La Nuit du 12: ما بعد اللحظات الأخيرة من حياة شابة جميلة

25 يوليو 2023
يعرّي المخرج الخلل في علاقة الرجل بالمرأة (IMDb)
+ الخط -

إنها قضية لن تُحلّ. هذا ما يخبرنا به المخرج الفرنسي، دومينيك مول، في أحدث أفلامه، La Nuit du 12 (ليلة الثاني عشر، The Night of the 12th)، الذي يتناول قصة واحدة من عشرات جرائم القتل التي تحدث في فرنسا سنوياً، وتبقى مجهولة الجاني. لسنا، إذن، أمام عمل تشويقي اعتيادي، بل أمام تفكيك للمجتمع وتحليل للتصورات الذكورية المبطنة. الفيلم المبني على أحداث حقيقية، ويتعاون فيه مول مجدداً مع شريكه في كتابة سيناريوهات أفلامه السابقة، جيل مارشان. يتساءل العمل عن كيفية تماهي المحققين، من دون وعي، مع القتلة الذكور حين تكون الضحية امرأة، وكيف تساهم هذه النظرة الأحادية للقضايا في بقاء كثير منها دون حل.

كلارا شابة جميلة ومرحة وشغوف بالحياة، تعيش مع أسرتها في مقاطعة صغيرة نائية، جنوب شرق فرنسا، حيث الجميع يعرفون بعضهم بعضاً. في ليلة الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، وأثناء عودتها إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل، تسجل مقطع فيديو سريعاً لصديقتها المقربة، تنهيه بابتسامة عريضة، غير مدركة أنها تعيش لحظاتها الأخيرة قبل أن تُحرق حية على يد رجل ملثّم يضرم النيران في جسدها، في جريمة شديدة البشاعة.

هناك عديد من المشتبه بهم، جميعهم رجال، والأسوأ من ذلك أنّ لكل منهم دوافعه لارتكاب الجريمة. لكن المحقق يوهان (باستيان بويون) الذي تسلم حديثاً رئاسة الشرطة القضائية في مدينة غرونوبل، وأوكلت إليه مسؤولية التحقيق في القضية، غير قادر على تقديم أي من المشتبه بهم إلى العدالة، بسبب نقص الأدلة.

تصبح هذه القضية هاجس يوهان الذي سيعمل جاهداً لحل اللغز مع زميله مارسو (بولي لانرس) الذي يكبره عمراً ويعاني أزمة نفسية حادة جرّاء هجر زوجته له. هذه الثنائية التي ستتولى التحقيق تتبنى نظرة مختلفة للأمور، بفضل لانتماء صاحبيها إلى جيلين مختلفين، ورؤيتين مغايرتين للحياة، وخاصة للعلاقات بين الرجال والنساء، وهو ما يدور حوله الفيلم بالفعل.

المحقق الشاب، ورغم تفرغه التام للقضية، إلا أنه عاجز عن حلها. يقضي أشهراً في مطاردة خيوط الجريمة، ومحاولة العثورعلى القاتل، مستسلماً، من دون وعي، منه لإغراء فكرة أن الضحية مسؤولة بشكل أو بآخر عن نهايتها، ليصبح في مكاشفة مع ذاته، وأفكاره الدفينة كذكر في مجتمع يعادي النساء، رغم ادعائه خلاف ذلك. لا شيء في حياة يوهان سوى القضايا، ما من حياة اجتماعية وعاطفية. ورغم قلة حواراته، إلا أن صراعاته الداخلية جلية. نراه منذ بداية الفيلم على دراجته، يدور من مضمار إلى مضمار، غارقاً في أفكاره، عائداً دائماً إلى نقطة البداية، في محاكاة لمعاناته مع هذه القضية، فإذا كان "كل محقق تطارده جريمة "، فهذه هي الجريمة التي ستسكن كوابيسه إلى الأبد.

سينما ودراما
التحديثات الحية

بعيداً عن القوالب البوليسية الكلاسيكية، يركّز الفيلم على تأثير الموت الصادم للشابة كلارا على محيطها، وبشكل خاص على جهاز الشرطة الذي يحقق في مقتلها. فآلية التحقيق وأسلوب الاستجواب بمجمله يقوم على فكرة إلقاء اللوم على الضحية، والتركيز على سلوكها الجنسي، كما لو أن عدد الشركاء الذين عرفتهم، أو ارتبطت بعلاقات معهم، سيصدر حكماً بالبراءة أو الإدانة. هناك إجماع على أنها فتاة جميلة سهلة، وتربطها علاقات برجال سيئي السمعة، يمكن لأي واحد منهم أن يكون أحد القتلة المحتملين. وبالتالي، فهي مسؤولة بشكل أو بآخر عن تعريض حياتها للخطر. إنها قضية تفضح شوفينية الرجال الذين يحققون في قضايا ضحاياها نساء، فالمرأة مدانة دائماً. وبنظر المحققين الذكور، علاقات كلارا الجنسية المتعددة سبب كاف لعدم التعاطف معها، حتى بعد مقتلها بطريقة وحشية.

في La Nuit du 12 نَفَس وثائقي يواكب الحياة اليومية للشرطة، والآلية التي تجري فيها التحريات، من جمع المعلومات والاستماع إلى التسجيلات وإعداد التقارير، إضافة إلى ما يحيط بذلك من مشاكل نقص التمويل الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى إغلاق بعض الملفات. ومن خلال هذا الطرح يدين الفيلم في بعض جوانبه أوضاع الشرطة والنظام القضائي، والبيروقراطية المتفشية، إضافة إلى تدني الأجور، ونقص الموظفين بالنسبة لعدد القضايا. هذا ما يجعل العمل الجنائي محبطاً ومرهقاً، الأمر الذي قد يؤدي بمرور الوقت إلى إهمال ونسيان بعض القضايا بين أكوام التقارير والملفات، فقضية مقتل كلارا ما هي إلا حدث اعتيادي بين جملة قضايا تحدث كل يوم.

في الفيلم الذي حاز ست جوائز سيزار (2023) يبدو الحب مفقوداً، كما لو أنه شيء نادر، ربما غير موجود، والخطر محدق بالشخصيات النسائية القليلة في الفيلم> هنّ مهددات في أي لحظة. فالفيلم مظلم ولكنه شديد الواقعية؛ العدالة غائبة، والضحية تحت التراب، والقتلة يمكن أن يفلتوا من العقاب. ليس من السهل الرهان على تقديم الحياة كما هي في قصص كهذه، من دون اللجوء إلى الإثارة، ومع ذلك يحافظ الفيلم على إيقاعه.

في La Nuit du 12، يعرّي مول الخلل في علاقة الرجل بالمرأة، مثيراً كثيراً من الأسئلة حول العنف الجنساني، والذكورة السامة، والنظرة المنمّطة للنساء. كما أنّ عامل الطرق المسدودة التي لا تفضي إلى مكان، والقبول بأنه في أحيان كثيرة في الحياة لا يمكننا فعل شيء، يزيد من حساسية الطرح.

المساهمون