناس متنمرون، ويمارسون أفعالاً مؤذية. وفي المرة الوحيدة التي اقتربت منها من السعادة، اكتشفت أن الرجل الذي تحب مهووس بجسدها فقط، ويريد تحويلها إلى أداة جنسية خاصة به.
يمكن اعتبار الفيلم كوميدياً رغم مأساويته، فالمبالغة بالتقوقع لدى الجميع تمثّل الطابع الكوميدي فيه. والتقوقع هذا ليس مباشراً مثل تقوقع غريس الواضح، فجميع الشخصيات تضع قوقعتها الخاصة وسط حياة خطيرة مليئة بالحوادث والمآسي التي لا يمكن تجنبها، والتي تظهر في الفيلم واضحةً بمزيح من الرعب والكوميديا.
نرى في الفيلم أصنافاً أخرى من القواقع تُساهم بتعميق قوقعة الآخر عبر رفضه. الأولى هي التديّن، الذي تتسم به العائلة التي تبنّت غيلبرت. التديّن الشديد الهستيري الذي يسيطر على عمل العائلة، والأبناء، ويحمي المزرعة والعمل فيها. والنوع الآخر هو التنمية البشرية وعلم الطاقة، وهو هوس العائلة التي تبنّت غريس. في النهاية، لا تتقبل العائلتان الولدين، والعكس كذلك، لأن كل شخصية تحتمي من اختلاف الآخر في قوقعتها، ومحاولة جلبه إليها، ولا أحد يحاول الخروج منها، سوى بينكي، المرأة العجوز التي أحدثت تغييراً في حياة غريس.
التدين، والتنمية البشرية، ليست فقط قواقع، بل أساليب سيطرة على الآخرين. أما ما يخص التديّن، فإظهاره بهذا الإفراط في كاريكتوريته ليس جديداً، لكن الاختلاف الجديد هو في التنمية البشرية، والسعي المستمر إلى تحسين الذات والتطرفات التي يلجأ إليها الناس في بحثهم عن المعنى والنجاح. يجسد عُمر، التنفيذي الطموح، هذه الدفعة. تُبنى صدفته من كتب التنمية الذاتية، والندوات التحفيزية، والروتين الصارم المصمم لتعظيم الإنتاجية وتحقيق الكمال. وعندما يفشل الأسلوب، يتخلى الوالدان عن غريس لعيش حياتهم الجنسية تاركين لها المنزل، مع اكتئابها الذي عجزا عن قبوله واستيعابه.
في عائلة غريس الأصلية، كانت قراءة الكتب هي الهواية المشتركة، وعلى الرغم من الكثير من العناوين المميزة التي ظهرت في الفيلم، لم يبدُ أن لهذا تأثيراً فعلياً على الشخصيات، وعلى مضيها قدماً. وحدها بينكي بلمستها الإنسانية استطاعت تحرير غريس من قوقعتها، وأخبرتها أن الحلزونات لا تنظر إلى الخلف.
تدور أحداث الفيلم في السبعينيات، فلا نرى وجوداً للتكنولوجيا ولا آثارها. في مقابلة مع هوليوود ريبورتر، يقول إليوت إنه اختار السبعينيات بسبب ذكريات طفولته، ودرجات البني والبرتقالي التي كانت سائدة بأستراليا في ذلك الوقت، وأيضاً بسبب روح التجريب التي سادت في السبعينيات، واكتشاف الإمكانيات البشرية.
يمكننا أيضاً رؤية التطرف في التجريب من خلال الشخصيات جميعها، عدا غريس التي لم تجد مكاناً لها في زمن التطرفات والحركات الجديدة والثقافات الفرعية، لكنهم لا يختلفون عنها، بعزلتهم الخاصة التي تحمل طابعاً جماعياً.
يقدم الفيلم تجربة حسية جميلة مع ألوانه الباهتة، والتراجيدية الكوميدية المشغولة بمونتاج لا يجعل من الفيلم قاسياً تماماً ولا كاريكتورياً تماماً أيضاً.