عام 1998 بات "غوغل" نجم شبكة الإنترنت. محرك البحث الذي قدّم تجربة ثورية للمستخدمين، تحوّل في أشهر قليلة إلى ركن من أركان الشبكة وسلوك مستخدميها وثقافتهم. وطيلة ربع قرن، رسم محرّك البحث هذا، معالم حقبة جديدة، قوامها الأساسي الوصول إلى المعلومات بسهولة.
لكن "غوغل" الذي تضخّم كثيراً، ليصبح إمبراطورية عظمى في عالم التكنولوجيا، بدأ انحداره التدريجي، بحسب ورقة تحليلية من موقع ذا فيردج التقني.
في العقد الأول من القرن 21، ابتلعت مواقع التواصل الاجتماعي الويب، وبدأت بالتزامن الانتقادات تطاول "غوغل" على اعتبار أن دقته تراجعت في عرض الأخبار، إلى جانب اتهامات بالانحياز في نتائج البحث التي يعرضها.
أما في العقد الثاني من هذا القرن، فبات الفيديو هو نموذج المحتوى المفضّل عند المستهلكين، بداية مع "يوتيوب" وصولاً إلى "تيك توك" الصيني الذي أربك سيليكون فالي وباغتها.
"غوغل"والسيطرة المطلقة
على مدى عقدين من الزمن، كان بحث "غوغل" هو القوة غير المرئية التي رسمت إلى حد كبير مصير المحتوى عبر الإنترنت. لكن الآن، ولأول مرة منذ إطلاق محرك البحث هذا، يبدو أن العالم من دونه ممكن بالفعل.
وكان "غوغل" في أواخر التسعينيات اسماً متداولاً كبديل أفضل لـ"ألتافيستا"، الذي لم يكن أكبر محرك بحث في ذلك العصر، ولكنه كان يعتبر الأفضل. ومع مرور السنوات تبدّل شكل الشبكة، وظهرت محركات بحث كثيرة، لكن "غوغل" بقي في الصدارة، مقدما تطويراً متواصلاً لنتائجه وخدماته.
هكذا توسّع "غوغل" مع السنوات من محرّك بحث إلى شبكة من الخدمات، التي بدأت بمجموعات "غوغل"، وتقويم "غوغل"، وأخبار "غوغل"، وإجابات "غوغل"، واستحواذها على "بلوغر".
وينقل "ذا فيردج" عن عالِم التكنولوجيا، آندي بايو، قوله إن" كل شيء نُفّذ بذكاء شديد، وبشكل نظيف للغاية، وسهل الاستخدام للغاية، ومتطور للغاية".
وشعر المدونون بأن كل ما تفعله "غوغل" كان هدفه تحسين الإنترنت. كانت الأدوات التي استمرت في إطلاقها الشركة المالكة لمحرك البحث (حملت اسم مجموعة ألفابيت لاحقاً) مرتبطة بمهمة جمع المعلومات حول العالم ومساعدة الأشخاص على إضافة المزيد من المحتوى إلى الويب.
"غوغل"... لعنة المال؟
يقول المدون أنيل داش إن الأمور بدأت تسوء في "غوغل" منذ 2003، عندما أضافت الشركة برنامج "أد سينس" لتقاسم أرباح الإعلانات مع صانعي المحتوى. فبحسب داش أدوات "غوغل" الإعلانية أعطت الروابط قيمة مالية، ما أدى إلى قتل التفاصيل العفوية في المنصة. منذ تلك اللحظة، اهتمت "غوغل" بشبكتها أكثر من سلامة الإنترنت على نطاق أوسع.
ونتيجة لهذا البحث المطرد عن الأرباح أُغلق "غوغل أنسرز" في 2006، و"غوغل ريدر" في 2013، في إعلان واضح لانتهاء عالم التدوين بشكله الأول.
"غوغل"... علامات التراجع
لا يزال تطبيق "بلوغر" يعمل، ولكن من دون "غوغل ريدر" كمركز لتجميع المحتوى، كما بدأ أغلب الناشرين في إنشاء محتوى أصلي على منصات مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، وأخيراً "تيك توك".
وبحسب "ذا فيردج"، تراجعت مكانة "غوغل" في التسلسل الهرمي لشركات التكنولوجيا الكبرى.
وكشفت احتجاجات "ريديت" الأخيرة عن تراجع شعبية "غوغل" كمحرك بحث، أمام الإقبال والاتكال الكبير على "ريديت"، تماماً كما نجح تطبيق "بينترست" بابتلاع جزء كبير من شعبية "صور غوغل" في نتائج البحث.
حتى إن البعض يعترف بأن خرائط "آبل" تستحق إعطاءها فرصة على حساب خرائط "غوغل"، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره حتى قبل بضع سنوات.
إلى جانب ما سبق، نجح روبوت الدردشة ChatGPT، الذي حقق نجاحاً كبيراً، في جرّ "غوغل" إلى سباق ضد "مايكروسوفت" لبناء نوع مختلف تماماً من البحث، نوع يستخدم واجهة روبوت دردشة مدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
هل يواجه "غوغل" مصير "ألتافيستا"؟
لسنوات اعتبر "ألتافيستا" أفضل محركات البحث، إلى أن جاء "غوغل" فأزاحه عن عرشه. في البداية أشاد المستخدمون والتقنيون بتقنيات "ألتافيستا" المتطورة، ثم واجه المحرك فجأة تهديداً وجودياً عندما قدّمت شركة غوغل الشابة طريقة جديدة للعثور على المحتوى.
وبدلاً من محاولة تحسين منتجها الأساسي، وإصلاح المشكلات التي يواجهها المستخدمون، أصبحت "ألتفايستا"، بدلاً من ذلك، أشبه ببوابة إلكترونية، مثقلة بالخدمات المتضخمة التي تعمل بشكل أقل جودة.
واعترف الرئيس التنفيذي للشركة في 2002 بأنها "حاولت أن تصبح بوابة في وقت متأخر جداً من اللعبة، وفقدت التركيز".
وقال في تصريحات لموقع وايرد في ذلك الوقت إن شركة ألتافيستا ستحاول العودة مرة أخرى والتركيز على خدمات البحث مرة أخرى. لكنها لم تستعد الصدارة قط... فهل يكون هذا مصير "غوغل"؟