دشّنت وزارة السياحة الإيطالية، أخيراً، حملة ترويجية تدعو من خلالها شباب العالم إلى زيارة إيطاليا. الحملة التي أُطلقت دولياً قبل أسابيع قليلة فقط، تبنت طريقة مختلفة للترويج السياحي، اعتماداً على واحدة من أيقونات الثقافة الإيطالية، وهي لوحة "ولادة فينوس" (The Birth of Venus) لفنان عصر النهضة، ساندرو بوتيتشيلي (1445 – 1510). وظفت الحملة وجه فينوس، ربة الحب والجمال عند الرومان، كما رسمها بوتيتشيلي، وحولتها إلى فتاة ترتدي ملابس عصرية، وصانعة محتوى تنبض بالحياة وتدعو متابعيها إلى زيارة إيطاليا. تظهر فينوس في هذه الحملة الترويجية التي تكلفت قرابة 10 ملايين دولار، لكن مع تعديلات مثيرة، فهي تحاكي فتيات الإعلانات في لفتاتها وحركاتها، وتمسك هاتفاً في يدها، وتظهر أيضاً وهي تلتقط صوراً شخصية على خلفية المعالم الإيطالية الشهيرة.
لوحة بوتيتشيلي التي أبدعها فنان عصر النهضة الشهير في ثمانينيات القرن الخامس عشر، واحدة من أهم الأعمال التي تعود إلى هذا العصر، وهي إحدى مقتنيات متحف أوفيزي (Uffizi) في فلورنسا. تصور اللوحة فينوس على الشاطئ عارية بعد ولادتها، وهي لوحة بمساحة كبيرة (278 سم في 172 سم).
الحملة الترويجية المثيرة تستهدف فئة الشباب في المقام الأول، فهي تستخدم أدوات العصر وتخاطب الفئة العمرية الصغيرة التي يطلق عليها جيل زِد. غير أن مروّجي هذه الحملة لم يكونوا على الأرجح يتوقعون أن مادتهم الدعائية تلك ستقابل بعاصفة من السخرية اللاذعة من هؤلاء الذين يستهدفونهم. فور إطلاق الحملة الترويجية على صفحة وزارة السياحة الإيطالية، انتشرت صور فينوس الجديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، مصحوبة بالعديد من التعليقات الطريفة والساخرة. لم يقتصر الأمر على هذا الحد، فقد أقدم بعضهم على إضافة بعض التعديلات على الصور، لتظهر فينوس مثلاً بصحبة أحد زعماء المافيا الإيطالية البارزين، أو إلى جوار سلة قمامة، وظهرت أيضاً وهي تروج لأحد مصانع النبيذ.
لم يقتصر السجال حول هذه الحملة الترويجية بين فئة الشباب أو على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، فقد امتد أيضاً إلى أروقة المتاحف ونقاشات النقاد والمهتمين بالفن. أعلن بعضهم رفضه لتوظيف إحدى أيقونات الثقافة الإيطالية في حملة دعائية، واصفين إياها بالساذجة، وذهب آخرون إلى أن الحملة تنمّ عن عدم احترام الفن والتراث الفني. يجادل النقاد بأن الحملة تقلل من أهمية تحفة بوتيتشيلي، وتحولها إلى مجرد حيلة تسويقية، وأن مثل هذا النهج لا يحترم نيّات الفنان الأصلية فحسب، بل يقلل أيضاً من القيمة الثقافية والتاريخية للعمل الفني، الذي يجب التعامل معه بما يليق بمكانته.
تحويل فينوس بوتيتشيلي إلى صانعة محتوى يرمز إلى توجه بات واضحاً هذه الأيام ويثير قلق كثيرين، إذ يهدف هذا التوجه إلى تسليع الفن والتراث الثقافي وتوظيفه في عمليات التسويق. ترى بعض الآراء أن مثل هذه السلوكيات ترسخ فهماً سطحياً للفن، وتحوله إلى مجرد أداة لزيادة المشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل الترويج للسلع. كذلك يخاطر مثل هذا النهج بإضعاف القيمة الحقيقية لهذه الإبداعات والرمزية التي تمثلها، ما قد يؤدي إلى فقدان الأصالة والفهم الحقيقي لها بين الأجيال القادمة.
رداً على هذا الهجوم، أصدرت وزارة السياحة الإيطالية بياناً تدافع فيه عن حملتها، مدعية أنها تهدف إلى سد الفجوة بين الفن التقليدي والثقافة المعاصرة، وأن فينوس بوتيتشيلي بدت لهم كأيقونة خالدة، يمكن أن تمثل إيطاليا. ومع ذلك، يجادل النقاد بأن هناك طرقاً بديلة لإشراك الجماهير الأصغر سناً، من دون المساس بنزاهة الأعمال الفنية الرصينة.
من الواضح أن هذه الحملة قد جلبت الكثير من الانتقادات لأصحابها، فقد أعرب كثيرون عن خشيتهم من أن الترويج للسياحة الإيطالية بهذه الطريقة، قد يؤدي إلى نتائج عكسية. يرى بعضهم أيضاً أن الترويج للتراث الثقافي يجب أن يكون بقدر من الحساسية والاحترام، بدلاً من اللجوء إلى مثل هذه الحيل التي من شأنها تقويض الأهمية الفنية والتاريخية للأعمال الشهيرة.