مسنّ يرتدي الزي الفلسطيني التقليدي والكوفية الحمراء يفترش الأرض ويصبّ الشاي في كأسه الزجاجية، وتتوزع ابتسامته على كامل وجهه رغم حالة الفقر التي عكستها ملابسه الممزقة، وعلى مقربة منه تجلس سيدة على أريكتها تحيك ثياباً شتوية لابنها أو ابنتها، وبدوية من غزة بزيّها المميز.
بجانبهم ملثم يعزف العود، وليس بعيداً عنه سيدة بثوبها التقليدي المطرز تضع شالها على رأسها، وأخرى بلباسها الأسود، ثم شاب يرتدي الكوفية الفلسطينية المرقطة بالأسود والأبيض يحمل منجله ويحصد سنابل القمح، وسيدة تحمل طفلها خارج منزلهما، وأخريات يبعن الفواكه والخضار في سوق شعبية.
هذه بعض مشاهد من لوحات معرض مئة لوحة من غزة، الذي افتتحته وزارة الثقافة الفلسطينية في قاعة الجليل بمتحف محمود درويش بمدينة رام الله، الأربعاء.
وحضرت في المعرض لوحات تحاكي الطبيعة، وأخرى توثق المنازل بتقنيات متعددة، ورسومات لقبة الصخرة المشرفة في القدس.
وأشار وزير الثقافة الفلسطيني، عاطف أبو سيف، إلى أن جميع اللوحات المعروضة لفنانين لا يزالون في قطاع غزة، ومنهم من استشهد في الحرب المتواصلة منذ أكثر من أربعة أشهر داخل غزة بفعل القصف المتواصل لقوات الاحتلال، لافتاً إلى أن الفكرة من المعرض، الذي تم جلب لوحاته قبل العدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هي تسليط الضوء على الفن والإبداع التشكيلي والبصري في قطاع غزة.
واعتبر أبو سيف تنظيم المعرض في هذا التوقيت بمثابة "تحية للفنانات والفنانين من أجيال مختلفة في قطاع غزة، وغالبيتهم في مراكز ومخيمات اللجوء بمدينة رفح وأحيائها المختلفة، لاسيما أن جميع مراسمهم سواء في منازلهم أو في المؤسسات التي كانت تحتضن أعمالهم تم تدميرها من قبل قوات الاحتلال"، مضيفاً: "الفن الفلسطيني خسر آلاف اللوحات التي أنتجها المبدعون في غزة، علاوة على استشهاد عدد منهم".
وشدّد أبو سيف على أن "هذه اللوحات هي آخر ما نجا من إبداعات الفنانين الفلسطينيين الأصلية في قطاع غزة"، لافتاً إلى أنه سيصار إلى إصدار كتاب يوثق هذه اللوحات بإشراف الفنان محمد الحواجري.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، كشف أبو سيف أنه تمت إضافة لوحات جديدة من بينها لوحة ناجية للفنانة الشهيدة هبة زقّوت من مقتنيات الفنان عبد الهادي يعيش، وأن المعرض سيتجول في محافظات الضفة الغربية كافة، إضافةً إلى الأردن، ودول عربية وأجنبية أخرى.
فيما شدّد مدير مؤسسة محمود درويش، فتحي البس، على أن رسالة المعرض تقول: "الفن يبقى، والرواية بكافة أشكالها تبقى، وستبقى أعمال الفنانات والفنانين الغزّيين جزءاً من الذاكرة الجمعية الفلسطينية".
وقال المشرف على المعرض ومدير دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، وليد أيوب، في حديث مع "العربي الجديد": "جرت لقاءات مع العديد من الفنانين في قطاع غزة لإنجاز هذا المعرض قبل الحرب بعام، وكان ثمة صعوبات في نقل اللوحات، لكن تم تجاوزها من خلال قيام وزير الثقافة بنقلها بنفسه على شكل لفافات".
ولفت إلى أن اللوحات معروضة للبيع والاقتناء للمؤسسات والأفراد، على أن يعود ريعها للفنانين.
وعبّر جزء من اللوحات عن واقع الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة، بدءاً من حرب 2008 وصولاً إلى 2021، فيما قدم بعضها الآخر نظرة تأملية، كما خرجت لوحات أخرى من الحدود الجغرافية لترسم الحكاية الفلسطينية برمتها.
وقدّم المعرض لوحات لعددٍ من الفنانين هم: دنيا مطر، وميسرة بارود، وشريف سرحان، ومحمد الكرنز، وإبراهيم العوضي، وعبير جبريل، وميساء يوسف، وأشرف سحويل، وباسل المقوسي، ورائد عيسى، وعبد الرؤوف العجوري، وغانم الدن، وفارس عيّاش، ومحمد حرب، وماجد شلا، ورشيدة سحويل، ومحمد الحواجري، ومحمد الحاج، ورقيّة اللولو، وخالد عيسى، ونضال أبو عون، وفاخر عوض، ومعتز نعيم، وسمير الحلاق، والشهيدة هبة زقوت.