بعد كتابته سيناريوهات أفلام عراقية عدّة، أخرج ولاء المانع فيلمين، أحدهما عن "ثورة تشرين" (2019). اشتغالاته متنوّعة، وتساؤلاته كثيرة، ونظرته إلى واقع الحال السينمائي في بلده، مزيجٌ بين انتقاد لراهنها وآمال بمستقبل أفضل.
كتب ولاء المانع سيناريوهات عددٍ كبير من الأفلام العراقية الطويلة والقصيرة، نافس بعضها أفلاماً أخرى في مهرجانات مختلفة، ومنها ما حصل على جوائز، في العراق وخارجه، مثل "الشيخ نويل"، و"بير عليوي"، و"نافذة حمراء"، و"وردتان"، و"شهدة"، و"كودري". كما نال جائزة أفضل سيناريو في "مهرجان دمشق السينمائي الدولي" (2018)، عن "الشيخ نويل". حاورته "العربي الجديد" عن تجربته في كتابة السيناريو:
ما الذي قادك إلى كتابة السيناريو؟ ما الذي تجده فيه؟
منذ الطفولة، كانت السينما السحر الذي قادني إلى عالمها الغريب، ففيها اللامعقول والخيال الجامح الذي لا يعرف حدوداً. في وقتٍ متأخّر، فكّرت في دخول هذا العالم، كي أفهمه. قادتني خطواتي الأولى إلى كتابة السيناريو، الذي يُعتَبر جزءاً أساسياً من صنع فيلمٍ، لعلّني أحقّق حلمي الذي رافقني طويلاً.
السيناريو ركيزة أساسية في صنع الفيلم. هل تضع ذلك في اعتبارك عند الكتابة؟
بالتأكيد. أؤمن بأنّ العمل الجيد ينطلق من أولى مراحله، أي السيناريو، الذي يُعتبر الأساس الذي يُشيّد عليه أيّ عمل سينمائي أو درامي. من دون سيناريو جيد، لا يُمكن صنع عملٍ محترم، خاصة في ظلّ أزمة كتّاب السينما، ليس في العراق والمنطقة فقط، بل في العالم كلّه. لذلك، أحاول أنْ أُقدّم أفضل ما لديّ من أجل صنع سينما مميّزة، وفق الإمكانيات المُتاحة.
أتمنى أنْ نملك القدرة على الكتابة في فضاءٍ مفتوح، من دون خوف من التابوهات الاجتماعية والدينية والسياسية، والخطوط الحمراء وعقبات الإنتاج.
تتطلّب كتابة السيناريو خيالاً خصباً. هل مارست كتابة القصّة والرواية قبل كتابة السيناريو؟
منذ الطفولة، كنتُ أروي القصص لجدّي، التي تكون، غالباً، قصصاً من وحي خيالي، ومستمدّة من تلك الأساطير التي كان يحكيها لي في ليالي الشتاء. كنتُ أحاول أنْ أقلّده في قدرتي على نسج القصص والأساطير في طفولتي. في مراحل الدراسة الأولى، كنتُ متفوّقاً جدّاً في دروس القراءة، وكنتُ أنهي كتاب القراءة قبل أنْ يبدأ العام الدراسي الجديد. كنتُ أقرأ أحياناً كتب إخوتي الأكبر سنّاً منّي. كما ساعدني أبي في ذلك، وكان صحافياً، يجلب لي كتب الأطفال التي شكّلت جزءاً أساسياً من طفولتنا. بدأتُ الكتابة الفعلية في الحادية عشرة من عمري. كنتُ أكتب قصصاً خيالية قصيرة، أشاهد نفسي بطلها.
حصلتَ على جائزة أفضل سيناريو في "مهرجان دمشق السينمائي الدولي"، عام 2018، عن "الشيخ نويل". هل تحدّثنا عنه، وعمّا جعله يتميّز بين أعمالك؟
"الشيخ نويل" كان التجربة الناضجة لي. أعتبره انطلاقتي الحقيقية في الاحتراف، الذي ما كان ليتحقّق لولا إيمان صديقي المخرج سعد العصامي بهذا النصّ. نجح الفيلم نجاحاً كبيراً، وشارك في مهرجانات عدّة. يكفي أنّه كان الفيلم العراقي الوحيد الذي شارك في "أيام قرطاج السينمائية" و"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، رغم أنّ شروط المهرجان تنصّ على أنْ تُشارك الأفلام في عرضٍ أوّل في أفريقيا، واستُثني "الشيخ نويل" من هذا الشرط.
مارست الإخراج، إضافة إلى كتابة السيناريو في "النرجس البري"، والوثائقي "يومٌ في التحرير". هل ترى في ممارستك الإخراج سبيلاً لتلافي التدخّل في السيناريو، التي يشكو منه معظم الكتّاب؟
غالباً، أجد صعوبة في إيصال معظم السيناريوهات التي أكتبها إلى مرحلة الكمال بعد التنفيذ. نجلس، المخرج وأنا، لنرى إخفاقاتنا وملاحظاتنا، ونندب حظّنا على أنّنا فعلنا هذا أو ذاك. حين يُعرض الفيلم في صالة، يُصبح ملك الجمهور. هذه حقيقة لا تنفع معها الأمنيات. هنا، أخبرني أنس الموسوي، صديقي صانع الـ"أنيميشن" المبدع، برغبته في التعاون لإنجاز فيلمٍ جيّد، وهذا ما حصل. لا يُمكنني إغفال دوره الكبير في تحقيق فيلمي الأول، كاتباً ومخرجاً. كان مُبدعاً في ترجمة أفكاري، ووضع لمساته الإبداعية الرائعة. في المحصلة النهائية، أُنجز "النرجس البري"، الذي بات الآن في مرحلة التسويق للمهرجانات.
أمّا الوثائقي "يومٌ في التحرير"؛ فعن "ثورة تشرين" (2019). حاولت فيه توثيق تلك الأيام العظيمة كما حصلَت، وكما شاركتُ فيها.
أيّ الأفلام السينمائية وجدتَ أنّها حافظت على ما كنتَ تطلبه من السيناريو؟
أعترف بأنّي لم أستطع المحافظة على ما تمنّيته في معظم الأفلام التي شاركتُ في كتابتها وصنعها، أحياناً بسبب مشاكل الإنتاج، وأحياناً أخرى بسبب اختلاف الرؤية مع المخرج أو جهة الإنتاج، ما اضطرّني إلى التحايل واللجوء إلى ترميز أفكاري وما أؤمن به، للهروب إلى مساحتي الحرّة.
ما القّصة أو الرواية العراقية التي تتمنّى أنْ تكتب لها سيناريو أو معالجة سينمائية؟ ولماذا؟
الرواية العراقية فَقَدت هويّتها لأسبابٍ عدّة، وما زالت تبحث عنها بعد غياب جيل العمالقة، رغم أنّي أؤمن بأنّ الأدب العراقي يمكنه أنْ يكون أفضل مع الجيل الجديد. أتمنّى أنْ أكتب سيناريو لرواية "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي، و"حارس التبغ" لعلي بدر و"وحدها شجرة الرمان" لسنان أنطون. كما أتمنّى تحويل كلّ روايات الكبير غائب طعمه فرمان إلى سيناريوهات. أخيراً، أتمنّى أنْ أصنع من ديوان "الفانوس" للشاعر قيس لفتة مراد نصّاً سينمائياً.
كيف ترى المشهد السينمائي العراقي؟ وما هي أبرز المعوقات في صناعة السينما في العراق؟
الحديث عن السينما العراقية مؤلمٌ، وذو شجون. تاريخ السينما في العراق يمتدّ على أكثر من 80 عاماً، لكنّها للأسف ما زالت متأخّرة بمراحل كبيرة عن مثيلاتها في دول الجوار. لهذا التأخّر أسباب عدّة، ساهمت الأنظمة السابقة واللاحقة فيه. أعتقد أنّ مختصّين كثيرين تحدّثوا عن غياب الدعم، وقلّة المنتوج السينمائي، واختفاء دور العرض التي أدّت إلى قلّة الطلب على الفيلم العراقي.
رغم أنّ هناك محاولات جادة لإنقاذ صناعة السينما في العراق، قام بها مخرجون شباب، أمثال محمد الدراجي وعدي رشيد وسعد العصامي وآخرين، إلاّ أنّه ينقصها الكثير لتحقيق فيلمٍ عراقي يُمكنه أنْ ينافس محلياً وعالمياً.
أعتقد أنْ وجود قرار وإرادة لدى صنّاع هذا الفن يمكنه أنْ يُساعد كثيراً. لكنْ، يجب أنْ يكون هناك دعمٌ حقيقي، من خلال خطة ذكية وواقعية، يُمكنها انتشال الفنّ السابع في العراق. أتمنّى أنْ يكون هناك صندوقٌ لدعم السينما، يعمل وفق برنامج صحيح وبعيد عن إخفاقات التجارب السابقة، التي كانت فضيحة سينمائية وقحة، أدّت إلى فقدان الثقة بأسماء كبيرة ومهمّة ساهمت في ضياع الجهود والأموال. أعني المشاريع السينمائية التي أنتجت في مشروع "بغداد عاصمة للثقافة"، عام 2013.