2020 في ست صور: هل سيتغيّر التاريخ؟

05 يناير 2021
احتفلت ووهان، مصدر الوباء، بالقضاء على فيروس كورونا بإقامة مهرجان مائي (Getty)
+ الخط -

يبدو السؤال المطروح في العنوان "هل سيتغير التاريخ، وتتغير رؤيتنا له؟" ساذجاً، أو عنواناً لكتاب تجاريّ، لكنه متكرر في عناوين مقالات آخر العام المنصرم، التي يطرح فيها الخبراء وغير الخبراء الآثار طويلة الأمد التي يمكن أن يتركها الفيروس، والحالة الاستثنائيّة التي فرضت على البشريّة.

هنا، تأتي الصورة، في قدرتها على اختزال الكثير مما شهدناه: الهشاشة البشريّة، وعنف السلطة، والجهل. أبرز ما يمكن قوله بخصوص هذا السؤال، هو "سهولة" التطبيع، إذ فضحت الإجراءات الاستثنائية الممتزجة مع الرعب أننا كبشر نعيش خوفاً هائلاً، وأن حيواتنا بأكملها قابلة للتلاشي، فالبنى التحتية والتطور العلمي اللذان تتغنى بهما الدول المتطورة، ليسا إلا وهماً، إذ فضح الوباء مقدار الضعف في المؤسسات المسؤولة عن حياتنا. والأهم، كشف سهولة انصياعنا للأوامر الاستثنائيّة أمام أدنى تهديد لحيواتنا، تلك التي من المفترض أن تضمنها الدولة، والتي تُدفع الضرائب وتُنهب والثروات من أجل الحفاظ عليها.

وهذا ما نراه في صورة نشرت في "نيويورك بوست"، التقطها فيليبو فينيزيا، لمواطنين إيطاليين في مستشفى فاضت غرفها الرئيسية وما تحويه من أسرّة، فوجد الناس أنفسهم في هنغار واسع، على أسرة بلاستيكيّة، لا قوة لهم إلا على الانتظار.

أي تاريخ هذا الذي نتحدث عنه، ذاك السياسي أم الثقافيّ، خصوصاً أمام عودة "الشهادة الشخصيّة" لاحتلال المرتبة الأولى كشكل من أشكال التعبير عن النفس.

الصور والنصوص والفيديوهات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، حولت حربنا ضد الوباء إلى حرب سياسيّة بين "الكل" الذي يسعى للأمن، وبين "الفرد" الذي يريد الحفاظ على فردانيته. وهذا ما نراه في صورتي السيلفي (قبل وبعد) اللتين التقطهما مايك شولتز لنفسه بعد تعافيه من كورونا، إذ نراه بعد تعافيه فاقداً للكثير من وزنه وكتلته العضليّة، وكأنّ الجهود التي بذلها للحفاظ على ذاته وتطويرها ومشاركتها مع الآخرين تلاشت، إذ جاء الوباء وكشف هشاشة الأنا وتقنيات "الصحة"، أمام لحظة الخطر والعجز الطبيّ.

قراءة التاريخ الآن أشبه بمشاهدة أفلام الخيال العلمي الهوليووديّة، تلك التي قدمت متخيلاً يتصوّر أن الحكومات العالميّة ستكون عاجزة، وستأتي الولايات المتحدة لإنقاذ الجميع. لكن العكس كان الأصح، الحكومات في أوروبا كانت الأشد في مكافحة الوباء، في حين أن الولايات المتحدة ما زالت متخبطة. صورة البطل التقليدي والعالِم الذي يأخذ المخاطر من أجل "إنقاذ العالم" انهارت، فالعلماء ذوو الأثر الأشد يعملون بصمت، لا نعرف عنهم الكثير، والأهم ليسوا أميركيين، بل أوروبيون.

انهيار أسطورة البطل الخارق الأميركي نراها في الصور التي التُقطت عبر الدرون لقبور جماعيةّ لضحايا كورونا، الذين لم تتمكن الدولة من إنقاذهم.

المثير للاهتمام أن عدداً من نبوءات مفكري اليسار قد تحققت، خصوصاً تلك المتعلقة بدور الدولة وأساليب هيمنتها. لكن، بالرغم من ذلك، لم تُقدَم أي حلول مختلفة عما وصفوا مستقبل العالم به، ما جعل السخرية من المعرفة والحقيقة في أوجها، وتكشّف للكثيرين أننا كبشر لا نمتلك نظاماً راسخاً للحفاظ على حياتنا، وعلينا فقط أن نتأقلم مع "المستنقع" الذي نعيشه. في ذات الوقت، رأى البعض أن حالة الاستثناء الصحية هذه مصطنعة، وليست إلا وسيلة توظفها الدولة للسيطرة الحيوية على مواطنيها، وهذا ما نراه في صورة بعنوان أقنعة لـ"بات فيلد" والتي يظهر فيها فيلسوف حالة الاستثناء الإيطالي جورجيو أغيمبين لا يرتدي كمامة على طاولة الحوار.

 

الأهم، ديمقراطيّة المعلومات لا تعني ديمقراطيّة المعرفة. تداول نظريات المؤامرة وإنكار الوباء في أشدها، وكلفت الكثيرين حياتهم؛ إذ أصبحت "الحقيقة" الطبيّة مثل الأخبار التي نشكك بها ولا نصدقها. ونقصد هنا حقيقة وجود كورونا أو لا، في خضم كل ذلك، ظهرت أمامنا صور الحفلة المائية التي أقيمت في ووهان، مصدر الوباء الأول، والتي أذهلت الجميع حين أعلنت أنها ستقيم حفلة بمناسبة القضاء على الوباء.

الصور المنتشرة من الكثير من الدول العربيّة التي لم تفرض إجراءات وقاية، أو لا تمتلك البنية التحتية الطبية اللازمة للوقوف بوجه الوباء، كشفت العدمية التي يعيشها الكثيرون، ولا نعني هنا الاستسلام للأمر الواقع، بل محاولة شعوب هذه الدول النجاة ضمن ما يحدث، إذ تحول تأمين متطلبات الحياة إلى مغامرة حقيقية، وتهديد بالموت. ظهر بوضوح عدم اهتمام بعض الدول العربيّة بكرامة مواطنيها، وهذا ما رأيناه في أقفاص الخبز التي بنيت مؤقتاً بجانب بعض المخابز في دمشق، بحجة تنظيم الدور ومنع الاكتظاظ.

المساهمون