رفعت السلطات الأميركية دعوى قضائية ضدّ شركة "غوغل" يوم الثلاثاء، متهمة إياها باستغلال موقعها المهيمن في السوق لعرقلة منافسيها، في التحدي الأكبر لنفوذ عمالقة التكنولوجيا منذ عام 1998.
الدعوى القضائية قد تؤدي إلى تفكيك الشركة العملاقة التي تجاوزت قيمتها السوقية تريليون دولار أميركي، لكن النتجية هذه غير مؤكدة، ومن المرجَّح أن يستغرق حلّ القضية سنوات.
وانضمت 11 ولاية أميركية إلى الدعوى الفيدرالية ضدّ "غوغل"، زاعمة أنها اتبعت إجراءات احتكارية في خدمات البحث العامة التي توفرها وفي خدمات البحث الإعلاني، منتهكة قوانين المنافسة الأميركية. واتُّهمت "غوغل" بإجبار المستهلكين والمعلنين على استخدام محرك البحث الخاص بها على أجهزة محمولة مجهزة بنظام "أندرويد"، عبر تطبيقات يستحيل إزالتها، ما يقلص المنافسة ويعوقها.
وأشارت الدعوى إلى أن "غوغل" تسيطر على 90 في المائة من إجمالي عمليات البحث في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى نحو 95 في المائة من عمليات البحث عبر الهواتف المحمولة. وذكرت أن الشركة تدفع لصانعي الهواتف الذكية، مثل "آبل" و"سامسونغ"، لتثبيت محرك البحث الخاص بها تلقائياً على أجهزتهم.
وبقيت مطالب وزارة العدل الأميركية مبهمة في الشكوى التي رفعتها إلى محكمة فيدرالية في واشنطن. وقال المستشار الكبير لشؤون التكنولوجيا في وزارة العدل، راين شورز، خلال لقاء مع الصحافيين: "لا نستبعد أي خيار، إلا أن مسألة الحلول ستقررها المحكمة بعد الاستماع إلى حججنا"، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
من جهة ثانية، اعتبرت شركة "غوغل" أن الدعوى القضائية "فيها الكثير من العيوب"، مشددة على أن "الأشخاص يستخدمون (غوغل) لأنهم يريدون ذلك، لا لأنهم مرغمون أو لأنهم لا يجدون بديلاً". وكتب كبير المسؤولين القانونيين في "غوغل"، كِنت ووكر، في تدوينة أن الدعوى القضائية "لن تفيد المستهلكين (...)، بل قد تعزز محركات البحث الأدنى جودة وترفع أسعار الهواتف المحمولة وتصعّب على الأشخاص حصولهم على خدمات البحث التي يرغبون في استخدامها".
وبدا أن المستثمرين تجاهلوا الأنباء بشأن الدعوى، ما أدى إلى ارتفاع قيمة أسهم الشركة الأمّ "ألفابِت" بنسبة 1.9 في المائة إلى 1563.51 دولاراً أميركياً بعد ظهر يوم الثلاثاء، وفقاً لوكالة "رويترز" بنسختها الإنكليزية.
العامل السياسي
تمثل الدعوى القضائية في حق "غوغل" لحظة نادرة من التوافق بين إدراة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطيين التقدميين الذين طالبوا في أكثر من مناسبة بمحاسبة هذه الشركات، وقد غردت السيناتورة إليزابيث وارن، في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، مطالبة بـ"تفكيك عمالقة التكنولوجيا".
كذلك فإن المباشرة بالإجراءات القضائية قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، المرتقبة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، قد يُنظر إليها على أنها لفتة سياسية يحاول من خلالها ترامب الإيفاء بوعوده لمؤيديه بمحاسبة شركات يزعم أنها تقمع أصوات الجمهوريين عبر منصاتها للتواصل الاجتماعي.
تحديات أخرى
لفتت وكالة "رويترز"، بنسختها الإنكليزية، إلى أن الولايات الـ11 التي انضمت إلى الدعوى القضائية لديها مدعون عامون جمهوريون، مشيرة إلى أن دعاوى قضائية أخرى قد ترفع مستقبلاً، فضلاً عن تحقيقات قد تفتح حول ممارسات "غوغل" في مجال الإعلانات الرقمية.
إذ يُتوقع أن يرفع المدعون العامّون، بقيادة تكساس، دعوى قضائية منفصلة تركز على الإعلانات الرقمية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بينما تفكر مجموعة أخرى، بقيادة كولورادو، في رفع دعوى قضائية أوسع ضد الشركة.
كذلك فإن الدعوى القضائية التي أُعلن عنها الثلاثاء تأتي بعد أكثر من عام من بدء وزارة العدل الأميركية و"لجنة التجارة الفيدرالية" بتحقيقات بشأن مكافحة الاحتكار في حق 4 شركات تكنولوجية كبرى هي "غوغل" و"فيسبوك" و"آبل" و"أمازون".
وواجهت "غوغل" تحديات قانونية خارج الولايات المتحدة؛ ففي عام 2019 فرض الاتحاد الأوروبي غرامة قيمتها 1.7 مليار دولار أميركي على "غوغل" لمنعها المواقع الإلكترونية من استخدام منافسيها في العثور على معلنين. عام 2018 فرضت سلطات المنافسة الأوروبية غرامة قياسية على "غوغل" قيمتها نحو 5 مليارات دولار، بعد اتهامها بممارسات غير قانونية على صعيد نظام "أندرويد"، لتعزيز موقعها المهيمن، ولا سيما في مجال البحث عبر الإنترنت.
"آبل" وسط المعمعة
أشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن شراكة "غوغل" و"آبل" في قلب المعركة القضائية، ما قد يهدد تدفقاً كبيراً للإيرادات للشركتين. وأوضحت الصحيفة الأميركية أن "غوغل" تعتمد على حركة البحث من هواتف "آبل"، فمحرّك البحث الرئيسي الخاص بها مثبت مسبقاً على محرك "سفاري" من "آبل". حين يدخل المستهلكون مصطلحاً على هواتفهم تُعطى إليهم تلقائياً نتائج بحث "غوغل" والإعلانات ذات الصلة.
وفي الدعوى القضائية، قالت السلطات الأميركية إن الرئيس التنفيذي في "آبل" تيم كوك، والرئيس التنفيذي في "غوغل" ساندر بيتشاي ــ لم تذكر اسم أي منهما في الدعوى ــ التقيا في 2018 لمناقشة كيفية عمل الشركتين معاً لدفع نمو عائدات البحث.
وعلى الرغم من عدم وضوح الشركتين بشأن قيمة صفقتهما، إلا أن الدعوى القضائية أفادت بأنها تمثل ما بين 15 و20 في المائة من أرباح "آبل" السنوية. وهذه الأرقام تعني أن "غوغل" تدفع ما يصل إلى 11 مليار دولار أميركي لـ"آبل"، للحصول على المركز الأول عند البحث عبر أجهزة "آيفون".
عودة إلى "مايكروسوفت"
شبّه خبراء قانونيون القضية المرفوعة ضد "غوغل" بأخرى رفعتها السلطات الأميركية في حق شركة "مايكروسوفت" قبل 22 عاماً. زعمت الدعوى حينها أن "مايكروسوفت" كانت تستخدم نفوذها كمالكة لنظام تشغيل الكمبيوتر الشخصي "ويندوز" Windows في منع التهديد المحتمل من برامج تصفح الإنترنت. واتهمتها وزارة العدل حينها باللجوء إلى عقود مقيدة مع صانعي أجهزة الكمبيوتر الشخصية وآخرين لمنع توزيع برنامج "نِتسكايب كوميونيكايشنز" Netscape Communications، الرائد التجاري في سوق المتصفحات.
ونجحت السلطات في إثبات اتهاماتها، إذ تبين، بعد سنوات، أن "مايكروسوفت" انتهكت بنحو متكرر قوانين مكافحة الاحتكار في البلاد.
لكن الدعوى ضد "مايكروسوفت" لا تزال محل نقاش إلى اليوم، إذ اعتبر مراقبون أنه لولا الدعوى القضائية وسنوات من التدقيق لكان بإمكان "مايكروسوفت" أن تخنق صعود "غوغل".
وقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في يونيو/ حزيران عام 2019، عن البروفيسور ديفيد بي. يوفي، من كلية الاقتصاد في "جامعة هارفارد"، قوله إنه من دون القيود المفروضة على سلوك "مايكروسوفت"، في التسوية المنجزة عام 2001، كان بإمكانها إطلاق العنان للأساليب التي استخدمتها ضد "نِتسكايب"، مثل الضغط على صانعي أجهزة الكمبيوتر الشخصية للموافقة على صفقات حصرية لإبراز خدمة البحث الخاصة بها "بينغ" واستبعاد تلك التي طورتها "غوغل".
وقال يوفي: "ربما لم تكن (غوغل) لتظهر بشكلها الحالي لو لم تُقيد ممارسات (مايكروسوفت)".