تحت عنوان "هذا ليس معرضاً"، افتتح المتحف الفلسطيني في بلدة بيرزيت القريبة من رام الله، اليوم الأربعاء، أمام ممثلي وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، معرضاً اشتمل على 286 عملاً فنيّاً لمائة فنان فلسطيني من غزة جُمعت من بيوت الضفة الغربية، على أن يُفتتح للجمهور يوم الحادي عشر من الشهر الحالي.
وأشار عضو مجلس إدارة المتحف، ووزير الثقافة الفلسطيني السابق، إيهاب بسيسو، إلى أن للمعرض خمسة أهداف أساسية، "أولها التأكيد على أن (هذا ليس معرضاً) امتداد لصوت غزة الذي يحاول الاحتلال أن يطمسه وأن يخرجه من السياق الوطني الفلسطيني عبر مفردات وأعمال الإبادة المتكررة، وأن هذه الأعمال الفنية المعروضة تشكل رسالة تقدير وعرفان للفنانات والفنانين في غزة، لا سيما من استشهد منهم خلال الحرب المتواصلة على القطاع، ومن فقد أعماله الفنيّة، ومراسمه التي تحوّلت إلى ركام، وبالتالي هي محاولة لإعلاء صوتهم الذي عمد الاحتلال إلى إخراجه من السياق الفني الفلسطيني".
وأضاف بسيسو أن "في هذا بعداً رمزياً للتأكيد على أنهم لم يكونوا أرقاماً كما حال بقية الشهداء، بل كانوا فنانات وفنانين يواصلون العمل من أجل الفن وفلسطين، وفيه أيضاً رسالة تقدير لمن لا يزالون على قيد الإبداع الفني بمختلف أجيالهم، في ظل الظروف المأساوية في القطاع هذه الأيام".
وتابع أن المعرض "يشكل رسالة شكر لكل هؤلاء الذين خلقوا مساحات الإبداع في غزة، حيث تعود أقدم لوحات المعرض إلى ثمانينيات القرن الماضي للفنان بشير السنوار الذي رسم لوحة القربان أو الفدائي، وتحديداً عام 1982، ومن وقتها باتت أيقونة من أيقونات الفن الفلسطيني، وما تحمله من إسقاطات ذات دلالات واقعية مع القربان الذي تقدمه غزة هذه الأيام من أجل الحرية".
ولفت بسيسو إلى أن "هذه التظاهرة الفنية أكدت أن غزة توحّدنا جميعاً اليوم، فخلال الإعداد لها من إدارة وطاقم المتحف الفلسطيني، اكتشفنا أن الجهود التي أبدعها فنانات وفنانو غزة موجودة في بيوت الفلسطينيين في الضفة بتعدد مدنها وبلداتها وقراها ومخيماتها، وفي مقار مؤسساتها الثقافية والتعليمية والمجتمعية وغيرها، ما يعني أن غزة تعيد صياغة البيان الوطني الفلسطيني عبر مساهمة كل من قدموا الأعمال الفنية التي يملكونها أو يحتفظون بها لفنانين من غزة لإنجاح هذه الظاهرة والتظاهرة تحت عنوان "هذا ليس معرضاً".
وشدّد بسيسو على أن إطلاق اسم "هذا ليس معرضاً" على المساحات الفنيّة التي يحتضنها المتحف الفلسطيني، جاءت باعتبارها تظاهرة فنية فريدة من نوعها، دأبت إدارة المتحف على مدار أشهر بالعمل عليها، لتخرج أشبه ببيان فني يقحم مجموعة من المفاهيم التي تنتصر للإنسانية والحق في قضية الشعب الفلسطيني، خاصة إزاء ما يحدث في غزة من إبادة جماعية، يتواصل منذ أكثر من أربعة أشهر.
وأشار مدير المتحف، عامر الشوملي، إلى أن "هذه المساحات المتعددة حول غزة بصرياً وتراثياً، تشكّل ظاهرة وتظاهرة فنيّة في آن، لذا كان الاسم (هذا ليس معرضاً)، لافتاً إلى أنه ليس لهذه التظاهرة الفنية سياق المعارض الكلاسيكية، أو تلك المتحفية، لا على مستوى الوقت، ومستوى الكتابة والمحو بمعناها الفني، والمراجعات المستمرة، والبحث على مدار زمن ممتد ذي مساحة رحبة، وهو ما لم يكن في التحضير لهذه المساحات".
"هذا ليس معرضاً" حي ومتجدد
شدّد الشوملي على أن "هذا المعرض يؤكد أيضاً على أن محاولة محو الاحتلال للتاريخ والرواية الفلسطينية عامة، والفنية خاصة باستهداف المتاحف والمراكز الثقافية والفنية والمراسم لن تنجح، لكون الشعب الفلسطيني شعب ممتد داخل وخارج فلسطين، فحين تقصف مقرات المحترفات والتجمعات الفنية، يفتتح المتحف مساحات بديلة بالشراكة مع مؤسسات عدة وأفراد كثر، وحين تقصف أعمال الفنان ميسرة بارود مثلاً، تخرج أعمال أخرى لها من على جدران بيوت من اقتنوها في الضفة".
وكشف الشوملي لـ"العربي الجديد" أن "هذا ليس معرضاً" حي ومتجدد، "بمعنى لا وقت محدداً لاختتام أعماله، ومحتوياته في تجدّد مستمر، فقد كانت اللوحة الأقدم هي بالفعل لبشير السنوار، ولكن في وقت متأخر من مساء أمس وصلتنا لوحة للفنان كامل المغني رسمها عام 1976، وباتت هي اللوحة الأقدم من بين المعروضات، ولا نعرف ماذا يضاف لهذه المساحة الفنية عند افتتاحها أمام الجمهور، أو بعد ذلك، فبعد ساعات قد تتغير اللوحات، أو طريقة عرضها، وتتغيّر أسماء الفنانين المشاركين، فهذه مساحة للمقاومة والصمود وليست معرضاً بالمعنى التقليدي للمعرض".
ويشتمل "هذا ليس معرضاً"، إضافة إلى اللوحات، على أعمال تندرج في إطار "الفيديو آرت" أو الأعمال التركيبية القائمة على الفيديو، في حين سيكون الجمهور على موعد مع مساحتين أخريين في الحادي عشر من الشهر الحاري، إحداهما بعنوان "نساء غزة" تتمحور حول أثواب تقليدية وحلي أقدم من تاريخ الإعلان عن دولة الاحتلال على أنقاض الفلسطينيين، وأخرى بعنوان "مفقدون"، وهو معرض شخصي للفنان تيسير بركات.
وكان الفنان شريف سرحان، أحد مؤسسي محترف شبابيك في غزة، قال في كلمة مسجلة صوتاً وصورة، إن "هذا ليس معرضاً" يصبّ في مفهوم الوجود الفلسطيني، "حتى وإن كانت غزة ضحية الحصار والقصف والنار، الفنان الفلسطيني سيكون قادراً، دوماً، على إنتاج الفن الذي يعلي صوت غزة وأهلها"، في حين غاب الفنان محمد الحواجري، أحد مؤسسي مجموعة التقاء في غزة، كما غابت كلمته المسجلة التي يحاول إرسالها عبثاً منذ أيام، بسبب سوء أوضاع الاتصال عبر الإنترنت من القطاع المحاصر.