10 وصايا لسينما التحريك بحسب توم مور

08 اغسطس 2022
توم مور: ابحثْ عن الإلهام في حياتك ومحيطك (جِفْ فيسْبا/وايرإيماج/Getty)
+ الخط -

 

عام 1999، العام الأخير لدراسته في "جامعة باليفارمث" (ضاحية دَبلن)، أنشأ توم مور (45 عاماً) استديو التحريك "كارتون سالون" برفقة زميليه بول يونغ ونورا تومي، وحقّق بفضله ثلاثة أفلام تحريك طويلة، ثنائية الأبعاد، تزاوج بين تقنية تحريك تقليدية في العمق، ونزعةٍ تنهل من الموروث الثقافي والحكائي لبلده، مُشكّلاً ما أُطلق عليه "ثلاثية الفولكلور الأيرلندي": "سرّ كليز" (2009) بالاشتراك مع نورا تومي، و"أغنية البحر" (2014)، و"ووفوالكرز" (2020) بالاشتراك مع روس ستيوارت.

أفلامٌ نالت استحساناً نقدياً واسعاً، وجوائز رفيعة عدّة (آنّي، آنسي، جوائز السينما الأوروبية، إلخ.)، ورُشّحت كلّها لـ"أوسكار" أفضل فيلم تحريك، في حالة نادرة من نوعها لمخرجٍ غير أميركي.

ثلاثة أفلام طويلة فقط في 20 عاماً، تعكس صعوبة صنف التحريك من ناحية، لكنّها تترجم أساساً تطلّب وحرص أحد أهمّ ممثّلي الجيل الجديد من مخرجي التحريك الأوروبيين على استقلالية أفلامه، رغم إغراءات الاستوديوهات الأميركية، وعلى تفرّدها الذي يتمتّع بمحلّية خالصة من ثقافة أيرلندا، وبصدق تفاصيل حياته اليومية، وملامح من محيطه وأفراد عائلته، مُستعيناً على ذلك بممارسة التأمّل والاستمرار في التعلّم والتدرّب على الرسم، ودراسة فنانيه المفضّلين، كما أوضح في "ماستركلاس" جمعه بمشاهدين ومهتمّين، في الدورة الـ20 (6 ـ 11 مايو/أيار 2022) لـ"فيكام" بمكناس.

 

ابحثْ عن أشخاصٍ يرغبون في خوض المغامرة معك.

"النصيحة التي أقدّمها، عادة، والتي أعتقد أنّها ساعدتني كثيراً، تتعلّق بالعثور على أصدقاء مُستعدّين للذّهاب في رحلة معك، أو على نوعٍ من عصابة تمكّنك من العمل معاً. هكذا أصبحنا، أصدقاء لي وأنا، قادرين على إنشاء استديو، حافظ على روح ما اختبرناه في دراستنا الجامعية كصانعي أفلام شباب، ثم إيجاد شركاء إنتاج لديهم الروح نفسها، كديدييه برونر (منتج فرنسي مخضرم، شارك في إنتاج "سرّ كليز" ـ المُحرر). أفترض أنّ هذه نصيحتي الأولى: ابحث عن أشخاصٍ يرغبون في خوض المغامرة معك. يُمكنكم القيام بالكثير مما لا يُمكنك القيام به بمفردك".

 

اشتغِلْ بما تحبّ.

"لا يهمّ ما اخترت القيام به، طالما أنّك تحبّه. إذا كنتَ تريد أنْ تفعل شيئاً ما، افعلْه. سهلٌ القول إنّك كاتب. لكنْ، عليك أنْ تكتب. سهل القول إنّك فنان. لكنْ عليك أنْ ترسم. يتعلّق الأمر بالسّيرورة أكثر من النتيجة. مهمٌّ أنْ تُواصل الاشتغال، حتّى ـ أو ربما أكثر ـ حين تعتقد أنّك وجدت أسلوبك. أفضل اقتباس سمعته حول هذا، كان عن بِتْ دوكتر (مخرج أميركي يعمل في "بيكسار"، إحدى أبرز شركات صُنع أفلام التحريك ـ المُحرّر): "إنّك لا تُنهي فيلمك أبداً. فقط يُنتَزَع منّك حتّى يُمكن إطلاقه". أعتقد أنّ الشيء نفسه ينسحب على كلّ أنواع الفن".

 

ابحثْ عن الإلهام في حياتك ومحيطك القريب.

"ينطلق كلّ شيء من دفتر الرسم الخاص بي، وحياتي الشخصية، واشتغالي على فنانين آخرين، أحبّ عملهم. يأتي كلّ مشروع من شيءٍ موازٍ، يتعلّق بحياتي الشخصية، ثم أبدأ في البحث، بشكل أعمق. فجأة، أجد نفسي مع كرة ثلجية صغيرة، تبدأ في التدحرج، وتصبح أكبر فأكبر. بطريقة غريبة، أشعر بأمان أكثر بالبقاء في مدينتي، والاستمرار في فعل ما كنتُ أفعله عندما كنتُ مُراهقاً، بدلاً من الخروج إلى العالم "المتوحّش"، فأكون مجرّد شخصٍ آخر يبحث عن تحقيق النجاح في هوليوود. فقط عندما أعود إلى الوراء، يبدو لي كم كان الأمر شجاعاً. لكنْ، بطريقة غريبة، علمتُ منذ أنْ كان عمري 13 أو 14 عاماً، ما كان ينبغي عليّ فعله".

 

لا تسْعَ إلى إخفاء مرجعياتك.

"يحاول بعض المخرجين إخفاء مرجعياتهم. أنا، على عكس ذلك، أحبّ أنْ أحافظ على تأثيرها، وأعمّقه. أمضيتُ الأشهر الستة الماضية في دراسة الفنانين الذين أحبّهم، مثل إيغون شيله وغوستاف كليمت. آمل أنْ أتمكّن من الاحتفاظ بنتائج هذه الدراسة، للاستعانة بها في مشاريعي المستقبلية. صنعتُ مؤخّراً نوعاً من "ستوري بورد" عكسيّ، انطلاقاً من أحد أفلام وِس أندرسن، الذي أحبّ عمله حقاً، بالاستناد إلى رسومات ابني عندما كان عمره 10 أعوام. أعتقد أنّ الهمّ الرئيسي، المتعلّق بالتأثيرات، أنّه يجب أنْ يكون لديك الكثير منها. إذا كانت لديك مرجعية واحدة فقط، فأنت تنسخ فقط. لكنْ، إذا كانت لديك تأثيرات عدّة، فستتضافر لتصبح أسلوباً جديداً".

 

تأمّل.

"بعد الانتهاء من فيلمي الأول، أمضيتُ فترةَ تأمّل في قريةٍ، في جنوب فرنسا، مع راهبٍ فيتنامي. لطالما وجدتُ التأمّل صعباً. لكنّي، عندما مارسته عن دراسة، أدركتُ أنّ هناك صلة قوية جداً بينه وبين الرسم. سمح لي ذلك بدراسة فنانيّ المفضّلين بشكل أعمق، بالموازاة مع العمل على رسوماتي الخاصة. تؤكّد زوجتي ووالدتي أنّي أغدو شخصاً أفضل عندما أمضي ساعاتٍ في الرسم. أعتقدُ أنّ الهدف من التّأمل يكمن في الاقتراب من الحالة التي تنخرط فيها أفكارك، بصفة تامّة، في اللحظة الحالية. أدركتُ، أثناء تأمّلي وسط طبيعة القرية، أنّ الملاحظة والرسم، لا التصميم أو التفكير باستخدام مخطّط، مجرّد الرسم انطلاقاً من الحياة، وسيلة لإبطاء الزمن والوعي العميق بالأشياء، ما مَكّنني من بلوغ حالة طافية، لم أكن أفكّر أثناءها في المستقبل أو الماضي. فقط، حيث كنتُ موجوداً".

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

حافظ على استقلاليّتك.

"خضعتُ لنوعٍ من اختبار الإيمان، مباشرةً بعد أنْ أنهيت "كتاب كيلز"، لأنّنا كنّا مُفلسين تماماً آنذاك. تلقّينا عروض عمل كثيرة من الولايات المتحدة. بما أنّ فكرة فيلمي التالي، "أغنية البحر"، كانت تختمر في رأسي، حاولتُ عرضها على مسؤولين في استديوهات كبرى، إلاّ أنّهم جميعهم أرادوا القيام بذلك بتقنية CGI (الصُوَر المُصمّمة بواسطة الكمبيوتر ـ المُحرِّر)، أو تغيير أشياء كثيرة في المشروع. عندها، أدركتُ أنّي وجدتُ، بالفعل، طريقةً لصُنع سينما مستقلّة بموازنةٍ صغيرة، مع حرية فنية كبيرة. أعتقدُ أنّ هذا شيءٌ مميّز ينبغي الحفاظ عليه، كبذرةٍ تنمو شيئاً فشيئاً، بدلاً من الضياع في أدغال هوليوود. جميع أصدقائي الذين أعرفهم في هوليوود، الأعضاء في أكاديمية "أوسكار"، مثل بيت دوكتر وجيم كابوبيانكو وبريندا تشابمان، قالوا لي: "صوّتنا لترشيحك لـ(أوسكار)، لأنّنا أردنا رؤية شيءٍ مُختلف. استمرّ في هذا المنحى". ترشيحات "أوسكار" و"آني" تشجيعٌ لمواصلة تقديم قصصٍ متفرّدة. أعتقدُ أنّ جيري بِكْ، أحد مؤسسي موقع Cartoon Brew، قال لي: "لا أريدك أنْ تأتي إلى هنا لإنجاز "السّنافر 4"، أو شيء من هذا القبيل. أخرج لنا مزيداً من القصص الأيرلندية" (...)".

 

إحكِ عن أشياء محلية وأشخاصٍ تحبّهم.

"كتبتُ "أغنية البحر" مع الكاتب الأيرلندي ويل كولينز. هذا نوع من فيلم حنينٍ إلى الماضي، يروي فولكلور الـ"سيلكيين" (كائنات ميثولوجية، تستطيع التّحول من شكل الفقمة إلى هيئة بشرية، عبر التخلّص من جلدها ـ المُحرّر). محاولة لخلق امتداد لهذه القصص، وإحياء التراث المتعلّق بها، كما رواه لي والداي. الفولكلور الأيرلندي هو الموضوع، والحفاظ على أصالة العلاقة بجذور ثقافتنا. على مستوى آخر، أتحدّثُ عن أسرتي الصغيرة أيضاً، لأنّ هذا الفيلم مُرتبط جداً بدفتر الرسم الخاصّ بي. هذا الشيء الوحيد الذي يُمكن أنْ يُساعدك على تحمّل أنْ يعيش الفيلم معك 5 أعوام، من دون أنْ تملّه. أنْ تملأه بأشخاصٍ تُحبّهم وتعرفهم. أسندتُ الشخصية الرئيسية إلى ابني، والكلب في الفيلم يعتمد على كلبي، وشخصية الأم مبنية على أمي الحقيقية (يضحك). يُمكنك أنْ تتوقّع أنْ ترى المزيد والمزيد من هذا، مع مرور السنين. لديّ حفيدةٌ صغيرةٌ الآن. أتصوّر أنّها ستظهر في أحد أفلامي، في المستقبل".

 

ابحث عن أسلوبك الخاص انطلاقاً من الموازنة المتوفرة لديك.

"عندما أنشأنا الاستديو، لم يكن هناك أيّ نشاط تحريكٍ يُذكر في أيرلندا، بعد رحيل الاستديوهات الأميركية الكبرى، التي حلّت في بلدنا، في الثمانينيات، بسبب انخفاض كلفة الإنتاج. كنّا فنانين أولاً. لم نُنْشئ الاستديو كعمل تجاري. انصبّ تركيزنا على محاولة إيجاد طريقة لصنع أشياء نحبّها، ونتوق إلى مُشاهدتها، ولم نكن نراها في ما يُنتج. أتذكّر أنّي تحدّثت كثيراً مع بول ونورا، ومع بعض المؤسّسين الآخرين، حول كيفية تحقيق شيء ناجع، انطلاقاً من الإمكانات والوسائل التي كانت لدينا. الفكرة كانت أنْ نُلقي نظرةً على مسلسلات التحريك التلفزيونية، أو الأعمال اليابانية، أو تلك الآتية من أوروبا الشرقية، أو أيّ شيءٍ كان يتعامل بذكاء مع الإمكانات المتوفرة. هذه مدارس لم تتظاهر بأنّ لديها ميزانيات كبيرة، فصمّمت أسلوباً يتناسب مع موازناتها. لذلك، ركّزنا في اشتغالنا، في البداية، على التصميم الفني، لأنّنا، في كلّ الأحوال، لن نتمكّن من مضاهاة الأسلوب الفاخر لـ"ديزني" في تقنية التحريك. قلنا لأنفسنا: "دعونا نحكي قصصاً بتقنيات رسم مبدعة، وتصميمٍ فنّي مجدّد، مع مجهود على مستوى اختيار الألوان والموسيقى والأصوات". حسناً، لا يُمكننا الحصول على حركة رائعة للشخصيات منذ البداية. لكنْ دعونا نكتفي بحركة مُرضية. بعد ذلك، ببطءٍ وتأنٍّ، تمكّنّا من الحصول على سمعةٍ طيّبة، واستطعنا تحسين الأشياء التي لم نحقّق انطلاقةً جيّدة فيها. كان اختيارنا الفنّي التركيز على الرؤية الفريدة، والتصميم الفريد، والصوت الفريد، والقصص الفريدة. ربما لم نتمكن، فنياً، من تحقيق أعمال تحريك بمستوى "ديزني"، لكنّنا اكتشفنا أسلوبنا الخاص".

 

لا تتوقّف عن التعلّم.

"فكرة الاستديو الحفاظ على الروح التي جمعتنا عندما كنّا في نادي المخرجين الأيرلنديين الشباب. روح الاستمرار في التعلّم طول الوقت. لطالما ألهمني الأشخاص الذين أعمل معهم. حتّى عندما أوظّف أحدهم للعمل على مشروع جديد، أحاول توظيف أشخاص أعتقد أنّهم أفضل مني، ويُمكنني أنْ أتعلّم منهم في مجالٍ ما. كان "ووفوالكرز"، حقّاً، رسالة حبّ للتحريك التقليدي. أحياناً، تشاهد فيه رسوماً متحرّكة تقريبية، تقول بخشونة خطوطها شيئاً عن شعور الشخصيات؛ وأحياناً أخرى، تكون الرسوم أكثر "نقاءً"، ما يسمح بقول أشياء أخرى عمّا يمور في دواخل الشخصيات. ما يهمّ هو الاستمرار في التعلّم طول الوقت، والدفع بالبحث عن الأشكال إلى الأمام. آمل ألا أتوقّف عن التعلّم أبداً، حتّى أموت. يحاول ريتشارد ويليامز، أحد مُثُلي العليا في التحريك، باستمرار، تطوير نفسه والتعلّم. التقيتُه مؤخّراً، فأدهشني حرصه المستمرّ على اكتساب مهارات جديدة، وحماسته للرسم، رغم أنّه يبلغ 82 عاماً. كم أتمنّى أنْ أكون مثله عندما أبلغ هذا العمر".

 

تقاسَم عملك.

"أتقاسم كلّ شيء أنجزه تقريباً، ولا أفكّر في ما سيقوله الآخرون عنه. فقط ألتقطُ صورة لما أرسمه، وأشاركها. بعد ذلك، يُمكنني الرجوع إلى الصُور لاحقاً، وإلقاء نظرة لمعرفة ما إذا كان هناك تقدّمٌ أم لا. هذا نوعٌ من العلاج بالتعرّض، إنْ شئتَ (يضحك). أعتقدُ أنّ أحد الأشياء المُفضّلة لديّ بخصوص الإنترنت، عندما بدأتُ التدوين لأول مرة، لأنّي لم أكن أجد أي مكان يكون فيه الناس صادقين بشأن ما يتطلّبه صنع فيلم تحريك، فشرعت في التدوين كنوعٍ من المعاملة بالمثل. أي أنّك حين تقتسم عملك فيشاهده شخص ما، ويحصل على فائدةٍ معيّنة من ذلك، فإنّه يَمدّك بملاحظةٍ أو نصيحةٍ تستفيد منها بدورك. آملُ أنْ يساهم ذلك في تغيير ثقافة التباهي بالأشياء المثالية على الشبكات الاجتماعية. أجد إلهاماً كثيراً بفضل الإنترنت. أعتقدُ أنّك إذا وجدت فنّانين مناسبين، مُستعدّين لتقاسم عملهم وتقدّمهم في البحث، فإنّ تجربة الإبحار يُمكن أنْ تُصبح مفيدةً حقّاً. ينبغي فقط أنْ تُتابع الأشخاص المناسبين. بعض أفضل تجارب التواصل، التي خضتها في صناعة التحريك، جاء من مشاركتي مشاكل تواجهني، وحصولي على ردّ فعل أحدهم، تقاسم معي خلاصة تجربته في المشكلة نفسها، وقدّم لي نصيحةً عن كيفية تجاوزها".

المساهمون