يترقب الإعلام التونسي منذ قرارات قيس سعيّد الاستثنائية، في يوليو/تموز الماضي، التغييرات التي ستطرأ عليه، خاصة أن الرئيس عبّر أكثر من مرة عن عدم رضاه عن هذا القطاع، مستثنياً التلفزيون الرسمي الذي سانده، بفتح استديوهاته أمام المناصرين وتغييب المعارضين.
وكان نقيب الصحافيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، قد قال لـ "العربي الجديد" إن معارضي الرئيس التونسي ممنوعون من المشاركة في برامج التلفزيون الرسمي.
ووسط هذه الأجواء، اعتبر متابعو الشأن الإعلامي في تونس أن الخطوات التي يتخذها الرئيس في ضرب المؤسسات الدستورية، وآخرها المجلس الأعلى للقضاء، ستشمل الإعلام، عبر حل "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا) أو تجاهل قراراتها ومواقفها.
"الهايكا" هي الهيئة الدستورية التي تقوم بدور تعديلي في مجال السمعي البصري وضمان حرية الصحافة في القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية الرسمية والخاصة التي تتعرض لمحاولة السيطرة عليها من قبل السلطات التونسية.
ووجهت ثلاثة أحزاب معارضة لقرارات الرئيس التونسي، وهي "التيار الديمقراطي" و"الحزب الجمهوري" و"حزب التكتل من أجل العمل والحريات"، الثلاثاء، رسالة مفتوحة إلى الهيئة، طالبتها فيها بإصدار مواقف واضحة وحازمة، من أجل "التصدي لعملية وضع اليد التي يقوم بها رئيس الجمهورية على المؤسسات العمومية للاتصال السمعي البصري (الإذاعة والتلفزة)، قصد توظيفها لخدمة مشروعه الانقلابي التسلطي، وما نتج من ذلك من تضييق وضرب لحرية الإعلام والتعبير".
وطلبت هذه الأحزاب من الهيئة "اتخاذ مواقف واضحة وحازمة تندد بالتجاوزات الحاصلة من قبل رئاسة الجمهورية، والتنسيق مع باقي المنظمات المهنية للصحافة ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني المعنية بصون الحريات، للقيام بالتحركات اللازمة التي من شأنها وضع حد لهذه التجاوزات التي تضرب أهم مكسب تحقق للتونسيين، بعد 14 يناير/كانون الثاني 2011، ألا وهو الحق في حرية الإعلام والتعبير".
وفي هذا السياق، قال عضو مجلس "الهايكا"، هشام السنوسي، لـ "العربي الجديد"، إن "مسألة حلّ الهيئة غير مطروحة بشكل مباشر أو غير مباشر مع السلطات، ومَن يثيرها أشخاص يعارضون مواقفها وقراراتها".
وتعليقاً على الرسالة، أكد السنوسي أن الهيئة طالبت بتنفيذ القانون، وخاصة "المرسوم 116"، المتعلق بتعيين المسؤولين في مؤسسات الإعلام الرسمية، وأنها وجهت مراسلة في الغرض للرئاسة التونسية ولرئاسة الحكومة.
يذكر أن "الهايكا" تعيش وضعاً صعباً في ظل واقع إعلامي متقلب وتراكمات عدة، إذ شهد مقرها خلال الأيام الماضية وقفات احتجاجية للعاملين في قناة "نسمة تي في" الخاصة التي أوقفت بثها قبل أكثر من شهرين.
تقول الهيئة التونسية إن قرار إيقاف القناة عن البث سببه عدم تسوية وضعيتها القانونية، لكن العاملين فيها يؤكدون أن الأسباب هذه انتفت، ومنها أن جزءاً هاماً من ملكيتها يعود إلى الشقيقين نبيل وغازي القروي اللذين غادرا تونس منذ أكثر من شهرين، بسبب تهديدات لهما بالسجن، خاصة أن الأول يرأس حزب "قلب تونس" المعارض لقرارات الرئيس التونسي، والثاني كان عضواً في مجلس نواب الشعب المجمدة أعماله.
ويُنظر إلى قرارات "الهايكا" في ما خص إغلاق "نسمة تي في" وقناة "الزيتونة" المقربة من "حركة النهضة" على أنها مواقف سياسية، لمعاقبة أكبر حزبين في مجلس النواب المجمدة أعماله.
السنوسي نفى في حديثه لـ "العربي الجديد" هذه الاتهامات، وقال إن "المسألة لا تتعدى تطبيق القانون، وطالبنا بضمان الحقوق الاجتماعية للعاملين في القناة باعتباره واحداً من المطالب الرئيسية لأي حلّ لهذه المسألة".