هونغ كونغ: الصحافة تسقط ضحيّة الاستبداد

06 يناير 2022
عاملات في "ستاند نيوز" يغادرن مقرّ الموقع بعد إعلان إغلاقه (مارك فيرنانديز/نورفوتو)
+ الخط -

أغلقت أكبر ثلاث منصّات إعلاميّة مستقلّة في هونغ كونغ، خلال أقل من عام، بعدما ضيّقت السلطات الخناق على حريّة التعبير. هكذا فقدت المدينة التي كانت تعدّ مقرّاً ومركزاً للحريّات، حريّة تعبيرها وصحافتها المستقلّة، تحت قيود قانون الأمن القومي الذي فرضته بكين عليها. إذ لطالما اعتُبرت هونغ كونغ مركزاً إعلامياً إقليمياً، على الرغم من تراجع تصنيفها بالنسبة إلى حرية الصحافة في السنوات الأخيرة، مع تشديد بكين سيطرتها. ورغم أنّ قرارات الإغلاق تشي بخوفٍ لا يُشبه مستقلي الصحافة في هونغ كونغ، فإنّه يشير أيضاً إلى فداحة ما ترتكبه السلطات بحقّ مَن قرّروا في كلّ مرات القمع السابقة الاستمرار بالمواجهة.

يوم الثلاثاء الماضي، أوقف موقع "سيتيزن نيوز" الإخباري في هونغ كونغ أنشطته "لضمان سلامة الجميع"، بعد أسبوعٍ واحد من إغلاق موقع إخباري مستقلّ آخر، إثر حملة دهم واستهداف شنّتها السلطات ضدّه. كان "سيتيزن نيوز" أكبر منصّة إخباريّة مستقلة متبقية في هونغ كونغ، بعد إغلاق صحيفة "آبل ديلي" في يونيو/ حزيران الماضي، وموقع "ستاند نيوز" يوم الأربعاء الماضي، كما يُعتبر من بين المواقع الإلكترونية الأكثر شعبية في هونغ كونغ، مع أكثر من 800 ألف متابع على مواقع التواصل.

و"سيتيزن نيوز" هو موقع إخباري وغير حزبي يموله مستخدموه، تأسس عام 2017 من قبل مجموعة صحافيين مخضرمين، بحسب "فرانس برس"، والذين كان من بينهم أربعة رؤساء سابقين لجمعية الصحافيين في هونغ كونغ. وخلال العام الماضي، وظّف الموقع صحافيين من وسائل إعلام أخرى، إثر تشديد السلطات الخناق على الصحافة، بحسب "فرانس برس".

وجاء في بيان نشره "سيتيزن نيوز" على "فيسبوك": "للأسف، لم يعد بإمكاننا بذل جهود لتحويل اقتناعاتنا إلى حقيقة بدون خوف بسبب التغيير الجذري في المجتمع على مدى العامين الماضيين وتدهور البيئة الإعلامية". وأضاف: "في وسط عاصفة تتشكّل، نجد أنفسنا في وضع حرج. في مواجهة أزمة، يجب أن نضمن أمن وسلامة كل من كانوا معنا".

وقال الكاتب الصحافي كريس يونغ، وهو من مؤسسي "سيتيزن نيوز"، في مؤتمر صحافي: "تغير ما فهمناه عن حرية الصحافة كثيرًا، مثل الخط الفاصل بين الحرية وما تقول الحكومة إنها مسؤوليات أو التزامات، مثل الحفاظ على الأمن القومي، والنظام العام، وما إلى ذلك". فقد تقلّصت مساحة التغطية والتحليل في الصحافة، كما حريّة التعبير في هونغ كونغ بشكلٍ عام، منذ فرضت الصين قانون الأمن القومي في هونغ كونغ عام 2019، في أعقاب احتجاجات عارمة مؤيدة للديمقراطيّة. منذ ذلك الحين، كثّفت السلطات اعتقال الناشطين السياسيين والصحافيين، فيما حلّت منظّمات حقوقيّة ونقابات نفسها، وأغلقت وسائل إعلام، فيما فرّ ناشطون إلى خارج البلاد بحثاً عن الأمان. تسبّب ذلك في إحكام الصين قبضتها على هونغ كونغ، فيما كان لقمع الصحافة المحليّة أثر بارز في ذلك. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وبينما باتت شبكة هونغ كونغ للإذاعة والتلفزيون بقيادة مسؤولين موالين للحكومة، أُرغمت صحيفة "آبل ديلي" المؤيدة للديمقراطية والمتهمة بأنها تشكّل تهديداً للأمن القومي، على الإغلاق، صيف العام الماضي. تعتبر "آبل ديلي" الصحيفة الأكثر تأثيراً في المستعمرة البريطانية السابقة والصوت القوي للمعارضة المناهضة للحكومة المركزية في بكين، وكان صوتها بارزاً في التظاهرات من أجل الديمقراطيّة في هونغ كونغ قبل عامين، لذا كانت الهدف الأول لحملة قمع الصحافة. اعتقلت السلطات ناشر الصحيفة جيمي لاي (73 عاماً)، بالإضافة إلى خمسة مديرين تنفيذيين، ووُجّهت اتهامات إلى بعضهم. كما جمدت أصول الصحيفة وحساباتها المصرفية، بتهمة التواطؤ مع جهات أجنبية وتعريض الأمن القومي للخطر، الأمر الذي حال دون قدرة الإدارة على دفع مستحقات الموظفين، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بإغلاق الصحيفة بعد 26 عاماً من تأسيسها.

في عددها الأخير، يوم 24 يونيو/ حزيران 2021، اختارت "آبل ديلي" لعددها الختامي صورة صحافي يحيي من غرفة التحرير مئات الأشخاص الذين تجمعوا قبل يومٍ واحد قبالة مقرها لمواكبة الصدور الأخير، معربين عن دعمهم لها. وفي رسالة وداع كتبها نائب رئيس التحرير تشان بوي-مان، الذي أوقف الأسبوع الماضي بتهمة المساس بالأمن القومي، قال إنّ "آبل ديلي رحلت"، مضيفاً أن "حرية الصحافة ذهبت ضحية الاستبداد".

وقبل نهاية عام 2021، كشفت السلطات عن نيّتها استهداف الصحافيين بشكلٍ متزايد، فدهمت الشرطة، في 29 ديسمبر/ كانون الأول، غرفة تحرير موقع "ستاند نيوز"، الذي أعلن عن الإغلاق بعد ساعات قليلة. أمام كاميرات الصحافيين الذين قد يواجهون مصيراً مشابهاً، اقتيد رئيس تحرير الموقع باتريك لام إلى مقرّ الموقع، مكبّل اليدين، فيما صادرت الشرطة معدّات وأجهزة من الموقع. 

ووجهت السلطات لرئيس تحرير موقع "ستاند نيوز" باتريك لام وسلفه شونغ بوي كوين تهمة "إثارة الفتنة"، وهي تهمة تعود إلى الحقبة الاستعماريّة. والرجلان كانا قد أوقفا في اليوم نفسه مع خمسة أشخاص آخرين مرتبطين بـ"ستاند نيوز"، كانت بينهم نجمة البوب دنيز هو، والمحامية والنائبة السابقة المؤيدة للديمقراطية مارغريت نغ، وكريستين فانغ، وتشاو تات-شي. قالت الشرطة إن الاعتقالات مرتبطة بمقالات "مثيرة للفتنة" نشرتها الصحيفة بين يوليو/ تموز 2020 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2021. كما جمّدت السلطات أصولاً بقيمة 7.8 ملايين دولار للشركة، بحسب ما ذكرت "سي أن أن".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

بعد ساعات، أعلن الموقع الذي تأسس عام 2014، أنّه سيغلق، فيما قال منشور للموقع على "فيسبوك"، قبل حذف حسابات الموقع على مواقع التواصل الاجتماعي: "كان ستاند نيوز مستقلاً تحريرياً ومكرّساً لحماية قيم هونغ كونغ الجوهرية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية وسيادة القانون والعدالة".

وفيما دانت المنظّمات المحليّة والدوليّة المعنيّة بحريّة الصحافة ذلك الدهم والإغلاق، كما مسؤولين سياسيين أميركيين وأوروبيين، انتقدت الصين تلك الانتقادات واعتبرتها "غير مسؤولة". في الوقت نفسه، دافعت الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ كاري لام عن الدهم، مدعيةً أنه لا علاقة له بما كتبه الموقع. وقالت لام، في 30 ديسمبر الماضي: "كان هذا عملاً تنفيذياً بحتاً. هذا ليس له علاقة بالعمل الصحافي أو الإعلامي".

منذ عقود، تقيم عدة وسائل إعلام أجنبية مقارها الإقليمية في هونغ كونغ بسبب القوانين المؤاتية للأعمال وحرية التعبير الواردة في الدستور المصغر للمدينة، لكنّ العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية باتت تتساءل حول بقائها فيها، مع تضييق الخناق على وسائل الإعلام. إذ تتراجع هونغ كونغ تدريجياً في الترتيب السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية لحرية الصحافة، إذ انتقلت من المرتبة 18 عام 2002 إلى المرتبة 80 عام 2021. أما الصين القارية فهي في المرتبة 177 من أصل 180 دولة مصنّفة، فيما تحتلّ المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر سجناً للصحافيين، بحسب تقارير منظّمتي "مراسلون بلا حدود" و"لجنة حماية الصحافيين". 

وأقرّ البرلمان الصيني قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ في شهر يوليو/ تموز من العام 2020. يتيح القانون، الذي أثار جدلاً واسعاً في حينه، مزيداً من الصلاحيات لبكين لتعزيز قبضتها الأمنية، ويعتبر أيّ أنشطة معارضة للحكومة المركزية عملاً يعزز النزعة الانفصالية في المنطقة الإدارية التابعة للصين، ويهدد أمن واستقرار الدولة. ولا يتطلب قانون الأمن القومي أمراً من المحكمة أو إدانة جرمية لتجميد الأصول، ما يعكس قدرة السلطات على ملاحقة أي شركة تهدد بنظرها الأمن القومي.

المساهمون