ضمن فعاليات مهرجان الرحّالة لمسرح الفضاءات المفتوحة بدورته الثانية، والمقام في العاصمة الأردنية عمّان، قدّم مسرح عشتار الفلسطيني، تحت عنوان "2077 من يريد البقاء"؛ مونودراما خيال علمي فلسطينية ذات طابع بوليسي، بلغة تمزج الدارجة المحلية والفصحى، بعد أن كان قد أُنتج بالإنكليزية قبل قرابة عامين.
وفي ساحة مسرح أسامة المشيني، قدّم الفنّان إميل سابا أدواراً متعددة، عبر حكاية محقق يكتشف مع الوقت الجيل المقبل للبشرية، وهم ذلك النوع من الروبوتات المصنعة بتقنية الذكاء الاصطناعي، والشبيهة بالإنسان حدّ التطابق، بعد أن فقد صانعوه سيطرتهم عليه، فيقرر إبادة الجميع، مع أنه بات متمكناً من صناعة المشاعر أيضاً، فنراه قدّم شخصيته الأساسية فجسّد دور المحقق هارولد هاريسون، والمليارديرة إليزابيث يونغ، والسائق حمادة، وآدم رائد الإصدار الجديد من البشرية، وغيرهم.
تدور الأحداث عام 2077، بعد أن انتصرت البشرية على الفقر والمرض والجوع، وبعد أن تلاشت الدول القومية، إذ شرعت نخب العالم الجديد في تحقيق الخلود والسعادة الأبدية، وتحسين التكنولوجيا الحيوية، وكلما حققواً نجاحاً أكبر في ذلك، أصبحت الغالبية العظمى من السكّان فائضة عن الحاجة. وبمساعدة السايبورغ وأنظمة الأسلحة المتطورة التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي، تتخلّص هذه النخب من تلك الكتل البشرية غير المفيدة، وتأسرهم بالملايين في أحياء معزولة عن باقي العالم بجدران عالية. في هذه الغيتوات الضخمة، يعيش الناس في فقر ومرض وجوع، فيما سؤال العودة للحياة العادية غير مطروح. في أحد هذه الغيتوات، يحقق هارولد هاريسون في قضية اختفاء معقدة.
العمل من كتابة بيان شبيب وسيمون إيفلر، وموسيقى كريستيان ببيبو بيترز، وفكرة وإخراج سيمون إيفلر أيضاً، ودراماتورجيا إيمان عون، وإضاءة وصوت إدوار معلم، في تعاون فلسطيني ألماني نشأ خلال فترة الوباء والعزلة التي فرضها على البشرية؛ إذ أنجز من نقطة الصفر، ليكون مُبتكراً في أسلوبه وموضوعاته، ويقدّم نهجاً جديداً.
ومن الأسئلة التي تطرحها المونودراما هذه، عمّا سيتبقى من البشرية بعد رحيلها، وإحلال النسخة الجديدة من البشرية ممثلة بآدم الذي أنتجه الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن لأي تفريقه عن البشر، من دون أن تقدّم إجابات، وإن كان السؤال مهماً وملحاً، خاصة في زمن الجائحة، قبل عامين أو ثلاثة، وفي ظل الحروب المتواصلة.
المثير أن العمل تنبّأ بسيطرة الذكاء الاصطناعي بمكوّناته على البشر، وبقدراته الخارقة التي قد تفوق صانعيه، لكن القائمين على العمل المسرحي لم يتوقعوا أن يأتي ذلك سريعاً، أي بعد عامين، وتحديداً منذ نهاية 2022 و2023 وما بعدها، وليس في 2077 كما كانوا يعتقدون، وهو التوقع الذي بات واقعاً بتحذيرات الأمم المتحدة من فقدان السيطرة على الذكاء الاصطناعي وتبعاته الكارثيّة.
تدور أحداث هذه المونودراما، وهي من إنتاج مسرح عشتار في رام الله ومسرح بريدجوركس الألماني، حول "هارولد هاريسون"، المحقق الأفضل في المنطقة، وهو الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة، أثناء التحقيق في اختفاء رجل مفقود، يتبيّن لاحقاً أنه آدم، مدشن النسخة البشرية الجديدة، وهو الذي يلتقيه من دون أن يعرف ماهيته فجأة، إذ يلتقي في زيارة خاطفة إلى منزله شاباً غامضاً يرتدي بدلة حمراء، ويبدو مضطرباً وقلقاً، يطلب منه المساعدة لكنه يختفي بالسرعة التي ظهر فيها، في ذات الليلة. يُختطف هاريسون من داخل جدران المنطقة، إلى حيث إقامة المليارديرة إليزابيث لونغ التي تطلب العثور على ابنها المختفي منذ حين، قبل أن تكشف له أنها جزء من مؤامرة تهدّد البشرية كلها، وأنها كانت من بين مصنّعي "بشر الذكاء الاصطناعي" أو "بشر السايبورغ"، لتضع على كاهله العثور على آدم، لعله ينقذها ونفسه والبشرية كلّها من الفناء.