هذا نشاطٌ لا مقاومة موت وخراب

02 ديسمبر 2024
هذه حربٌ إسرائيلية أقوى من أنْ يردعها نشاطٌ ثقافي ـ فني (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتكرر في الإعلام اللبناني فكرة أن النشاط الثقافي والفني يمثل استعادة للحياة في مواجهة الموت، حيث يُعتبر الفعل الثقافي بحد ذاته أهم من نتائجه، وكأنه قادر على دحر الخراب وإعادة الإعمار.

- يُظهر هذا الخطاب تباهياً وتفاخرًا بتنظيم الأنشطة الثقافية كدفاع عن وطن مريض، مع تثبيت إيمان بوطن يُشبه طائر الفينيق، رغم أن هذا الخطاب قد يبدو مملاً وغير فعال.

- الفعل الثقافي والفني مهم، لكنه لا يحتاج إلى خطابات خاوية، بل إلى مواجهة حقيقية للفساد والدمار، مع الاعتراف بأهمية النقد في تقييم هذه الأنشطة.

 

فكرةٌ تتردّد مراراً في صحافةٍ وإعلام لبنانيَّين، "احتفاءً" بنشاطٍ ثقافي ـ فني: استعادة الحياة في بلدٍ يواجِه الموت. استكمالاً للفكرة، يُقال إنّ بيروت تُقارع موتها بثقافةٍ وفنون. تُصبح الكتابة أو التصريح بيان افتخارٍ بقدرة أفرادٍ على المواجهة والتحدّي، وهذا مُنزّه عن أي نقدٍ للنشاط، ولما يُقدّمه من نتاجاتٍ. كأنّ الفعل بحدّ ذاته أهمّ من أيّ شيءٍ آخر. أو كأنّه كفيلٌ بدحر الخراب، وإعادة الإعمار، واسترداد أرواحٍ من مقابرها، ومعالجة أجسادٍ معطوبة، وترميم نفوسٍ مقهورة.

إعلاء الصوت بكلامٍ كهذا يكشف تباهياً وتشاوفاً وتَعالياً ممن يظنّ أنّ تنظيمه نشاطاً كهذا يعني دفاعاً عن بلدٍ منتهٍ، وعن اجتماع مريض، وعن أحوالٍ تحتاج إلى تأهيلٍ جذري وعميق. كلامٌ كهذا يُراد له تأكيد حسٍّ وطني لمن يُنظِّم، ولمن يُشارك أيضاً (مع أنْ ليس جميع المشاركين والمشاركات يقولون بهذا)، وتثبيت إيمان بوطنٍ يمثّل، عند قائلي هذا الكلام وقائلاته، أصدق صورة لطائر فينيق، يُصبح مملاً منذ آلاف القرون.

الأسوأ أنّ قائلي وقائلات كلامٍ كهذا منفضّون، كلّياً أو غير كلّي، عن فعل أصدق وأهمّ: مواجهة تنانين القتل والفساد والتدمير في الداخل أولاً، ومواجهة العدوّ واجبٌ أخلاقيّ بالتأكيد. الفعل الثقافي والنتاج الفني أساسيان في هذا كلّه، وممارستهما واقعٌ غير محتاج إلى كتاباتٍ ترتكز على جُمل خاوية عن وطن وفينيق ومقاومة بثقافة وفن. تنظيم نشاطات ثقافية وفنية عملٌ عاديّ في زمن السلم، كما في زمن الحرب. وهذا لن يبلغ ما يُقال عنه من شعر باهتٍ، وخطابية مفرّغة من أي معنى، يُكتبان (الشعر والخطابية) بسبب كسلٍ في جعل الكتابة والقول إنتاجاً معرفياً لا مجرّد صراخ على أطلال مدينة متجاوزة احتضارها منذ زمن بعيد.

بالتأكيد، هناك نتاجات ثقافية وفنية مهمّة، والسينما أساسية في صُنع المهمّ. لكنّ تحويل نشاطٍ، يحتاج إلى قراءة نقدية في جوانبه كلّها، إلى فعلٍ مُقاوم للموت ومُحبّ للحياة، فمهزلةٌ ستتكرّر للأسف.

المساهمون