3 أفلامٍ "في الحب والحياة": حيوية نصوص وأداء

28 مارس 2022
أميرة دياب وهاني أبو أسعد: كوميديا ساخرة (فيتّوريو تزونينو تشيلوتّو/Getty)
+ الخط -

يختار لبيب (سامر بشارات) ولينا (شادن قنبورة) 14 فبراير/شباط ليتزوّجا في عيد الحبّ. يخوض صاحب "مسلخ السعادة" (عبد الحميد بوشناق) تحدّيات جمّة في اليوم نفسه، تكاد تحول دون الاحتفال بعيد الحبّ مع امرأته. تختفي سيارة لطفي (ناصر أقباب) من أمام محلّ بيع الشوكولاته، وبداخلها فتاة صغيرة السنّ يرعاها بحبّ واهتمام، فهي ابنةُ قريبةٍ له. يريد شراء علبة، شكلها قلب أحمر، للاحتفال بالعيد نفسه أيضاً، لكنّه يبدأ بحثاً عنهما (السيارة والفتاة) في رحلةٍ مليئة بأفرادٍ وحالات تمزج بين الغرائبيّ والفانتازي، في سردٍ مكثّف وضاغط.

3 أفلام قصيرة مُنجزة في سلسلة "في الحبّ والحياة" (العنوان الإنكليزي: "حبّ، حياة وكلّ شيءٍ بينهما"، فكرة عزة شلبي)، التي تضمّ 5 أفلام أخرى، تعرضها المنصّة الأميركية "نتفليكس"، المُشاركة في الإنتاج مع "شركة اتحاد الفنانين للسينما والفيديو" (القاهرة). المشترك بين الأفلام الـ3 تلك ـ "كازوز" (19 دقيقة) للفلسطينيين أميرة دياب وهاني أبو أسعد، و"مسلخ السعادة" (26 دقيقة) للتونسية كوثر بن هنيّة، و"سيدي فالنتاين" (28 دقيقة) للمغربي هشام العسري ـ كامنٌ في مسائل عدّة، تبدأ من الحبّ في عيده، وضرورة أنْ يكون زمن الحبكة يوماً واحداً فقط.

بالإضافة إلى هذا، هناك شخصيات تركض وتلهث وراء شيءٍ أو أحدٍ، لإنجاز عملٍ قبل اللقاء المنتظر بالآخر. لبيب يجهد في الوصول إلى منزل الاحتفال بالعرس قبل الموعد المحدّد، لكنّ الطريق طويلة (القدس ـ أريحا، ثم طريق البحر الميت)، ودرّاجته النارية صغيرة، والدب الأحمر ـ الذي يريده هديةً للينا ـ كبير، والجنود الإسرائيليون عائقٌ أمامه، ولو لوقتٍ قليل. كريم (عامر حليحل) مستعجلٌ لإتمام زواج شقيقته لينا، كي يتحرّر من ثقل النزاع الدائم بينها وبين زوجته. هذا، وغيره، في "كازوز"، الذي ينتقل من حيّز جغرافي إلى آخر، ومن حالةٍ (فرح) إلى أخرى (حزن، وسببه يحصل قبل دقائق من نهاية الفيلم، ويُفضَّل عدم التطرّق إليه) قبل استعادة طقوس الفرح/العرس. صاحب "مسلخ السعادة" يركض ويلهث، هو أيضاً، لإتمام معاملات إدارية تتيح له الحصول على مبلغ من المال، قبل التوجّه إلى الحبيبة. لكنّ تحدّيات جمّة تكاد تحول دون ذلك، وتكشف شيئاً من راهنٍ اجتماعي وسياسي وإداري تونسي، في مشاهد تعكس تلك التفاصيل ببساطة وسلاسة، لن تُغيّبا عمق الهاوية التي تصنع راهناً متخبّطاً كهذا.

أما لطفي، فالتجوّل في شوارع وساحات وأمكنةٍ، يظهر فيها أناسٌ مع جنون بما يُشبه هلوساتٍ أو انفصالٍ عن واقع أو غرقٍ كبيرٍ فيه أيضاً، هذا التجوّل، الذي تُرافقه فيه ندى (فاطمة الزهراء قنبوع)، يبدو تعريةً لأحوالٍ، بأسلوب يمزج شيئاً من الكوميديا المبطّنة بكثيرٍ من الواقعية الفاضحة مخبّأ وحالات وانفعالات.

 

 

"كازوز" أكثر ميلاً إلى سخريةٍ، يُراد لها أنْ تُثير ضحكاً على شخصيات وتصرّفات ومواقف. هذا حاصلٍ في "مسلخ السعادة"، لكنّ السخرية غير مُضحكة لانهماكها في الانتقاد والتعرية. ورغم أنّ المناسبة الأساسية كامنةٌ في الحبّ والاحتفاء به، تبرز أنماطٌ كثيرة في حيوات موزّعة على ارتباكات ورغبات وسلطات. رجلا الدين في "كازوز" مثلٌ على سخريةٍ، تقول إنّ كلّ شيءٍ قابلٌ للتفاوض، وإنّ لكلّ فردٍ نقاط ضعف يُمكن استغلالها لتحقيق المبتغى، وإنّ المظاهر تُخبّئ نقيضها، غالباً. صاحب المسلخ يتوق إلى امرأته في يومٍ كهذا، لكنّ أناساً يُعيقون تحقيق توقه، فالبيروقراطية في الإدارات مؤذية أحياناً، والعلاقة الغرامية للمسؤول الإداري، على حساب الزوجة، تزيد من حدّة الوضع.

في "سيدي فالنتاين"، يبدأ الواقع في الاختفاء تدريجياً، فالغرائبيّة تحتلّ المشهد بروية. تفاصيل تؤكّد هذا، فالسيارة تختفي، والفتاة التي فيها أيضاً، لكنّ علاقة لطفي بندى، التي تبدأ (العلاقة) في محل بيع الشوكولاته، تشي بتغييراتٍ في الذات والروح والانفعال، وتدفع الفرد إلى معاينة أحواله بنظرةٍ أخرى. الواقعية في "مسلخ السعادة" تقترب كثيراً من اللامعقول، لشدّة قسوتها وانغماس ناسها في أمور وحالات تُعطّل عيشاً طبيعياً ومقبولاً. أما "كازوز"، فيكشف بواطن اجتماع وسلوك وعلاقات، في أناسٍ وأمكنةٍ، بأسلوبٍ مبسَّط وعادي.

أهمية المرويّ في الأفلام الـ3 ينقصها، أحياناً، أهمية شكلٍ سينمائي له. "مسلخ السعادة" أمتنها، فنياً وتقنياً ودرامياً وجمالياً. عبد الحميد بوشناق بارعٌ في جعل شخصيته السينمائية مرايا بيئة وأناسٍ وأحوال. تصويره (حاتم الناشي) في ركضه ولهاثه وغضبه، وفي سعيه إلى تجاوز العقبات قبل لقائه الحبيبة، يُضيف زخماً بصرياً جميلاً إلى أدائه، المتمثّل بحركة ونبرة ونظرات وبساطة ومتابعة وتوتر. أداء فاطمة الزهراء قنبوع ملائم لشخصية شابّة جميلة، تلتقي شاباً وسيماً صدفة، فتجد نفسها فجأة في رحلةٍ إلى أعماق الحياة وقاع المجتمع وبواطن الأشياء. ورغم لحظات قليلة تُقدّم فيها ندى بشيءٍ طفيفٍ من ادّعاء أو مبالغة في لقطةٍ أو تصرّف، تبدو قنبوع أكثر حِرفية وتماسكاً في تأدية شخصية ندى.

حِرفية الاشتغالات السينمائية عادية وبسيطة، من دون تقديم بعض المختلف في صوغ نصّ، وتحقيق مشهدٍ. التزام جوهر الفكرة (حبّ وحياة) يؤدّي إلى سرديات عادية، مستلّة من اجتماع ومشاعر، تبقى متواضعة للغاية في "كازوز"، وتؤكّد براعة كوثر بن هنية في إنجاز أفلام قصيرة متقنة وجاذبة، وتُكمِل سيرة هشام العسري في تحطيم الواقع، والذهاب به إلى مطارح بصرية مختلفة.

المساهمون