لا تزال دور الإفتاء حول العالم تقدم خدمات الإفتاء عبر الهاتف أو بالبريد الإلكتروني، أو توفر قائمة من الأجوبة المعدة سلفاً، التي كتبها مختصون. لكن هل يصدر الذكاء الاصطناعي الفتوى في الحاضر والمستقبل القريب؟ وهل هو مؤهل لذلك أصلاً؟
تجارب عربية في بدايتها
عام 2019، أطلقت إمارة دبي منصة إفتاء إلكترونية تعتمد على الذكاء الاصطناعي للإجابة عن الأسئلة الدينية من دون الحاجة إلى بشر.
وقال القائمون على الخدمة حينها إن المستخدمين يحتاجون فقط إلى دخول موقع أو تطبيق والتوجه إلى خدمة الدردرشة Chat، ثم إرسال استفساراتهم ليتلقوا الرد تلقائياً.
وبعد 3 سنوات من هذه التجربة، والأسبوع الماضي تحديداً، وُقّعت وثيقة للفتوى في الحرمين تضمنت 20 بنداً، من بينها استثمار الذكاء الاصطناعي لبيان الإجابة للسائلين عن الأحكام الشرعية في الحرمين، وإعداد موسوعة للفتوى تستفيد من الذكاء الاصطناعي في التعرف إلى حال المستفتي، وإيصاله للسؤال وجوابه المناسب لحالته، وإعداد أدلة إلكترونية ترشد الحجاج وتوعيهم بأحكام الحج وشعائره، وتتفاعل بنظام الذكاء الاصطناعي معهم، بحسب المكان والتوقيت وخصائصه الديموغرافية.
وفي مايو/أيار الماضي، دعت دراسة علمية إلى رعاية مقترح إنشاء تطبيق يتم من خلاله استخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، وتبنيه من جانب الجامعات والمؤسسات المهتمة، بحسب صحيفة "الجزيرة" السعودية.
واقترحت الدراسة البحثية التي حملت عنوان "الذكاء الاصطناعي وأثره في صناعة الفتوى" للباحث عمر بن إبراهيم المحيميد، تقديم هذا المقترح إلى الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، والتعاون معها لإنتاج هذه البرامج، بالتعاون مع الجهات والشركات ذات العلاقة.
لكن رغم كل هذه التحركات، لا يزال إدخال الذكاء الاصطناعي في الفتوى شبه منعدم، ما عدا ما يخص محركات البحث.
هل الذكاء الاصطناعي "ذكي" كفاية لإصدار أحكام قضائية؟
على الرغم من تطور الذكاء الاصطناعي، إلا أن الخبراء والمهتمون ما زالوا غير مطمئنين لفكرة اعتبار الذكاء الاصطناعي منافساً للذكاء البشري.
يقول موقع "إسلام ويب"، أحد أشهر محركات البحث عن الفتاوى في العالم العربي، إن الذكاء الاصطناعي "لا يخرج الآلة عن كونها آلة، ولا يوفر لها صفات الكائنات الحية"، وأنه "لا يتعدى بالإنسان مداه".
وبحسب مدير معهد إيدياب السويسري للأبحاث هيرفي بورلار، فإنه "ليس ثمة شيء اسمه (الذكاء الاصطناعي)، على اعتبار أنه لا يُوجد نظام يعكس أدنى درجة من الذكاء البشري. فحتى الطفل البالغ من العمر شهرين أو ثلاثة أشهر باستطاعته أن يفعل ما لن يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله أبداً"، بحسب تعبيره.
وينقل موقع "سويس إنفو" السويسري عن بورلار أن "الحس المنطقي السليم، أي القدرة البشرية المميزة، لا يُمكن للآلات أن تكتسبها بالتقليد ولن تقدر على فعل ذلك مطلقاً".
الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم القضاء
في الإسلام، الإفتاء هو بيان الحكم الشرعي من دون الإلزام به، والقضاء هو بيان الحكم الشرعي مع الإلزام به. هذا ما يجعل النقاش حول الذكاء الاصطناعي والفتوى في العالمي العربي شبيهاً بالنقاش حول الذكاء الاصطناعي والقضاء في العالم.
وفي هذا السياق، ناقشت جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية في مقال مدى إمكانية استبدال الذكاء الاصطناعي للقاضي في قاعة المحكمة، وهل التكنولوجيا مؤهلة لذلك.
وأنشأت دول مثل إستونيا بالفعل قاضياً يعمل بالذكاء الاصطناعي في خطوة لتبسيط الخدمات الحكومية وتسريع البت في القضايا المتراكمة في المحاكم.
ويقول الباحث في تأثير التكنولوجيا على التقاضي وتسوية المنازعات مايكل ليغ: "استخدمت الحكومة الإستونية قاضياً يعمل بالذكاء الاصطناعي من أجل الفصل في الدعاوى الصغيرة مثل العقود التي تقل قيمتها عن 7 آلاف يورو".
ويقول مؤيدو استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء إنه يمكنه التغلب على مخاطر الانحياز البشري من خلال اتباع نهج قائم على البيانات، بينما يرى المعسكر الرافض أنه قد يخرج بخلاصات متحيزة أو غير مناسبة.
وتقول الباحثة فيليسيتي بيل: "ربما تكون لدى القاضي معلومات غير كاملة وتحيزات غير معروفة، لكن تقديم أسباب القرار وعدالة الإجراءات تسمح بالشفافية في اتخاذ القرار وبالتالي الطعن أو النقد".
وتابعت أنه "يمكن للقاضي البشري أيضاً أن يسعى إلى تقييم الأمور غير القابلة للقياس وممارسة التعاطف".