استمع إلى الملخص
- تعرضت بي بي سي لانتقادات من صحافيين وأكاديميين بسبب انتهاك مبادئ النزاهة، مما أدى لاحتجاجات داخلية واستقالات بين موظفيها.
- شهد مكتب بي بي سي في بيروت إضراباً احتجاجاً على تغطيتها، وسط اتهامات للإعلام الغربي بتبني رواية الاحتلال، مما يثير تساؤلات حول المهنية والموضوعية.
بعدما أغضبت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حكومة الاحتلال الإسرائيلي في مطلع حربها الإبادية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لرفضها وصف حركة حماس في تقاريرها بـ"الإرهابية"، توجّهت الشبكة إلى تبنٍّ شبه كامل لرواية الاحتلال، ومرافقة جنوده خلال عملياتهم العسكرية لإعداد تقارير، أحدثها ما نشر السبت الماضي وصُوّر على الحدود الشمالية مع لبنان.
ونشر الموقع الإنكليزي لهيئة بي بي سي تقريراً بعنوان "داخل منطقة القتال الإسرائيلية في جنوب لبنان" من إعداد مراسلتها في القدس المحتلة، لوسي ويليامسون، التي رافقت جنود جيش الاحتلال إلى داخل القرى اللبنانية المتاخمة للحدود من أجل تغطية الاشتباكات مع مقاتلي حزب الله اللبناني.
وأظهر التقرير المصور والمؤلف من ثلاث دقائق الدمار داخل القرية التي لم يكشف عن اسمها، ويعرض جنود الاحتلال فيه على ويليامسون ما زعموا أنّه أسلحة وقذائف وجدوها في المنازل الخالية من السكان، إضافةً إلى مقابلة مع ضابط عسكري إسرائيلي. وباستثناء جملةٍ عابرة تقول فيها المراسلة: "كل ما لدينا هو رواية الجيش عما حدث هنا (في القرية)"، تماهت لوسي ويليامسون بالكامل مع رواية جيش الاحتلال للأحداث، وما يجري على الحدود اللبنانية. تنقلت داخل سيارات عسكرية إسرائيلية، وعرضت تصريحات جنود الاحتلال من دون أي تعليق أو تعقيب.
وجاءت مشاركة ويليامسون ضمن جولة صحافية نظمها جيش الاحتلال لمراسلي عددٍ من المؤسسات الإعلامية والصحافية الدولية مثل "واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال" و"ذا تليغراف" و"فوكس نيوز" و"نيويورك تايمز"، إضافةً إلى وكالتي أسوشييتد برس ورويترز.
حزب الله يدعو الحكومة لمحاسبة "بي بي سي"
وأدان مكتب العلاقات الإعلامية في حزب الله تقرير "بي بي سي" ومشاركتها في جولات ينظمها جيش الاحتلال في بيان صدر الاثنين.
وقال البيان: "لم تكتف بي بي سي بجميع منصاتها ولغاتها بالانحياز الأعمى إلى جانب القتلة والمجرمين وتبرير الهمجية الصهيونية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، وإنما عمدت بكل وقاحة إلى إرسال فريق صحافي دخل إلى إحدى القرى الجنوبية برفقة جيش الاحتلال وانتهك حرمة الأراضي اللبنانية والسيادة اللبنانية والقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، وذلك كما تظهر التقارير التي نشرتها المؤسسة".
وشجب المكتب "الخطوة غير المبررة والمرفوضة"، كما طالب وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام والأجهزة القضائية والأمنية "باتخاذ التدابير القانونية اللازمة ضد الهيئة وفرق عملها في لبنان، والاحتجاج لدى شركة بي بي سي والجهات القانونية الممثلة لها". إضافةً إلى دعوته "نقابات الصحافيين والمحررين ووسائل الإعلام الحرة في العالم إلى إدانة هذه الخطوة".
ثمّ أصدر الحزب ملحقاً للبيان السابق أضاف فيه: "فقد تبين لاحقاً أنّه بالإضافة إلى BBC فقد شاركت بهذه الجولة شبكات ومؤسسات مثل: واشنطن بوست، وول ستريت جورنال، تليغراف، فوكس نيوز، رويترز، نيويورك تايمز، فايننشال تايمز، أسوشيتد برس، وشبكات وقنوات أخرى".
وليست هذه المرة الأولى التي ترافق فيها لوسي ويليامسون جنود جيش الاحتلال في جولات إعلامية، إذ سبق لها الدخول إلى مستشفى الشفاء في قطاع غزة بعد اقتحامه على يد قوات الاحتلال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
انحياز متواصل
آنذاك، وبالطريقة نفسها التي اعتمدها تقريرها الأخير، روّجت ويليامسون التي عملت مراسلةً للهيئة البريطانية في باريس وكوريا الجنوبية سابقاً، للدعاية الإسرائيلية، ومنحت مساحة واسعة لرواية جنود الاحتلال، الذين عرضوا عليها ما زعموا أنّه أسلحة وذخائر خزّنتها "حماس" داخل المستشفى.
وبعد وقتٍ قصير من بدء العدوان على قطاع غزة، تزايدت الانتقادات الموجهة إلى هيئة الإذاعة البريطانية من صحافيين وأكاديميين اعترضوا على ما وجدوه انحيازاً إلى الاحتلال الإسرائيلي وتبنياً لروايته للأحداث. دفع ذلك منظمة Palestine Action المؤيدة للفلسطينيين إلى رشق مقر "بي بي سي" بالطلاء الأحمر، في أكتوبر الماضي، احتجاجاً على تغطيتها للحرب على غزة.
لكن ذلك لم يغير في مسار القناة المنحاز، إذ تعرّض الصحافيون المناصرون لفلسطين لحملات كراهية وتحريض منظمة من مؤيدي الاحتلال. أدى ذلك إلى إيقاف عدد من الموظفين مؤقتاً عن العمل وإخضاعهم للتحقيق بحجة كتابة منشورات متعاطفة مع عملية طوفان الأقصى على منصات التواصل الاجتماعي، قبل أن تعيدهم إلى العمل. فيما استقال عددٌ آخر من الصحافيين احتجاجاً على تغطية الشبكة للأحداث.
في الوقت نفسه، لم تتحرّك إدارة الهيئة لمحاسبة، أو حتى لمجرد التحقيق، مع صحافييها المناصرين للاحتلال ممّن نشروا تغريدات وصوراً تعبّر عن دعمهم للجيش الإسرائيلي وحرب الإبادة التي يشنها على غزة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت "ذا غارديان" أن "بي بي سي" أخّرت إطلاق نداء إنساني من أجل غزة أعدته لجنة إدارة الطوارئ والكوارث (DEC). بحسب الصحيفة البريطانية، رأت "بي بي سي" أن النداء لم يستوف كل المعايير المطلوبة للبث، ولكنها أبقت القرار "قيد المراجعة"، في الوقت، الذي وافقت فيه قنوات أخرى على بث النداء.
واتُّهمت "بي بي سي" آنذاك بأنها "عرقلت" إطلاق النداء خوفاً من ردود فعل عنيفة من جانب مؤيدي الاحتلال. كما صرّح أحد كبار الشخصيات في منظمة غير حكومية لم تسمها "ذا غارديان" إن الموظفين "غاضبون" من موقف "بي بي سي".
عدا عن ذلك، اتهمت مراجعة "بي بي سي" بانتهاك مبادئها التحريرية الخاصة بالنزاهة أكثر من 1500 مرة خلال ذروة العدوان، وكشفت عن "نمط مقلق للغاية من التحيز".
إضراب في مكتب "بي بي سي" في بيروت
أدى انحياز إدارة الهيئة شبه الكامل لرواية الاحتلال إلى صراعات عدة بين المدراء والصحافيين والمحررين ممن يرفضون تبني المؤسسة للسردية الإسرائيلية.
وفي مارس/آذار الماضي، كشف "العربي الجديد" عن وجود اعتراضات متكررة من صحافيين وموظفين بريطانيين وعرب ومن جنسيات أخرى داخل المقر الرئيسي للهيئة في لندن، احتجاجاً على تغطيتها العدوان على القطاع.
أما اليوم، وإثر تقرير ويليامسون من داخل الحدود اللبنانية، علم "العربي الجديد" من مصدر في "بي بي سي" عن توجيه سبعة موظفين لبنانيين رسالة احتجاج إلى الإدارة، بينما أعلن ستة من هؤلاء توقفهم عن العمل احتجاجاً على "خرق بي بي سي للمعايير المهنية والقانون الدولي وتعريض سمعتنا وسلامتنا للخطر". إضافةً إلى ذلك، بعث مراسلو الهيئة الأجانب في بيروت رسائل احتجاجية للإدارة، اعتراضاً على "تعريض سلامتهم للخطر".
بطبيعة الحال لا يمكن فصل تبني "بي بي سي" لبروباغندا الجيش الإسرائيلي عن الموقف المنحاز لجميع وسائل الإعلام الغربية السائدة المؤيدة لدولة الاحتلال والمتبنية لخطابها. جاءت مرافقة مراسلة "بي بي سي" في القدس جنود الاحتلال إلى داخل الحدود اللبنانية، نموذجاً من أمثلة متعددة، تخلى فيها صحافيون ومراسلون لمؤسسات إعلامية بارزة مثل "سي إن إن" و"ذا نيويورك تايمز" عن معاييرهم المهنية للمشاركة في جولات الجيش الإسرائيلي داخل غزة خلال العام الماضي، ليتحولوا إلى مجرد أبواق تردّد مزاعم الاحتلال عن حقيقة ما يجري على أرض الواقع.