حلّت الذكرى السنوية الخامسة للقبض على الباحث المتخصص في شؤون سيناء إسماعيل الإسكندراني في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، لتذكر بهذا الباحث والصحافي، المحكوم عليه بالسجن 10 سنوات، في القضية رقم 18 لسنة 2018 شمال القاهرة العسكرية، على خلفية عمله ونشاطه البحثي والصحافي الجاد في ملفات شؤون الجماعات الإسلامية والمجتمعات المهمشة بشبه جزيرة سيناء.
تعتبر قضية الإسكندراني إحدى أكثر قضايا الرأي إثارة للجدل، وذلك لمثوله أمام المحكمة العسكرية على خلفية نشاطه الصحافي والبحثي في ملف سيناء، بعدما تم التحقيق معه في نيابة أمن الدولة، وحبسه احتياطيًا لمدة تزيد عن العامين منذ اعتقاله في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وحتى إحالته إلى النيابة العسكرية في 6 يناير/كانون الثاني 2018. وكذلك لطبيعة الحكم المجحف الذي حكم به عليه وهو السجن مدة 10 سنوات، ما يطرح التساؤل عن كيفية تحول الصحافي إلى مجرم أمام منظومة العدالة المصرية، ومراحل استدراج الصحافيين إلى المساءلة القانونية، وتحويل العمل الصحافي إلى مجموعة متنوعة من الاتهامات.
يعمل إسماعيل الإسكندراني كباحث في علم الاجتماع السياسي وفي شؤون الجماعات الإسلامية وهو صحافي استقصائي في مجال المجتمعات المهمشة في مصر في شبه جزيرة سيناء والنوبة. تخرج من كلية الآداب قسم اجتماع، جامعة الإسكندرية، عام 2011، ويدرس ماجستير بكلية الشريعة، جامعة بيروت، في لبنان. عمل الإسكندراني كصحافي حر مع عدد من المنصات الصحافية المصرية والعربية، مثل جريدة السفير العربي، وموقع جدلية، والأهرام، والنسخة الإنكليزية من جريدة العربي الجديد، وجريدة الأخبار اللبنانية، وموقع البديل، وموقع مصر العربية. كما عمل كمحلل سياسي واجتماعي مع عدة شبكات إعلامية دولية، أشهرها شبكة "بي بي سي"، وشبكة "فرانس 24"، وقناة الجزيرة الإنكليزية.
وأصدر الإسكندراني العديد من الأوراق البحثية والمقالات الصحافية عن الجماعات المسلحة في سيناء في عدة منابر بحثية وصحافية، أهمها مبادرة الإصلاح العربي، وموقع صدى التابع لمركز كارنيغي للسلام الدولي، والمركز العربي للدراسات وتحليل السياسات، ومنتدى البدائل العربي للدراسات، وجريدة لوموند ديبلوماتيك، وموقع أورينت 21، وموقع كومينت ميدل إيست.
وبمضي خمسة أعوام، تعتبر نصف مدة الحكم، تتبعت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، مراحل تطور عملية الاحتجاز وبلورتها إلى تهم يعاقب عليها القانون. فقد تم إلقاء القبض على الإسكندراني من مطار الغردقة يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أثناء عودته من العاصمة الألمانية برلين، بناء على أمر ضبط وإحضار صادر من النيابة مسبقًا لورود اسمه كأحد المتهمين في أحد محاضر التحريات المعدة من جهاز الأمن الوطني في إحدى القضايا بتاريخ مارس/آذار 2015، وهو المحضر الذي رفضت النيابة في ما بعد إطلاع محاميه عليه. عرض الإسكندراني على نيابة أمن الدولة العليا وباشرت النيابة التحقيق معه في 1 ديسمبر/كانون الأول 2015، ثم وجهت له تهم الانضمام إلى جماعة الإخوان، إذاعة سر من أسرار الدفاع، ونشر أخبار كاذبة خارج البلاد.
استمرت النيابة في تجديد الحبس الاحتياطي للإسكندراني لمدة 150 يوما، حتى 18 إبريل/نيسان 2016، وهو الحد الأقصى الذي يسمح به القانون المصري وفقًا للمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1950 وتعديلاته، ليبدأ عرضه أمام غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة والمنعقدة بمعهد أمناء الشرطة والتي بدأت في إصدار قرارات بالحبس لمدد 45 يومًا متصلة. إلى أن أصدرت المحكمة قرارا بإخلاء سبيله في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ولكن النيابة سرعان ما استأنفت على قرار إخلاء السبيل وقُبل استئنافها أمام الدائرة 28 جنايات برئاسة المستشار هشام فريد وتم تجديد حبسه. وبعد عامين من حبسه احتياطيًا، منع فريق الدفاع من حضور جلسة تجديد حبسه في ديسمبر/كانون الأول 2015، حتى فوجئوا بقرار إحالة إسماعيل إلى النائب العام العسكري يوم 6 يناير/كانون الثاني 2018 مع 19 متهما آخرين على ذمة القضية 18 لسنة 2018 جنايات شمال القاهرة العسكرية، إلى أن صدر حكم المحكمة العسكرية في 22 مايو/أيار 2018 بسجنه 10 سنوات، لاتهامه بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، وإذاعة أخبار كاذبة، ونشر سر عسكري.
وأشارت الجبهة إلى أن محضر المضبوطات احتوى على مجموعة أحراز تتعلق بعمل الإسكندراني الصحافي والبحثي مع جهات يصنفها النظام بأنها معارضة للدولة المصرية. وتنقسم هذه الأحراز إلى: مضبوطات تتعلق بعمله مع قناة الجزيرة، تأشيرات سفره إلى دولتي تركيا وقطر. فيما اعتبرت النيابة العمل الصحافي مع قناة الجزيرة فى حد ذاته أساسًا لاتهام صاحبه، وحرزت النيابة ما حصلت عليه من دلائل على عمل الإسكندراني مع القناة.
كما اعتبرت النيابة تأشيرات دخول الإسكندراني لدولتي تركيا وقطر، والتي كانت أغلبها بهدف العمل مع قناة الجزيرة، دليلا على ارتباط عمله بجهات ليست على وفاق مع النظام السياسي في مصر. كما اعتبرت النيابة عددا من الملفات الإلكترونية الخاصة بعمل إسماعيل الإسكندراني التي تنتقد مؤسسات الدولة دليل اتهام يجب التحقيق بأمرها. وأظهر محضر الفحص عدد من المضبوطات يجمع بينها انتقاد الإسكندراني بحكم عمله الصحافي أو البحثي لمؤسسات الدولة المختلفة، من مؤسسة عسكرية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية. والتي استدلت منها النيابة التوجه المعارض لدى الإسكندراني.
واعتبرت الجبهة أن ملابسات قضية إسماعيل الإسكندراني ترسم صورة حول النظرة شديدة التشكك التي ينظر بها النظام الحالي لعمل الصحافيين والباحثين في مصر وما يقومون به من نشاط لجمع وتحليل المعلومات خارج الأطر الرسمية، وخاصة في ملفات شديدة الحساسية، كملف الصراع في سيناء، وهي النظرة التي قد تفسر توسع البرلمان في الآونة الأخيرة في إصدار قوانين عدة بهدف تنظيم الصحافة والإعلام، وما تتضمنه هذه القوانين من عقوبات قاسية على المخالفين.
وأشارت الجبهة إلى ما يواجهه الصحافيون والباحثون المصريون في السنوات الأخيرة من خطر الملاحقة الأمنية والمثول أمام المحاكم العسكرية على خلفية معارضتهم للنظام وانتقاد سياساته من خلال عملهم الصحافي، ومثل إسماعيل الإسكندراني أحد الأمثلة الصارخة على ذلك.
واستهدفت الأجهزة الأمنية الإسكندراني بسبب انتقاده لمؤسسات الدولة بشكل عام والمؤسسة العسكرية بشكل خاص وتناوله لقضايا يعتبرها النظام حساسة وغير قابلة للنقد، وعلى رأس ذلك تأتي تغطية الأحداث بشبه جزيرة سيناء وما يصاحبها من حملات عسكرية للجيش والشرطة.